مفتاح التعامل مع الناس، فمن منا لا يحتاج إلى الشعور برفق الآخرين به، وحنوهم عليه، واهتمامهم لشأنه، ومحبتهم له، وعطفهم عليه؟ لا يكلف الحنان شيئا؛ فهو صدق في المعاملة، وبذل الحب والرحمة.. وهو مفهوم شامل يندرج تحته الشعور بالمسئولية، والرغبة في المنح والعطاء، دون مقابل.. فالحنَّان هو "من يقبل على من أعرض عنه"، وهو أيضا: "واسع الرحمة". ويكاد الحنان يكون للإنسان كالطعام والشراب، فهو ضروري للصغير.. لنموهم البدني، وسوائهم النفسي، واتزانهم الانفعالي.. باعتباره الغذاء الذي تنمو به، وعليه، الشخصية.. فإذا أعطي للآخرين كان أدعى إلى إكسابهم الثقة بأنفسهم، وإشعارهم بإنسانيتهم. والأمر هكذا، كان هذا الحنان، والشعور بالرحمة، سببا في مغفرة الله تعالى لرجل، سقى كلبا، فشكر الله له، وسببا في مغفرة الله لبغي، سقت كلبا، فغفر الله لها، كما جاء بالأحاديث الصحيحة. وقد ردت كلمة "الحنان" في القرآن الكريم مرة واحدة، في قوله تعالى: "يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيَّاً وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيَّاً".(مريم: 12-13). فأسند الله تعالى الحنان إلى نفسه، وذكر من نعمته على نبيه "يحيى" أن آتاه حنانا أي رحمة من لدنه كائنة في قلبه يتحنن بها على الناس، ومنهم أبواه، وقرابته.. فنصب "حناناً" بمعنى: "فعلنا ذلك رحمة لأبويه".. أو "رحمة منا".. فالحنان ليس من أسماء الله تعالى، وإنما هو صفة فعل، بمعنى: الرحيم. ولأن "يحيى" عليه السلام جاء إلى الدنيا حال كبر والديه وضعفهم، فهو -كطفل- يحتاج من يشمله بالعطف والحنان، ويعوضه حنان الوالدين؛ لذلك تولى الحق سبحانه وتعالى هذه المهمة، كما قال الشيخ محمد متولي الشعراوي؛ يرحمه الله. وفي معنى الحنان قيل إنه الرحمة والعطف والرزق والرقة والبركة.. وفى تفسير ابن كثير: الحنان هو المحبة فى شفقة وميل، كما تقول العرب: حنت الناقة على ولدها، وحنت المرأة على زوجها. والمصدر: حَنَّ.. يَحِنُّ.. احْنِنْ.. حنانًا، فهو حَنُون، والمفعول محنون عليه.. والحنين: الشوق، وتوقان النفس.. و"حَنَانُكَ يَارَبُّ": "رَحْمَتُكَ.. و"حَنَانَيْكَ": "رحمةً منك موصَولةً برحمة". وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- ينبوع حنان، وهناك عشرات المواقف من حياته العملية -صلى الله عليه وسلم- مع أزواجه وصحابته مما يدل على ذلك.. حتى إنه -صلى الله عليه وسلم- كان إذا لقي أطفالا في طريقه؛ كان يمسح بحنان ومودة على خدودهم. فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال:"صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى ثم خرج إلى أهله، وخرجت معه، فاستقبله ولدان فجعل يمسح خدي أحدهم واحدًا واحدًا، وأما أنا فمسح خدي فوجدت ليده بردًا وريحا كأنما أخرجها من جؤنة عطار".(رواه مسلم). حقا.. ما أقسى الحياة بدون حنان.. وما أروعها، والحنان فيها.