مجلس النواب يوافق نهائيا على قانون التأمين الموحد    20 مايو 2024.. البورصة تعاود الهبوط بانخفاض طفيف    لماذا يتهم المدعي العام للجنائية الدولية نتنياهو وجالانت بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية؟    إسبانيا تستدعي السفير الأرجنتيني في مدريد    أحمد أوفا يقود هجوم إنبي أمام المصري في الدوري    تحرير 118 محضرا مخالفا خلال حملات تموينية وتفتيشية بالمنيا    ضبط 4 متهمين بتجميع خام الذهب الناتج عن تنقيب غير مشروع بأسوان    المحكمة تنتدب الطب الشرعي في محاكمة طبيب متهم بإجهاض السيدات في الجيزة    انطلاق ورشة لتدريب الشباب على فن الموزاييك بثقافة الإسكندرية    الرعاية الصحية: التوعوية بضعف عضلة القلب في 14 محافظة.. و60 منشأة صحية شاركت بالحملة    إطلاق أول استراتيجية عربية موحدة للأمن السيبراني الشهر المقبل    محمود محي الدين: 15% من الأجندة العالمية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة    فلاح يقتل والده بأسيوط.. هكذا عاقبته المحكمة    موعد الفرحة: تفاصيل عيد الأضحى في السعودية لعام 2024    تشافي ولابورتا.. تأجيل الاجتماع الحاسم في برشلونة    "وحشتني يا بسبوس".. إيمي سمير غانم توجه رسالة لوالدها في ذكرى وفاته    سلمى أبو ضيف تنشر جلسة تصوير لها بفرنسا.. ومنى زكي تعلق (صور)    فرقة «المواجهة والتجوال» تواصل نجاحاتها بالعريش والوادي الجديد    «السرب» الأول في قائمة إيرادات الأفلام.. حقق 622 ألف جنيه خلال 24 ساعة    مجلس النواب يوافق نهائيا على الحساب الختامى للموازنة العامة للدولة    تأثيرات الإفراط في تناول الفواكه لدى كبار السن.. نصائح وتوصيات    7 تعديلات مرتقبة في قانون مزاولة مهنة الصيدلة.. أبرزها رسوم الترخيص والورثة    نائب رئيس نادى السيارات: مسيرات للدراجات النارية ومسابقات سيارات بالعلمين أغسطس 2024    طلب إحاطة بشأن تكرار أزمة نقل الطلاب بين المدارس    اليوم.. مصر تواجه بوروندي في بطولة أمم أفريقيا للساق الواحدة    شيخ الأزهر يستقبل سفير بوروندي بالقاهرة لبحث سبل تعزيز الدعم العلمي والدعوي لأبناء بوروندي    بروتوكول تعاون بين التأمين الصحي الشامل وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية لتطوير البحث العلمي فى اقتصادات الصحة    تطوير المزلقانات على طول شبكة السكك الحديدية.. فيديو    رئيس النواب: التزام المرافق العامة بشأن المنشآت الصحية لا يحتاج مشروع قانون    محافظ أسيوط: التدريب العملي يُصقل مهارات الطلاب ويؤهلهم لسوق العمل    براتب خيالي.. جاتوزو يوافق على تدريب التعاون السعودي    تفاصيل أغنية نادرة عرضت بعد رحيل سمير غانم    إكسترا نيوز تعرض تقريرا عن محمد مخبر المكلف بمهام الرئيس الإيرانى.. فيديو    فتح باب التقدم لبرنامج "لوريال - اليونسكو "من أجل المرأة فى العلم"    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    ضبط المتهمين بسرقة خزينة من مخزن في أبو النمرس    مصرع شابين في حادث تصادم بالشرقية    تحرير 142 مخالفة ضد مخابز لارتكاب مخالفات إنتاج خبز بأسوان    توجيه هام من الخارجية بعد الاعتداء على الطلاب المصريين في قيرغيزستان    مجلس النواب يستكمل مناقشة قانون إدارة المنشآت الصحية    22 مايو.. المؤتمر السنوي الثالث لطلاب الدراسات