أن تقوم وزارة الإسكان بعمل مشروع لإسكان محدودى الدخل، فهذا أمر مقبول ومعقول، أما أن تتحول وزارة الإسكان إلى مستثمر عقارى وتاجر وسمسار وتقوم ببناء مشروع إسكان ينافس مشاريع القطاع الخاص، ويرفع أسعار العقارات بشكل لافت، فهذا هو غير المفهوم وغير المقبول على الإطلاق. لقد توقفت طويلا أمام أسعار الشقق المطروحة التى وصل الحد الأدنى لسعر المتر فيها إلى 2500 جنيه فى المدن التى ليس عليها إقبال، فى حين أنه من المتوقع أن ترتفع الأسعار فى معظم المدن عن ذلك المعدل لتصل إلى 7500 جنيه فى القاهرة الجديدة.. أى أن شقة مساحتها 100 متر سوف تصل قيمتها إلى 750 ألف جنيه (مليون إلا ربع).. منتهى الاستفزاز أن يأتى ذلك من وزارة الإسكان، فأصحاب الملايين لهم ألف طريقة وطريقة للحصول على الشقق والعقارات فى الأماكن المميزة والمدن الجديدة والقديمة، وليست لديهم مشكلة على الإطلاق. مشكلة الإسكان فى مصر ليست فى الإسكان الفاخر، لكنها فى الإسكان الخاص بمحدودى الدخل والباحثين عن شقة تؤويهم، ودور الوزارة هو الاهتمام بهؤلاء أو توفير قطع أراض مرفقة لمن هو قادر على البناء، فالأزمة كلها تكمن فى الإسكان منخفض التكاليف. ما فعلته وزارة الإسكان سوف يؤدى حتما الى إشعال الأسعار فى سوق العقارات، فالأسعار التى حددتها الوزارة أعلى بكثير من الأسعار الحالية للشقق فى مدن العبور واكتوبر والشروق، وبالتالى سوف تتحرك هذه الأسعار لتصل الى معدلات أسعار الحكومة، وحينما يرفع القطاع الخاص أسعاره فإنه يقارن أسعاره بأسعار الحكومة، وهذا هو الخطأ الكبير الذى وقعت فيه وزارة الإسكان دون أن تدري، وسوف يؤدى إلى إشعال أسعار الشقق فى المدن الجديدة بشكل مبالغ فيه. سلسلة ممتدة من الأخطاء وقعت فيها وزارة الإسكان منذ فترة طويلة، بدأت بتخصيص مساحات ضخمة من الأراضى لرجال الأعمال والمحظوظين بأسعار زهيدة ليكسبوا منها المليارات بعد ذلك، خاصة مع تولى أحمد المغربى وزارة الإسكان الذى اخترع مزاد اشبه وهمى «خادع» للمزايدة على بعض الأراضي، وهو المزاد الوحيد الذى قام به ليرفع سعر الأراضى إلى أرقام فلكية، ويفتح الباب واسعا أمام أصدقائه من رجال الأعمال ليحصدوا مكاسب رهيبة نتيجة إعادة تقييم سعر الأراضى التى حصلوا عليها بالملاليم، وبعد المزاد ارتفعت الأسعار إلى أرقام فلكية ليدخل جيوب المستثمرين ورجال الأعمال المليارات بضربة حظ ودون أى جهد. تصريح الوزير مصطفى مدبولي، الذى أشار فيه ل«بوابة الأهرام»، إلى أن هامش الربح الذى سوف يتحقق من هذه الوحدات سيوجه بالكامل لاستكمال تنفيذ وحدات مشروع المليون وحدة، ليس مبررا لأن تدخل الوزارة فى مثل هذه النوعية من المشروعات، وقد آن الأوان لإعادة هيكلة وزارة الإسكان ووضع استراتيجية ثابتة لعملها ودورها، سواء فيما يتعلق بدورها فى إسكان محدودى الدخل فقط أو توفير قطع أراض بمساحات صغيرة للقادرين على البناء والراغبين فى السكن الخاص، على أن تباع تلك الأراضى بسعر السوق ودون دعم أو مكسب، فالدعم يجب أن يكون فقط لإسكان محدودى الدخل كما هو الحال فى مشروع المليون وحدة، أما غير ذلك فهو دور القطاع الخاص. أيضا لابد أن تكون آلية واضحة وشفافة لبيع الأراضى المخصصة للاستثمار العقاري، لضمان عدم دعم كبار المستثمرين، وأعتقد أن ما فعلته هيئة المجتمعات العمرانية مؤخرا من بيع 301 فدان بالقاهرة الجديدة بمبلغ 2.4 مليار جنيه، يصلح أن يكون بداية لاستراتيجية واضحة فى تخصيص أراضى الدولة وعدم توزيعها بالمجان «للمحاسيب» و«المحظوظين»، وفى نفس الوقت عدم المضاربة ورفع الأسعار بشكل مبالغ فيه، كما حدث فى مشروع الإسكان المتوسط الأخير، أو كما فعل أحمد المغربى فى مزاده الشهير والوحيد لخدمة أصدقائه. فى كل الأحوال، يجب ألا تتحول وزارة الإسكان إلى «سمسار» وتاجر أراض أو عقارات، وإنما هى الحارس الأمين على أراضى مصر، وفى نفس الوقت توفير الإسكان لغير القادرين، فى إطار نظام عادل وشفاف يستهدف فتح باب الأمل أمام الشباب وغير القادرين لتحقيق حلم حياتهم فى شقة تؤويهم وتحميهم وتجعلهم يشعرون بالانتماء إلى وطنهم. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة