القصة كتبها للإذاعة الأديب الإذاعى الموسوعى سعد زغلول نصار فى ثلاثين حلقة درامية عن الشاعر والصحفى الكبير كامل الشناوي، وأتيح لها أن تظهر منشورة فى كتاب قدم له الكاتب الكبير ورجل المحاماة القدير رجائى عطية بمقدمة ضافية عن الإذاعى الكبير، صاحب المواهب المتعددة، والآثار الباقية فى مجالات الأدب والفن والتأليف الدرامى والمسرحى والنقد والترجمة، بالإضافة إلى عطائه الإذاعى والتليفزيونى على مدار حياته الثرية كاتبًا إذاعيًّا وتليفزيونيًّا، وفى مختلف المواقع التى تولى من خلالها مسئولية رئاسة شبكة صوت العرب، والمستشار الصحفى للرئيس الراحل أنور السادات، وهيئة الاستعلامات ومكتب مصر الإعلامى فى أستراليا. يقول الأستاذ رجائى عطية فى مستهل مقدمته: «ظلت فى أرشيفى الأصول الخطية، لهذا العمل الضافي، عن شاعرنا الكبير كامل الشناوي، نيِّفًا وعشرين عامًا، منذ رحل عن دنيانا مؤلفه الإذاعى الأديب الموسوعى المبدع: سعد زغلول نصار. كان سعد - رحمه الله - قد كتب وأخرج للإذاعة المصرية تمثيلية طويلة فى ثلاثين حلقة عن كامل الشناوي، وجدتُ من واجبى وفاءً بحق كامل الشناوى الذى تتعطش المكتبة العربية لمؤلف يشفى الغليل عنه، أن أقدمها للمطبعة لتنتقل من صفحات الآذان، التى تلقّتها منذ نحو ثلاثين عامًا، إلى صفحات كتاب يكون فى متناول القارئ حين يشاء، ليشبع من سيرة هذا الشاعر الأديب العظيم المبدع، الذى ملأ الدنيا وشغل الناس. ورأيت من الواجب، أن يشمل هذا التقديم نبذة عن مؤلف هذا العمل الكبير: الإذاعى الأديب المبدع سعد زغلول نصار. فهو نموذج يشكل نسيج وحده فى فهم رسالة الإذاعة، والاقتدار فى أدائها. وإذا كان سعد زغلول نصار قد أتيح له قلم رجائى عطية، وإخلاصه، وحرارة تناوله، وإبداعه فى رسم صورته إنسانًا وإذاعيًّا، ووطنيًّا، ورجل علم وسياسة وفن، فإن كامل الشناوى لم يتح له بعض هذا الاهتمام بالرغم من تلاميذه ومريديه فى مدرسة الصحافة التى كان متربعًا على قمتها، كاتبًا، وناقدًا، وشاعرًا، وأنيس أسمار، ومكتشف مواهب وراعى أقلام وأصوات جديدة، ومطلق نجوم شابة فى فضاء الصحافة والفن. وهو فى مكانه المفضل، فى سهراته ومجالسه واجتماعياته، الرائد والأب الروحى والمعلم، والمؤازر والمساند، لكل من يلتفون من حول مائدته، العامرة بغذاء الأرواح والأبدان، من بدايات الليل حتى مطالع الصباح، حين ينفض المجلس، ويتجه المحتشدون من حول كامل الشناوي، كل إلى غايته، ويرحل هو إلى بيته وحيدًا، منفردًا، معذبًا بشجونه، مُحمّلا بقصصه وذكرياته، وأشواقه وهمومه. ضاع الكثير من عمر كامل الشناوى فى أحاديث هذه المجالس ووقائعها وما حفلت به من فن وظرف وفكاهة ونقد، ومقالب ومداعبات، وتسرّب الكثير من أيام هذا العمر ولياليه فى السمر والمؤانسة والمجالسة، ولم يتبق له من الوقت الذى ينبغى أن يخصصه لفنه الأثير: الشعر، إلا أقل القليل. وبعد رحيله، اكتشف قراؤه ومحبو شعره والراغبون فى دراسته، أنه لم يترك إلا ديوانًا صغير الحجم، تلتمع فيه القصائد التى أبدعها وتحوّلت إلى أغنيات، وهو الأمر الذى حدث لأحمد رامى الذى استغرقه فن كتابة الأغاني، ومعظمها بالعامية، وعندما نشر ديوانه اكتشف الناس أنه لا يليق بشاعريته التى تسرّبت فى ثنايا أغنياته. لكن كامل الشناوى لم يكتب بالعامية، وظل متمسكًا بالشعر الفصيح حتى ختام حياته، فى حين أن شقيقه المبدع الكبير مأمون الشناوى بدأ حياته واحدًا من شعراء جماعة أبولو التى قامت فى مستهل ثلاثينيات القرن