كانت أمى تقول لى كل صباح وأنا فى طريقى إلى المدرسة ومن بعدها الجامعة: «ربنا يابنى يسلكلك طريقك وترجعلنا بالسلامة». وقد ظل هذا النداء وتلك الدعوة ترن فى أذنى كلما مشيت فى طريق أو سافرت.. حتى بعد رحيلها عن الدنيا.. ولكن برغم دعوات كل الأمهات فى بر مصر كله لأبنائها من التلاميذ والتلميذات والطلبة والطالبات.. يحترق حتى الموت نحو عشرين تلميذا صغيرا لدرجة التفحم داخل أتوبيس مدارس فى محافظة البحيرة.. بعد أن اصطدم بهم سائق »تريللا« أرعن مبرشم أو مسطول كان سهرانا الليل بطوله يسحب أنفاسا زرقاء ليشعل النار فى المحرقة الصغيرة التي كان اسمها أتوبيس مدارس.. ويتفحم الصغار.. مع أسرة بحالها داخل سيارتها الصغيرة.. وتدخل البراءة جهنم الحمراء من دون ذنب جنت.. واحزنى يا كل أمهات مصر.. لا تنصرفوا أيها السادة.. فباب الكآبة والحزن مازال مواربا.. لتدخل منه تسع طالبات فى جامعة سوهاج كن فى طريق عودتهن من الجامعة.. احترقن داخل ميكروباص صغير اصطدم به سائق نقل أرعن أو مبرشم أو مسطول أو أى من الثلاثة.. لتغرب الشمس يومها والطالبات التسع داخل قبورهن فى قراهن.. واحزنى يا كل أمهات مصر! فى الكارثة الأولى التى أبكت مصر كلها أرسل الرئيس عبدالفتاح السيسى طائرة عسكرية طبية خاصة هبطت فى استاد دمنهور كما ذهب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية.. لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.. لنقل الجرحى من التلاميذ وما بقى من التلاميذ إلى المستشفيات الحكومية والعسكرية. الذى أبكانى أنا شخصيا دموع هذا الأب الذى راح يبحث عن ابنه التلميذ الذى كان مع زملائه فى طريقه إلى مدرسته فى الإسكندرية.. لا هو داخل الأتوبيس المحترق.. ولا هو بين الذين تحولوا إلى فحم ودخان.. ولا هو فى المستشفى الذى نقلوا إليه الجرحى.. وهو يصيح ويصرخ: انت فين يا عمرو؟ رد علىّ يا عمرو؟ إنه ابنى الوحيد.. يا عالم أريد أن أراه ولو حفنة من فحم محترق! ولكن عمرو تبخر فى الهواء.. واحزنى مرة ثالثة ورابعة وعاشرة.. يا كل أمهات مصر! ..................... ..................... ماذا نحن فاعلون أيها السادة؟بعد أبتلع الأسفلت فى بر مصر كله كل إشراقة صبح نحو عشرين من حنايا القلوب وفلذات الأكباد؟ ويبتلع كل سنة نحو 6 آلاف راكب على الطريق فى بر مصر كله! من عنده الجواب.. فليتفضل! لا نريد خطبا رنانة ولا قصائد عزاء.. ثم ينفض المولد.. ويجف نهر الدموع! ................... .................. تعالوا نقرأ معا أخبار بلدى وأهل بلدى على شاشة هذا الجهاز العجيب الذى «شقلب» كيان العالم كله وجعل الدنيا كلها مجرد علبة كبريت ونحن بداخلها مجرد أعواد ثقاب! أول خبر قرأته وأنا جالس وحدى فى صومعتى فوق سطوح منزلنا العامر أو الذى كان عامرا قبل أن يتفرق الأحباب بالرحيل أو بالغربة. يقول: ارتفاع عدد السائحين فى شهر أغسطس إلى 998 ألف سائح بزيادة 77% على شهر أغسطس الماضى.. التعليق: عظيم.. وموش كفاية.. لن تعود السياحة إلى مصر وتدفع فى خزانة الدولة عشرة مليارات دولار كما كانت تفعل قبل ثلاث سنوات لا أكثر! الخبر الثانى: الرئيس السيسى يعلن: هناك حاجة لتضافر جهود المجتمع الدولى للقضاء على الإرهاب.. التعليق: لو تضافر المجتمع الدولى كله.. لتم القضاء على الإرهاب فى سنة على الأقل.. ولكن هناك دولا مازالت ترعى الإرهاب.. لأنه يحقق مصالحها السياسية! الخبر الثالث: وزير المالية يعلن: مصر لن تلجأ إلى صندوق النقد الدولى خلال الفترة الحالية.. التعليق: تعظيم سلام لمصر أنها بدأت تعبر عنق الزجاجة الاقتصادية.. ولم تعد فى حاجة إلى خبراء صندوق النقد لكى يغرقونا أكثر.. كما فعلوا فى الماضى! .................... .................... يقطع خلوتى مع أخبار هذا المجنون الذى اسمه المحمول.. جرس التليفون الأرضى كان على الخط صديق عزيز ودبلوماسى قديم قال: ألم تعلم أن مصر قد قررت هدم كل المنازل على شريط رفح الدولى وتعويض الأهالى.. وإقامة شريط عازل.. حتى يقطع دابر الإرهابيين ويمنع تسللهم عبر الأنفاق إلى هذا الشريط ومنه إلى داخل الأراضى المصرية حتى لا يكرروا جريمتهم البشعة التى اغتالوا فيها ثلاثين من خيرة شبابنا وأصابوا بالجروح مثلهم! قلت: عظيم.. أيضا تعويض الأهالى عن هدم منازلهم.. كم تتصور قيمة التعويضات.. مليار جنيه حتة واحدة! قلت: وأمامى على شاشة الموبايل خبر يقول: المتحدث العسكرى يعلن قوات حرس الحدود دمرت 9 أنفاق جديدة فى رفح وقبضت على 153 متسللا! قال: بكده يا عزيزى تكون مصر أمنت ساحلها الشمالى كله.. قلت: قال بعض المعلقين فى الخارج أن مصر سوف تحفر قناة مائية على الحدود مع غزة.. هل هذا صحيح؟ قال: غير صحيح بالمرة.. مجرد تخمينات خاطئة ليس أكثر! ................. ................. أعود إلى أخبار هذا العفريت العصرى الذى طلع لنا فى البخت: نقرا خبرا يقول: وزير الشباب يعلن إسناد تطوير 625 ملعبا بمراكز الشباب بالمحافظات للجيش والمخابرات.. التعليق: عظيم.. وهل هناك أفضل من الجيش لصنع المعجزات.. أذكر أنه عندما كان الزميل إبراهيم نافع نقيبا للصحفيين أسند إقامة مبنى نقابة الصحفيين وهدم المبنى القديم إلى القوات المسلحة.. وعندما سألته: لم؟ قال: عشان بيعملوا الحاجة صح الصح.. دون غش أو سرقات أو إهمال! أقول فى سرى: وعشان كده اسندت الدولة مهمة الإشراف على إنشاء القناة الجديدة إلى القوات المسلحة.. وترك لها حرية اختيار البيت الهندسى الذى سيقوم بمهمة إنشاء القناة الجديدة التى تم حتى الآن حفر 47% منها.. والتى أصبحت حديث العالم كله! نعود إلى قراءة أخبار هذا المحمول الصغير الذى يعرف «دبة النملة»: وزارة المالية تعفى محدودى الدخل من الضريبة العقارية. التعليق: برافو.. عشان الناس الغلابة تعرف تعيش! الخبر يوم 28 أكتوبر الماضى: الأمن يوقف شغب الإخوان بجامعة الأزهر وجامعة المنصورة.. وقوات الأمن الخاصة تشتبك معهم فى أسيوط.. والأمن يلقى القبض على 15 طالبا و6 طالبات بتهمة قطع طريق جامعة الأزهر. التعليق: متى ينتهى شغب الجامعات.. نريد حلا! ...................... ...................... مازلت أتابع وحدى فى آخر الليل آخر أخبار هذا المحمول الصغير: الخبر يقول: انفجار قنبلة بجوار مدرسة الراهبات بالفيوم. الخبر الثانى: إصابة شخص فى انفجار قنبلة بدائية بجامعة الفيوم وإبطال مفعول خمس قنابل أخرى! التعليق: يا خبر.. حتى المدارس والجامعات وصلت إليها هذه القنابل الخبيثة.. موش كفاية اللى جرى أمام جامعة القاهرة! .................. .................. مازلت أقرأ معكم أخبار الدنيا: الخبر: الحكومة المصرية تعلن: 425 مليون جنيه دعما حكوميا لمزارعى القطن وتوصيله إلى مستحقيه.. التعليق: جميل جدا دعم الفلاح المصرى.. الخبر: منح وزارة الإسكان مليار جنيه موازنة إضافية لحل مشكلات انقطاع المياه.. التعليق: بس الميه تبقى نظيفة وخالية من الشوائب! وهذا الخبر الحزين: تنظيم داعش أعدم ثلاثين شخصا من قبيبلة «البوشمر» فى محافظة الأنبار العراقية غرب العراق! التعليق هنا لصديق عزيز ورسام كبير اسمه جلال عمران: يا خبر أسود يا عالم حتى فى العراق بالقرب من العاصمة بغداد.. تنظيم داعش وصل ودخل وقتل وخرب وأعدم ثلاثين شخصا دفعة واحدة.. احنا بالضبط يا عرب رايحين لحد فين؟ ................... ................... مازلنا نقرأ أخبار هذا المخبول الذى اسمه المحمول! الخبر: وزارة الأوقاف تقرر منع صاحب مقولة: «هاتولى راجل» من اعتلاء منابر المساجد! التعليق: ولكن وزارة الأوقاف لم تقل لنا من هو هذا الرجل صاحب هذه المقولة العجيبة! الخبر: تشكيل لجنة وطنية لاسترداد الأموال المصرية المهربة إلى الخارج برئاسة وزير العدل.. التعليق: ياه.. لسه فاكرين أموال مصر المهربة إلى الخارج.. كام حكومة وكام وزير حاولوا.. ولم يصلوا إلى نتيجة حتى الآن؟ ................... ................... قبل أن أسلم عيونى للنوم بعد طول بحلقة فى هذا الجهاز العجيب.. سرنى وأسعدنى كثيرا أن أقرأ هذين الخبرين: الخبر الأول: تصريح للرئيس السيسى يقول فيه: «أى تقصير فى حماية أمن الخليج هو تقصير فى حماية الأمن القومى المصرى».. والخبر الثانى الذى أسعدنى كثيرا هو تصريح للرئيس السيسى برضه قال فيه: «المواطن المصرى تحمل كثيرا.. وآن الأوان لكى يحصل على حقوقه كاملة! ..................... ..................... آخر خبر يقول: رحيل الفنانة العظيمة مريم فخر الدين بطلة فيلم «حكاية حب» مع عبدالحليم حافظ.. و «رد قلبى» مع شكرى سرحان وصلاح ذوالفقار.. ولم يمش فى جنازتها أحد من زملائها وزميلاتها وأصدقائها وصديقاتها من الفنانين والفنانات! التعليق فى كلمة واحدة: جحود!{! Email:[email protected] لمزيد من مقالات عزت السعدنى