بعد حبسه.. القصة الكاملة في محاكمة أحمد الطنطاوي في قضية تزوير توكيلات    رئيس الوزراء: مصر تستورد أكثر من 100 ألف طن لبن بودرة سنويا    محافظ أسوان يفتتح مشروع تطوير قاعة الفريق كمال عامر بمركز عروس النيل    مجزرة رفح.. رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي    نجم بايرن ميونخ يرفض الانتقال لبرشلونة    بيراميدز يهزم الجونة ويعزز صدارته للدوري الممتاز    فاران يلمح إلى وجهته المقبلة بعد رحيله عن مانشستر يونايتد    تأجيل محاكمة المتهمين بسرقة فتاة بالإكراه لجلسة 23 يونيو    متاحة الآن.. رابط أرقام جلوس الثانوية العامة 2024 عبر موقع وزارة التعليم    16 مليونا و651 ألف طالب يشاركون بمسابقة تحدى القراءة العربى فى دورتها 8    حزب الله: استهدفنا تجمعا لجنود الاحتلال بأحد المبانى شمال شرق مستوطنة    منظمة الأغذية والزراعة: مصر العاشر عالميا في إنتاج زيت الزيتون    هيئة الرقابة المالية: اعتماد صندوق تأمين العاملين بشركة مصر للأسواق الحرة    في عامه ال 19.. المدير التنفيذي لبنك الطعام: صك الأضحية باب فرحة الملايين    المدعية العامة العسكرية الإسرائيلية: الغارة الجوية الأخيرة على رفح خطيرة للغاية    تفاصيل اجتماع وزير الداخلية ونظيره الفلسطيني    42 حزبا سياسيا: مناقشة الحوار الوطنى العدوان الإسرائيلي على رفح يؤكد اصطفاف الجميع خلف القيادة السياسية    جامعة كفر الشيخ تفوز بالمركز الأول ب النسخة 12 لمهرجان إبداع ب الدوري الثقافي المعلوماتي    تقارير: ثلاثي تحت حماية موتا في يوفنتوس    فيتو تكشف في عددها الجديد، صحة المصريين.. خط أحمر    محافظ كفرالشيخ يتفقد أعمال تطوير وتوسعة شارع صلاح سالم بعاصمة المحافظة    توقعات بمواعيد مختلفة لعيد الأضحى 2024 في العالم الإسلامي    حبس مدير أعمال الراحل حلمي بكر 3 سنوات وكفالة 50 ألف جنيه.. فيديو    رئيس "أميدا": نعتزم تدشين مركز استراتيجي في مصر لحفظ بيانات الدول الأعضاء    المراكز التكنولوجية بالشرقية تستقبل 11 ألف طلب تصالح في مخالفات البناء    كسر بالكتف والقدم.. وفاء عامر تكشف تفاصيل تعرضها لحادث خطير    يسرا: الفنانة الراحلة فاتن حمامة امرأة استثنائية بمعنى الكلمة    قص الأظافر ووضع المعطرات.. دار الإفتاء تحذر الحجاج من ارتكاب هذه الأفعال    حياة كريمة.. تقديم خدمات طبية مجانية لأهالى بيلا فى كفر الشيخ    حياة كريمة.. قافلة طبية شاملة لأهالى قرية "الشهيد الخيري" بالقنطرة غرب    لأصحاب الرجيم.. طريقة تحضير بيتزا توست بالفلفل الرومي    بدء الفعاليات التمهيدية للترويج لافتتاح النسخة الرابعة لحملة «مانحي أمل» في مصر    "متنورش العالي".. صبري فواز يكشف عن نصيحة لطفي لبيب له    إسكان البرلمان توصي بتشكيل لجنة لمعاينة مشروع الصرف الصحي في الجيزة    قرارات جديدة بكلية الحقوق جامعة عين شمس 2024    سموحة يغلق ملف الدوري «مؤقتاً» ويستعد لمواجهة لافيينا فى كأس مصر غدًا    بالصور: ياسر سليمان يطرب جمهوره بأغاني محمد رشدي على مسرح الجمهورية    رفع الرايات الحمراء على شواطئ غرب الإسكندرية بسبب ارتفاع الأمواج    «الشيوخ» يناقش سياسة الحكومة بشأن حفظ مال الوقف وتنميته    يغسل الذنوب.. تعرف على فوائد أداء مناسك الحج    وزير الرياضة يُشيد بنتائج التايكوندو في الألعاب الأوروبية ورفع الأثقال ببطولة العالم    وزير الإعلام البحرينى: العلاقات بين مصر والبحرين تتميز بخصوصية فريدة    إعصار مدمر يضرب الهند وبنجلاديش.. مشاهد صادمة (فيديو)    «الداخلية»: تنظيم حملة للتبرع بالدم بقطاع الأمن المركزي    أكثر من ألفي شخص دفنوا أحياء جراء الانهيار الأرضي في بابوا غينيا الجديدة    وزير الإسكان يتابع مشروعات تجديد أحياء القاهرة الإسلامية والفاطمية بالقاهرة    رئيس لجنة الشئون الخارجية بالكونجرس الأمريكي: ملتزمون بدعم تايوان على جميع المستويات    بينهم مصر.. زعماء 4 دول عربية يزورون الصين هذا الأسبوع    ضبط لصوص سرقوا دولارات من تجار بالسوق السوداء    وزير الصحة يدعو دول إقليم شرق المتوسط إلى دراسة أكثر تعمقا بشأن مفاوضات معاهدة الأوبئة    موعد وقفة عرفات 2024 وأهمية صيام يوم عرفة    لليوم الثاني.. تجهيز 200 شاحنة تمهيدا لإدخالها إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم    تحرير 1365 مخالفة للممتنعين عن تركيب الملصق الإلكتروني    جامعة القاهرة تحصد 22 جائزة فى المجالات الأدبية والعلمية بمهرجان إبداع    سيد معوض ينصح الأهلي برفع جودة المحترفين قبل كأس العالم 2025    هل حج الزوج من مال زوجته جائز؟.. دار الإفتاء تجيب (فيديو)    كولر: لم أستطع الفوز على صنداونز.. لا أحب لقب "جدي".. والجماهير تطالبني بال13    متى عيد الأضحى 2024 العد التنازلي| أفضل الأعمال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن الاختلاف ومحنة البحث فى مصر
نشر في الأهرام اليومي يوم 05 - 11 - 2014

لم يتوقف العرب، منذ بواكير انتهاضهم من سباتهم الطويل عند مطالع القرن التاسع عشر, عن إثارة السؤال المتعلق بتقدم «الغير» فى مقابل فواتهم وتأخرهم. وإذ يحيل ثبات السؤال ورسوخه
، حتى هذه اللحظة، إلى أن تغييراً لم يطرأ على مجمل الشروط التى دعت إلى إثارته قبل قرنين من الآن؛ وبمعنى أن ما أدركوه من تقدُّم الغير فى مقابل تخلُّفهم لم يزل على حاله, فإن استمرار السؤال (والشرط المنتج له) يرتبط, لا بمجرد فساد الإجابة التى قدمها العرب لذلك السؤال، بل باستمرار تقديمهم لذات الإجابة رغم ما بدا من عقمها وعدم إنتاجيتها. وهكذا فإن استمرار حضور «السؤال» يرتبط باستمرار ترديد ذات الجواب؛ وعلى نحو يصبح فيه الانفلات من أسر المطروح والمتداول من إجابات ومقولات جاهزة فى فضاء الواقع العربى هو الشرط اللازم لإخراج هذا الواقع من أزمته الشاملة؛ وبكيفية يمكن أن تسمح للعرب بإثارة أسئلة أخرى غير سؤال تخلفهم الراسخ. إن ذلك يعنى أن الخروج من مأزق سؤال التخلف العربى مشروط بالتفكير فى إجابة مغايرة لهذا السؤال؛ وأعنى غير تلك التى استمر العرب يرددونها على مدى القرنين للآن.
وبالطبع فإنه لن يكون ممكناً الحصول على إجابة مغايرة، ومنتجة فى الآن نفسه، لسؤال العرب الكبير، إلا عبر الوعى بالكيفية التى يفكرون بها، التى جعلتهم لا يعرفون إلا إجابة واحدة للسؤال يتغيَّر شكلها, ولكن مع ثبات مضمونها. ومن هنا ضرورة الانخراط فى قراءة وتفكيك أعمال البنائين العظام لما يمكن اعتباره «عقل العرب». وأعنى أن قراءة لأعمال كل من الشافعى والأشعرى والغزالى والرازى وابن رشد وابن خلدون والطهطاوى ومحمد عبده وطه حسين وسلامة موسى وغيرهم من بناة الخطاب الفكرى الذى لم يزل يتحكم فى طبيعة الممارسة العربية فى جميع تجلياتها الراهنة سوف تكون مطلوبة ولازمة؛ وذلك مع الوعى بضرورة أن تكون قراءة تتجاوز مجرد الترديد والتكرار. فإنه إذا كان الوعى العربى السائد قد درج على أن يعود إلى هؤلاء ملتمساً عندهم حلولاً لأزماته؛ وأعنى من حيث يُشار إليهم بأنهم أقطاب العقلنة وصانعو النهضة، وحاملو شارة الإصلاح ورواد الاستنارة.