الماضي، ونشر على صفحات مجلتها عددًا من قصائده البديعة، لكن العامية جرفته بدورها حين انقطع عن الشعر الفصيح، ووجد ضالته فى كتابة الأغانى بالعامية، ليصبح واحدًا من فرسانها المعدودين، له لغته وعالمه وصوره وخياله وحساسيته العاطفية والوطنية والإنسانية. وهكذا قُدر لكل من الشقيقين أن يكون علمًا متميزًا فى مجاله، ووترًا منفردًا فى إبداعه، وإن آثر أحدهما الفصحى وآثر ثانيهما العامية. وأعود إلى النص الإذاعى الذى أبدعه سعد زغلول نصار فى ثلاثين حلقة درامية، عن قصة حياة كامل الشناوي، فهو بمثابة بانوراما شاملة لعصره وزمانه، وحياته ومجتمعه، وعلاقاته الواسعة، برجالات السياسة والمجتمع، وأعلام الفن فى الموسيقى والغناء والتمثيل، ورجالات الصحافة - فى ذلك الجيل - الذين أرسوا تقاليدها وعبّدوا الطريق للأجيال التى جاءت من بعدهم، وكانوا أساتذة بحق، وكبارًا بحق، كما كانوا فى جوهرهم وحقيقتهم أدباء ومثقفين كبارًا قبل أن يتخذوا الصحافة عملاً ورسالة، وليت الإذاعة تقدم هذا العمل الدرامى لمستمعى هذا الزمان، وبخاصة أن التليفزيون لا يمتلك دقيقة واحدة مصورة عن صاحبه الذى رحل قبل أن يصبح للتليفزيون مكانه فى حياة الناس. من هنا، فقد امتلأت حلقات هذا المسلسل برجالات العصر، وكبار أعلامه وفنانيه فى كل مجال. ونجح كاتبه فى أن يقدم لنا لوحات مصورة لشخصياتهم، وعلاقاتهم، وحقائق زمانهم. يتحدث كامل الشناوى عن أستاذ الجيل أحمد لطفى السيد فيقول: هذا الرجل، الشجاع، المفكر، لابدّ له من مجال فيه آثار حريته وشجاعته بالمعاني، وهو رجل كلُّه معانٍ. رجل يريد لبلاده أن تتحرر من بريطانيا وتركيا معًا، فلينشئ صحيفة جديدة إذن. وأنشأ الجريدة، وساعده على إنشائها حزب الأمة، وبدأ الأسلوب العربى الجديد يشق طريقه إلى الأذهان. إن أسلوب لطفى السيد اليوم هو أسلوبه بالأمس، أسلوب المسدس، تنطلق الكلمة كالرصاص، والرصاصة تصيب الهدف». وفى هذا المسلسل الإذاعى صورة كامل الشناوى العاشق، الذى يحترق ويذوب وجدًا وهيامًا، والناقد الذواقة صاحب الوعى والبصيرة، والكاتب الذى تنبض لغته بالعصرية والأناقة والرشاقة، والشاعر الذى تتوهج كلماته بالقوة والعنفوان وحميا العاطفة وجيشان الإحساس، والصحفى الأستاذ الذى تتجه سهام قلمه وحواراته إلى الهدف من أيسر سبيل، والعاشق الذى تقلب على خنجر الغدر والخيانة قرب ختام حياته، فحوّل مأساته وفجيعته - فيمن أحب - إلى كلمات مرفرفة وقصائد غنائية بديعة. يقول كامل الشناوي: «إلى أين يقودنى الجمال؟ وهل الناس جميعًا مثلي، يعذبهم إذا رأوه، ويعذبهم إذا احتجب عنهم؟ كم أعانى من انفعالاتى به، إنها تثير فى نفسى القلق والريبة والرعشة. وكم ألهبتنى هذه الانفعالات وأضرمت النار فى دمى ونبضي، وما حاولت يوما أن أفرَّ منها، فهى مثل الحياة تشقينا، ولكنّنا نحرص عليها، ونتشبث بها، ونمارسها لنحيا، ونحيا لنمارسها. إننى أحبُّ الجمال ولو تحوّل إلى خنجر يسكن ضلوعي، يجول فيها، ويتلوى ويقفز. أحبُّه فى فكرة، كلمة، لوحة، نظرة، إشارة، شروق، ضباب، حقيقة، خيال، بحر هائج، رياح عنيفة، نسيم ضعيف، نغمة تنساب من حنجرة أو آلة موسيقية». هذا النص الإذاعى البديع، إنصافٌ لكامل الشناوى عاشق الجمال، وإنصاف لكاتبه ومخرجه الإذاعى الأديب سعد زغلول نصار، ولمسة وفاء - فى زمن عزّ فيه الوفاء - من الكاتب الكبير ورجل المحاماة القدير رجائى عطية الذى أتاح لنا - نحن القراء - هذه البانوراما لعصرٍ لا يتكرر. لمزيد من مقالات فاروق شوشة