حتى وقت قريب كان مجمع البحوث الإسلامية وخريجو جامعة الأزهر من مختلف الدول الإفريقية والعربية والإسلامية هم إحدى القوى الناعمة لمصر جاءوا إلى بلد الأزهر الشريف طلابا للعلم, وعادوا إلى بلادهم مفتين وعلماء دين ووزراء ورؤساء حكومات حاملين فى قلوبهم حبهم لمصر والمصريين وبلد الأزهر. ومنذ إنشائه سنة 1961 كان مجمع البحوث الإسلامية أحد أهم هيئات الأزهر الشريف المعنية بإيفاد البعثات الأزهرية ورعاية الطلاب الوافدين من مختلف دول العالم وتجديد الثقافة الإسلامية وضبط ساحة الفتوى والخطاب الدينى فى مصر والعالم من خلال هيئاته الشرعية التى تضم العلماء من مختلف التخصصات والدول، وكان مرجعية المسلمين الأولى على امتداد العالم. وبعد أن تراجع هذا الدور واحتلت قوى دينية دخيلة على الفكر الوسطى تلك الساحة التى كان يشغلها وعاظ الأزهر فى مختلف دول العالم وإفريقيا على وجه الخصوص جاء قرار الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، بإحياء المجمع وتفعيل دوره داخليا وخارجيا، وأصدر قرارا بتعيين الدكتور محيى الدين عفيفى عميد كلية الوافدين بجامعة الأزهر وأستاذ الثقافة الإسلامية أمينا عاما للمجمع. فى هذا الحوار يكشف الدكتور محيى الدين عفيفى الأسباب التى أدت إلى تراجع قوتنا الناعمة وما ينبغى القيام به للمضى فى استرداد تلك القوة واستعادة عمائم الأزهر دورها الريادى إقليميا وعالميا بعد أن عانى نوعا من الانحسار خلال العقود الثلاثة الماضية. وأعلن فى أول حوار صحفى منذ شغله منصبه الجديد، أن من أهم أولوياته التى لا تحتمل التأخير، النهوض بواقع الدعوة فى المجمع والمتمثل فى الوعاظ عن طريق الارتقاء بالمستوى الشخصى والعلمى لهم، وضبط الخطاب الدينى الملائم للمرحلة الراهنة، وتحصين الشباب وحمايتهم من الوقوع فى براثن الاتجاهات الفكرية المتطرفة، والى نص الحوار.. جاء قرار الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر باختياركم أمينا عاما لمجمع البحوث الإسلامية بعد عقود مضت لم يشغل فيها أحد من أساتذة جامعة الأزهر هذا المنصب، ما دلالات هذا الاختيار؟ المجمع هو المؤسسة العلمية الأزهرية التى تعنى فى المقام الأول بإعداد البحوث العلمية فى مختلف فروع العلوم الإسلامية والعربية وذلك من خلال أعضائه أو اللجان المنبثقة عنه أو تعاونه مع المتخصصين من العلماء فى التخصصات العلمية المختلفة، إلا أن العقود الثلاثة المنصرمة شهدت نوعا من الانحسار فى أداء المجمع لأسباب كثيرة، ومن ثم فقد أخذ الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب على عاتقه مسئولية النهوض به وتفعيل دوره فى شتى الدوائر العلمية المختلفة على المستوى المحلى والإقليمى والعالمى، وذلك بالنهوض بالواقع الدعوى وتفعيل دور الوعاظ بما يسهم فى ضبط الخطاب الدعوى وتفعيل البحوث العلمية ومراجعة ملفات المبعوثين والتدقيق فى اختيارهم ومتابعة أدائهم والعناية بالطلاب الوافدين، والإمام الأكبر مهموم جدا بالمجمع وبدوره المحلى فى تلك المرحلة الفارقة من تاريخ مصر وكذلك الدور العالمى للمجمع سواء فيما يتعلق بمبعوثى الأزهر إلى مختلف دول العالم والمنح الدراسية التى يقدمها الأزهر للطلاب من مختلف أنحاء العالم وغير ذلك. تم مؤخرا اختيار أعضاء جدد مثل وزير الأوقاف ومفتى الجمهورية وعدد من العلماء فى مختلف التخصصات العلمية من الدول العربية, فهل من شأن ذلك إعادة المجمع إلى دوره المحلى والعالمى؟ وما خطتكم المستقبلية؟ انضمام هؤلاء العلماء يمثل نقلة نوعية ويدعم المسيرة العلمية والعطاء المعرفى للمجمع ويعزز قدراته فى التفاعل مع القضايا المعاصرة، ويعكس عالميته وعدم اقتصاره على العلماء المصريين فقط. وبدأنا فى دراسة عدد من الملفات الأساسية مثل ملف الدعوة والإعلام والبعوث والإيفاد والثقافة والنشر والدراسة المتعمقة لتحديد الأولويات وجدولتها وفق الاحتياجات، توجد لدينا أمور عاجلة لا تحتمل التأخير وهى النهوض بواقع الدعوة والوعاظ ودورهم فى ضبط الخطاب الدينى من خلال التدريب وإقامة المسابقات ومكافأة المتفوقين والمتميزين من الوعاظ وتزويدهم بالمراجع والمصادر والأدبيات التى يحتاجونها لتفعيل دورهم, مع مراعاة ظروفهم الاقتصادية والحاجة إلى توفير تلك المراجع بشكل لا يرهقهم ماديا. وهناك ملف كبير خاص بنشر الثقافة الإسلامية لتلبية احتياجات الناس لمعرفة رأى الأزهر فى كل القضايا المثارة على الساحة الفكرية. فهناك تحديات كبيرة فرضت على الأزهر من خلال تلك الحملات الشرسة التى تشن الآن عليه للنيل منه، وأؤكد أن محاولات إسقاط الأزهر هى محاولات لإسقاط الدولة بأكملها، فما نعيشه الآن من فوضى فكرية وشعارات مزيفة للحرية والإبداع وغير ذلك مما يروج له أصحاب الأجندات المعروفة، وتصدى من لا يملكون الأهلية العلمية لتناول قضايا علمية مهمة بطريقة تؤدى إلى التشويش على الناس، جعل مجمع البحوث الإسلامية يعكف على بيان الرؤية العلمية الصحيحة فى الموضوعات التى أثيرت أو ستتم إثارتها, وإتاحتها لكل الناس عبر الأوعية المختلفة للمعلومات بشكل موضوعى دون التعرض لأشخاص من يثيرون تلك القضايا لأننا نتعامل مع أدلة وبراهين علمية. البعثات الأزهرية بالخارج شكلت فى الماضى إحدى القوى الناعمة لمصر فى إفريقيا وغيرها من قارات العالم، كيف يمكن استعادة هذا الدور وتأهيل المبعوثين الأزهريين لريادة ساحة الدعوة الإسلامية فى الخارج؟ الإمام الأكبر منذ توليه مشيخة الأزهر وضع منهجا دقيقا لعملية اختيار المبعوثين ومن يوفدهم الأزهر للخارج, وذلك من خلال عقد امتحان تحريرى فى العلوم المختلفة لكل المتقدمين للسفر، ثم يتم عقد امتحان شفهى للناجحين فى الاختبار التحريرى، ويشارك فى لجنة الاختبار أعضاء من وزارة الخارجية وجامعة الأزهر, ويتم التركيز فى هذه المقابلة على هيئة وثقافة وحضور بديهة المتقدم للسفر ومدى ملاءمته للمهمة التى سيبتعث من أجلها، ونحن نقوم بتطبيق تلك الشروط بدقة، وقد ظهرت آثار ذلك فى الحد من سفر غير المؤهلين، وفى احترام وتقدير المتميزين وإتاحة الفرصة لهم لبيان الرؤية العلمية للأزهر، وتتم متابعة المبعوثين فى الخارج من خلال التواصل مع سفاراتنا فى الخارج بطلب تقارير مفصلة عن أداء المبعوثين. وماذا عن الطلاب الوافدين الذين تخرجوا من رحاب جامعته وكان منهم السفراء والوزراء ورؤساء الحكومات فى بلادهم وشكلوا سفراء لمصر والأزهر فى بلادهم لعقود طويلة؟ رؤيتنا للطلاب الوافدين تتلخص فى العناية بالطالب الوافد منذ قدومه إلى مصر سواء فيما يتعلق بالجانب العلمى أو الجانب الخدمى، وسرعة انجاز تلك المهام بالإضافة إلى حسن معاملة الوافد وتيسير أموره، ومما يجب التركيز عليه فى هذا الجانب قيام فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر بإنشاء أمانة عليا للوافدين تتبع فضيلته مباشرة، حيث يتابع أعمالها أولا بأول, وقد أثمر ذلك وضع شروط وضوابط لقبول الطالب الوافد وتنظيم امتحانات قبولهم وتحديد مستواهم وضبط مسألة إقامتهم بمصر ومدة وثائق إقامتهم بمصر حتى لا يستغل الوافدون من قبل التيارات المتطرفة والجماعات الإرهابية التى تنتهز الظروف الاقتصادية والاجتماعية للطلاب وتعمل على استقطابهم وتجنيدهم لتنفيذ أجندات خارجية معادية لمصر. ووضعنا إستراتيجية لضبط هذه المسائل وكيف يمكن استعادة دور الأزهر فى أفريقيا على وجه الخصوص؟ يتبلور دور الأزهر فى إفريقيا من خلال عدة محاور، أهمها محور مبعوثى الأزهر الشريف وتلبية احتياجات الدول الإفريقية من الوعاظ والمدرسين سواء فى العلوم الشرعية والعربية أو المواد الثقافية فلدينا مبعوثون للأزهر فى 31 دولة إفريقية، بعد قرار شيخ الأزهر بتلبية احتياجات الدول الإفريقية من الأزهر الشريف, سواء فيما يتعلق بالمبعوثين من الأزهريين الذين وصل عددهم فى قارة إفريقيا إلى 414 مبعوثاً، كما يشرف الأزهر على عدد كبير من المعاهد الخارجية فى الدول الإفريقية بما فيها دول حوض النيل. ونعمل فى إفريقيا على محور مهم جدا, وهو محور الطلاب الوافدين من مختلف دول القارة, وزيادة بعثاته فى المراحل التعليمية المختلفة، وتخصيص المنح الدراسية فى الكليات العملية مثل الطب والهندسة، لسد حاجة الدول الإفريقية والمسلمين بالكوادر الطبية لعلاج الأمراض المنتشرة بإفريقيا. ما هى خطتكم فى مواجهة دعوة (رفع المصاحف) يوم 28 نوفمبر؟ وضعنا خطة شاملة فى جميع أنحاء الجمهورية لتوعية وتحذير الناس من الانخداع بفتنة رفع المصاحف، وبدأ تنفيذ الخطة بشكل عملى وناجح فى كل المواقع من المدارس والنوادى وهذا بشكل يومى مستمر ولن تتوقف قوافل الأزهر الشريف عن توعية الناس وتبصيرهم بالحقائق وتفنيد الشبهات وتحصين الشباب فى مواجهة الأفكار التكفيرية والجماعات الإرهابية، وقد حرص شيخ الأزهر الشريف على تفعيل دور وعاظ الأزهر فى مواجهة التحديات الخطيرة التى تواجهها مصر، وناقش كل تفاصيل خطة المواجهة وآليات التنفيذ من حيث كم الوعاظ وكيفية الأداء على أرض الواقع والتواصل مع كل أطياف الشعب المصرى سواء فى المدارس أو المعاهد الأزهرية أو النوادى أو الشركات أو المساجد للتصدى لهذه المحاولات المفسدة والخطيرة، والتأكيد على بث روح الوطنية وغرس مفاهيم حب الوطن فى نفوس الشباب وكل فئات الشعب، لمواجهة قوى الظلام والتخريب التى تريد أن تتاجر بالقرآن برفعه، خاصة فى ظل ما يتردد حول مخططاتهم لإسقاط المصاحف على الأرض واستغلال ذلك فى الدعاية الكاذبة وتهييج مشاعر الناس وتصوير الدولة بأنها لا تقيم وزنا للقرآن، كل ذلك لتحقيق مكاسب سياسية ولتمزيق وحدة الوطن، فلا قيمة للقرآن الكريم عندهم، ولا حرمة له طالما أن ذلك سيحقق لهم مكاسب فى منطقهم البراجماتى لأن الغاية عندهم تبرر الوسيلة. وما دور إدارة الوعظ الدينى فى مواجهة الفكر المتطرف؟ إدارة الدعوة والإعلام هى أحد الأركان الرئيسة فى المجمع ولدينا عدد من مناطق الوعظ على مستوى الجمهورية عددها 28 منطقة وعدد الوعاظ فى الأزهر 2103، ونحن بحاجة ماسة لزيادة عدد الوعاظ إلى عشرة آلاف واعظ حتى نتمكن من التغطية النسبية لاحتياجات المناطق فى شتى المحافظات، خاصة أن عمل الواعظ ميدانى, أى أنه غير مرتبط بمسجد محدد فى حى معين، لأنه توجد خطة عمل شهرية للواعظ سواء فى المساجد أو النوادى أو المدارس أو الشركات أو الجهات المختلفة من المؤسسات مثل: القوات المسلحة أو وزارة الداخلية أو غير ذلك. لماذا توقف انعقاد المؤتمر السنوى لمجمع البحوث الإسلامية؟ الأحداث التى مرت بها مصر وحالة عدم الاستقرار كان لها انعكاسات سلبية على أداء المجمع، وكان من الصعوبة بمكان عقد المؤتمر خلال تلك الفترة، وخوف الكثير من المجىء إلى مصر، ولكن بفضل الله تعالى استقرت الأمور ونشهد الآن والحمد لله حالة من الاستقرار، ويجرى التحضير لعقد مؤتمر عالمى لمجمع البحوث الإسلامية، وسيتم الإعلان عنه فى أقرب وقت عندما تتبلور الصورة بشكل تام، وسيكون المؤتمر القادم لمجمع البحوث الإسلامية من المؤتمرات العلمية الضخمة فى تاريخ المجمع.