ولعل الفكرة الحاسمة التى تقوم عليها القراءة المغايرة المقترحة تنطلق من إدراك أن الأزمة العربية الراهنة هى، فى جوهرها، أزمة خطاب وبالتالى أزمة عقل منتج لهذا الخطاب، وذلك قبل أن تكون أزمة واقع أو ممارسة. لأن بؤس الممارسة لا يمكن تفسيره إلا من خلال ما يقوم من ورائها من خطاب يحكمها ويوجهها. وإذ العقل المنتج لهذا الخطاب هو مجرد نتاج وتجسيد لنظام الثقافة التى ينشأ فيها (ومن هنا جوهر التباين بين عقل أوروبى وآخر عربى أو آسيوي)، فإن ذلك يعنى أن الآباء المؤسسين فى أى ثقافة هم، لا سواهم، صناع العقل السائد فى محيط هذه الثقافة؛ وأعنى بالعقل، ضمن هذا السياق، طرائق وآليات التفكير ونظام إنتاج المعرفة. وتبعاً لذلك فإن السلالة الممتدة من الشافعى والأشعرى والتى تمر بالغزالى وابن رشد وغيرهم، ولا تنتهى عند الطهطاوى وطه حسين هم صُنَّاع العقل السائد فى محيط الثقافة العربية الراهنة. وإذ هم، هكذا، صناع العقل المأزوم الراهن، فإن العودة إليهم واستعادتهم إنما ترتبط بالقصد إلى أن تكون أعمالهم ساحة يجرى فوقها تفكيك العقل المنتج للأزمة التى نشقى بها. وهكذا فإن القصد من درس ابن رشد، مثلاً، لن يكون استعادة أفكاره التى يرى فيها الكثيرون السبيل لإقالة العقلانية العربية من عثرتها الحالية، بقدر ما سيكون تعرية الجذر الأعمق لأزمة تلك العقلانية, وكذلك فإن القصد من الوقوف عند الشافعى لن يكون استعادة إنجازه الفقهى وبيان مدى أصالته وعبقريته، بقدر ما سيكون القصد هو الكشف - من خلال تفكيك طريقته فى التفكير الفقهى - عن الدور المركزى الذى لعبه فى بناء وترسيخ نظام العقل التابع الذى يعمل للآن. وبالطبع فإن ذلك يعنى أن الأمر لا يتعلق بمضمون المذهب الفقهى أو العقائدى الذى وضعه الشافعى أو غيره، بقدر ما يتعلق بتفكيك طريقة تفكيره فى الفقه؛ وهى الطريقة التى تجاوزت، فى اشتغالها، حدود الفقه إلى غيره من العلوم التى تبلورت فى الثقافة الإسلامية. ولعل ذلك يقتضى تغييراً يستحيل معه البحث فى هؤلاء وغيرهم إلى فضاء لإثارة الأسئلة الحارقة التى يطرحها الواقع العربى الراهن عن علة التردى الفادح للعقلانية والديمقراطية والإبداع والتسامح، وذلك فى مقابل ما يطفح به هذا الواقع من الحضور الطاغى للاستبداد والخرافة والترديد والتعصب؛ وعلى نحو قد يجد معه الباحث نفسه منخرطاً - فى سياق سعيه وراء أجوبة غير نمطية لهذه الأسئلة - فى عمليات نقد جديِّة لما استقر وترسخ بين الناس على أنه الأجوبة النهائية لتلك الأسئلة. وبالطبع فإنه يترتب على ذلك تغيير فى لغة البحث، من لغة تداعب وتطامن، إلى لغة تجرح وتُقلق من استناموا إلى سلامة ما يطرحون من قطعيات.
والحق أنه لا شىء يقف وراء محنة الباحثين فى مجال الإنسانيات - فى مصر وغيرها - إلا هذه المغايرة، التى تعتبر من قبيل التابوهات المحرمة فى مجتمعات لا تقبل من أفرادها إلا التفكير بحسب منطق القطيع. وتظهر المفارقة زاعقة حين يدرك المرء أن مصر التى تطمح - بعد ثورتها - إلى الدخول فى أفق العقلانية والديمقراطية والتسامح لاتزال تضع مستقبل باحثيها العاملين فى جامعاتها - والساعين إلى استيفاء شروط دخولها إلى عصر حداثتها الحقَّة - بيد كهنة التقليد وحرَّاس الترديد المهيمنين على ما يقولون زوراً أنها لجان ترقيات.
لمزيد من مقالات د.على مبروك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.