لو أن السيد اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية كلف خاطره ونزل وحده من مكتبه في لاظوغلي.. وصرف الحرس والهرج والمرج وقال لسائقه: وديني يا شاويش علي الإسعاف! والإسعاف هنا لا سمح الله ليس مقرا لإسعافه من جرح أو ما شابه.. ولكنه مكان الإسعاف عند تقاطع شارعي الجلاء ورمسيس و62 يوليو.. ذلك المثلث الذي يقع في قلب القاهرة.. والتي يسمونه في بلاد الخواجات الداون تاون ليكتشف ويري بعينيه العجب العجاب نفسه!سوف يري بعينيه.. لو سمح لنفسه أن يتجول ماشيا داخل مثلث الفوضي هذا.. سوف يري بعينيه.. الشوارع كلها والأرصفة قد تحولت بقدرة قادر إلي محلات كاملة يدخلها النور والكهرباء والمياه.. ولها سقف وباب.. كل هذا علي الأرصفة وبجوار دار القضاء العالي وبطول شارع62 يوليو وحتي العتبة الخضراء.. ومن الناحية الأخري من الشهر العقاري في شارع رمسيس وحتي نقابة المحامين.. وبطول شارع62 يوليو وحتي ضريح السلطان أبوالعلا.. لن يري شارعا بل ممرا تجاريا لباعة الملابس المستعملة.. ولا مخرج ولا ممر للعربات والمارة إلا بطلوع الروح.. ولو مشي علي قدميه حتي الإسعاف نزولا في شارع الجلاء حتي مثلث مباني جريدة الأهرام.. كلها استولي عليها البلطجية وسائقوا الميكروباس لتتحول إلي غابة من الفوضي والصراخ والزعيق.. والحق يا جدع.. قرب يا باشا.. وتعالي يا ست.. الحقي الواد حيروح منك تحت عجل الميكروباس.. ولا وجود لشرطي واحد يوحد الله.. لو ظهر شرطيا حتي لو كان بشريطة واحدة.. ياويله ويا سواد ليله.. يا سيادة الوزير لقد أصبح قلب العاصمة المصرية.. هو الفوضي بعينيها.. وصدقني انزل من مكتبك يا سيادة الوزير ولسوف تشاهد العجب العجاب نفسه! ...................... ...................... ولسوف تري.. كأن قابيل نفسه قد عاد إلي الأرض مرة أخري.. بعد أن وثب علي أخيه هابيل وقتله.. فلماذا لا يكرر أحفاد قابيل فعلته وعاره ولو بعد قرون عدد.. بإشعال النار في محل روائح في قلب الموسكي في عز الظهر.. وأحرق كل من فيه من أصحاب المحل والباعة والزبائن الذي شاء نكد حظهم لأن سوء حظهم لا تكفي هنا تعبيرا ونكدا أن يكونوا داخل المحل ساعتها.. ليجيء جيش البلطجية ويغلقوا المحل من الخارج علي من فيه بعد أن يضعوا أنابيب بوتاجاز لزوم مشهد جهنم الحمراء التي أرادوها. لكم أبكتني بالدموع وأنا ساجد راكع أصلي أمام مقام سيد الخلق أجمعين.. الذي أرسله الله بالهدي بدين الحق إلي العالم أجمعين.. وجه دامع حزين لمحته وسط زحام الخلق في ليلة القدر عند مقام رسول الله في المدينةالمنورة.. إنه وجه نجوي عروس الموسكي التي كانت تستعد للزواج في يوم رحيلها نفسه حرقا وكمدا وزيفا وبهتانا علي أيدي من لا يرحم من بلطجية هذا الزمان الذين أشعلوا النيران في محل الهدايا التي كانت تعمل به وأغلقوا الأبواب بالأقفال الحديدية من الخارج.. لتشوي النيران كل من في داخله.. وكأنهم في فرن بشري.. ومن بينهم نجوي العروس التي كانت تستعد ليلتها لزفافها إلي عريسها.. ليحولها البلطجية إلي رماد مشتعل.. والأدهي والأمر أن مطافيء العتبة لا تبعد عن محرقة الموسكي بأكثر من ثلاث دقائق بسيارات المطافيء.. وعشر دقائق مشيا علي الأقدام.. وتسألون: أين كان رجال المطافيء عصر يوم المذبحة البشرية في شارع الموسكي؟ ألم يشاهدوا حتي دخان الحريق؟ وألم يسمعوا صراخ الخلق؟ لقد تسلل ميكروب البلطجة إلي كل ركن وكل مكان.. وكل دار وكل قرار.. البلطجية.. استولوا علي الشوارع والميادين نصبوا فيها عزالهم وبضاعتهم وياويل من يعترض.. أو حتي يتنفس! ..................... ..................... مصر الحقيقية بتاعة زمان أصبح اسمها الآن,, مصر الفوضي والضياع والبلطجة والشبيحة الذين حولوا مصر كلها إلي غابة للسرقة و تثبيت الخلق وسلب كل ما معهم وهم في الأصل أغلب من الغلب نفسه+ خطف شنط السيدات براكبي الموتوسيكلات الصيني إياها+ ترويع كل من يمشي في الشارع+ سرقة سيارات الغلابة بالمدافع الرشاشة ولا تعود السيارات إلا بعد دفع الإتاوة وهي تساوي ثمن السيارة نفسها+ لا أحد يأمن علي نفسه الآن.. حتي المشي في الشوارع أو السفر إلي أي مكان أصبح كمن يذهب في رحلة إلي الأدغال+ الخوف يوماتي صبحا ومسا علي الأولاد والبنات عند ذهابهم إلي مدارسهم.. بعد أن تعددت حوادث خطفهم والمطالبة بالفدية+ السطو المسلح علي سيارات نقل الأموال.. ليسرقوا رواتب الغلابة! ...................... ...................... وتسألون وهذا حقكم: أين رجال الشرطة إذن؟ والجواب: أنهم مشغولون بالقضاء علي بؤر الإرهاب ومطاردة فلول الإخوانية وهذا حق لأهل مصر في أعناقهم.. ولكن أمن وأمان الخلق في أعناقهم أيضا.. واللا إيه؟ وحتي لا نزيد ونعيد ونذهب بعقول السامعين بعيدا.. هذا العار الذي شاهدته بعيني جاءني أيضا في صورة رسالة بالبريد بخط اليد وليس علي موقعي علي الفيس بوك والبريد الإلكتروني.. حتي لا يشمت فينا الشامتون.. ونصبح فرجة لخلق الله.. اللي يسوي واللي ما يسواش.. تعالوا نقرأ بالألم كله وبالكرب كله سطور هذه الرسالة التي كتبتها إلي سيدة شابة صغيرة لم تجد أمامها بابا تطرقه لتفرج عن همها وغمها وكربها إلا أنا.. تقول صاحبة الرسالة المرعبة: أكتب إليك.. وأنا في حالة يرثي لها.. فقد تعرضت لصدمة نفسية وعصبية لم أكن أحسب لها حسابا.. ولا أجد لها في نفسي جوابا.. لأنني لم أكن أعرف.. أن مصر الآن باتت وطنا ضائعا مهلهلا ممزقا شر ممزق.. كأني بها علبة سجاير فارغة أخرج منها مدخن مدمن آخر سيجارة وألقي بها في وحل الطريق.. لتدوسها في غل وغيظ عجلات عربة نقل بمقطورة لتغرقها في بركة ماء آسن تجمع من غسيل أطباق وحلل الناس الغلابة الذين لم يتذوقوا لحما ولا شحما من السنة اللي فاتت! لم أكن أعرف يا سيدي أن مصر قد باتت وطنا مهلهلا وممزقا.. وأنا آسفة لهذا التعبير.. ولكنك بالقطع سوف تلتمس لي العذر.. وإليك ما حدث: أمام محطة مترو الملك الصالح.. والساعة تدق الخامسة عصرا وفي وضح النهار.. كانت هناك سيدة تمشي في حالها.. لا بها ولا عليها.. وترتدي ملابس عادية.. لا هي بالحشمة قوي ولا بالمبهرجة, وإنما ملابس عادية جدا.. عندما اقترب منها شاب وكاد يحتك بها وقال لها: ما تيجي أوصلك يا بت! قالت له: هو فيه إيه؟ فإذا بالشاب يصفعها دون مقدمات علي وجهها.. وصرخت الفتاة وبدأ الشجار.. وعاد الشاب ليصفع الفتاة علي وجهها مرة أخري.. وبدأ سيل من الدماء يسيل علي وجهها.. ومن فمها.. فقد ضربها الشاب المتسكع المأفون وربما المبرشم بالبوكس في وجهها.. وتجمع الناس.. ليس للدفاع عنها.. ولكن للفرجة والفرجة فقط.. ومن بينهم أقصد من بين المتفرجين ظهر وجه رجل الشرطة المنوط به حفظ الأمن والنظام وحماية الركاب والإمساك بالخارجين عن القانون.. ولكنه بدا مستكينا في غاية الأدب.. وكأنه الولد بتاع الكوتشينة الذي سقط علي الترابيزة دون أن يقش الورق.. لأنه لم يجد ورقا ولا يحزنون.. وإنما وجد مأتما للعدالة.. وسرادق أحزان للأمن والأمان! مازالت الفتاة تحكي من خلال سطور رسالتها التي تنعي فيها حال وطن بحاله: أقول يا سيدي والدموع تملأ مقلتي: رجل الشرطة نفسه تحول بقدرة قادر وسط دهشة الجميع.. إلي شاهد مثلنا.. مجرد متفرج مثل بقية خلق الله الذين تجمعوا من حولنا علي رصيف محطة مترو الملك الصالح.. بل إن واحدا من الواقفين المتفرجين لم يكلف خاطره.. برد الصفعة للفتي المتبجح الذي ازداد غرورا ونفخ ريشه مثل الديك الرومي الذي يزهو بقوته وفتوته وعافيته وسط حريمه من إناث الرومي ودورها في الحياة مجرد الفرجة لا أكثر! والأغرب من ذلك كله كما تقول صاحبة الرسالة أن جميع الواقفين رجالا وشبابا ونساءا.. نصحوا الفتاة المضروبة والتي ينزف من وجهها خيط من الدماء أن تسكت.. ليه؟ قالوا لها: لأن هذا الفتي يسكن الناحية الأخري الشعبية المقابلة لمترو الملك الصالح.. وأهله وعشيرته وحارته كلها لا يخافون شرطة ولا يحزنون.. باعتبار أن الشرطة صامتة هذه الأيام لا تحرك ساكنا ولا تقيم معوجا! .................. .................. تسألني صاحبة الرسالة: هل ضاعت الرجولة.. وهل ماتت النخوة في صدور المصريين؟ ما هذا الاستندال والاستهبال وهذا الاستعباط وهذا التراجع المهين في طبع المصريين؟ أين ذهبت الرجولة.. خرجت ولم تعد؟ لقد كنا نحن معشر جنس النساء نمشي في الشوارع حتي منتصف الليل.. بلا خوف, وإذا حاول أحدهم معاكستنا.. فالويل له.. يلتف حوله أهل الحتة والحارة والحي كله.. وعينك ما تشوف إلا النور.. وبعدين يجرجروه علي القسم.. وهناك سوف يأخذ نصيبه من الضرب لحد ما يبانله صاحب! تسألني: قل لي بالله يا سيدي ما الذي جري للمصريين.. بعد الثورة المباركة؟ قل لي يا سيدي.. أين ذهب شعار عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية؟ هل تبخر في الهواء.. وأصبحنا نعيش في ظل شعار: اضرب.. اسرق.. بلطج.. تعيش؟ مافيش دلوقتي إلا البلطجة والبلطجية.. صدقني يا سيدي.. في الشارع وحوش في صورة بني آدمين! لقد أصبحنا نحن المصريات نخاف المشي في الشارع.. في أي وقت وفي أي ساعة من ساعات النهار.. أما الليل فله شأن آخر.. لا خروج ولا نزول بأي حال من الأحوال! أما خطف النساء والفتيات والأطفال فحدث ولا حرج.. والشرطة عاجزة تماما عن القبض علي هؤلاء الوحوش خاطفي الفتيات والأطفال ومغتصبي النساء! ....................... ....................... الخوف يا سيدي هو الميراث الوحيد الذي ورثناه عن الثورة المباركة حتي الساعة.. ويا ما بكرة نشوف كمان وكمان.. يا نساء ويا بنات مصر!{ لمزيد من مقالات عزت السعدنى