العليا فى مجال العلوم التطبيقية ببنها    رئيس جامعة بنها يشهد ختام فعاليات مسابقة "الحلول الابتكارية"    قائمة البرازيل - استدعاء 3 لاعبين جدد.. واستبدال إيدرسون    مرعي: الزمالك لا يحصل على حقه إعلاميا.. والمثلوثي من أفضل المحترفين    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    وزير الري أمام المنتدى المياه بإندونيسيا: مصر تواجه عجزًا مائيًّا يبلغ 55% من احتياجاتها    بعد وصولها لمروحية الرئيس الإيراني.. ما هي مواصفات المسيرة التركية أقينجي؟    باحثة سياسية: مصر تلعب دورا تاريخيا تجاه القضية الفلسطينية    معرض لتوزيع الملابس الجديدة مجانًا بقرى يوسف الصديق بالفيوم    ماذا يتناول مرضى ضغط الدم المرتفع من أطعمة خلال الموجة الحارة؟    عواد: لا يوجد اتفاق حتى الآن على تمديد تعاقدي.. وألعب منذ يناير تحت ضغط كبير    ماذا نعرف عن وزير خارجية إيران بعد مصرعه على طائرة رئيسي؟    الأسد: عملنا مع الرئيس الإيراني الراحل لتبقى العلاقات السورية والإيرانية مزدهرة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 20-5-2024    روقا: وصولنا لنهائي أي بطولة يعني ضرورة.. وسأعود للمشاركة قريبا    دعاء الرياح مستحب ومستجاب.. «اللهم إني أسألك خيرها»    وسائل إعلام رسمية: مروحية تقل الرئيس الإيراني تهبط إضطراريا عقب تعرضها لحادث غربي البلاد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطة الإنقاذ الثانية تدخل اليونان في بيت الطاعة الأوروبي
نشر في الأهرام اليومي يوم 25 - 02 - 2012

بعد الوقوف طويلا علي حافة الهاوية‏,‏ واشتعال نيران الغضب في أثينا وغيرها من عواصم الدول الغارقة في أزمة الديون السيادية‏,‏ وخفض مؤسسات التصنيف لمستوي الجدارة الائتمانية لكثير من دول منطقة اليورو‏. وافق وزير المالية علي مضض علي خطة ثانية لإنقاذ اليونان ستدخلها في بيت الطاعة الأوروبي حتي عام2020 علي الأقل دون أن يستطيع أحد أن يقطع ما إذا كان الأمر سينتهي باستعادة الزوجين للود القديم, أم بطلاق يعطيه المتشائمون فرصة نسبتها50% ويتوقعون حدوثه خلال الأشهر الثمانية عشر المقبلة. الخطة ليست هي الأفضل لليونان ولكنها الحد الأدني المطلوب والمتاح في غابة المساومات الأوروبية لمنع وقوع كارثة الإفلاس في الشهر المقبل. ولكن سواء بقت اليونان داخل منطقة اليورو أو خرجت منها فإن مشكلات المنطقة تتجاوزها لأنه إذا لم تحشد كل القيادات الأوروبية طاقاتها لاستعادة مسار النمو والقدرة التنافسية ستظل رهنا بأزمات وكوارث تتقاذفها وتجعل من انهيار المنطقة سيفا معلقا علي رقبة قادتها حتي لو ظلت قوي الجذب أكبر من قوي القذف.
الخطة الثانية التي ستتكلف130 مليار يورو مقارنة بالأولي التي تكلفت110 مليارات يورو في مايو2010 لا تستهدف حل مشكلات اليونان المزمنة فهذا سيستغرق عقدا من الزمان مع كل التفاؤل, ولكنها تأمل في إعادة جدولة ديونها السيادية, ووضعها علي مسار مالي أكثر استقرارا, وابقائها داخل منطقة اليورو إلي حين اتخاذ القرار النهائي بشأنها. وهي مختلفة نوعيا عن الخطة الأولي رغم اشتراكهما معا في مسألة التركيز علي الاجراءات التقشفية بخفض الإنفاق وزيادة الضرائب بنحو3,3 مليار يورو حتي عام2015 دون محفزات للنمو. الجديد هو اقترانها ببرنامج تبادل حملة السندات الخاصة- معظمها بنوك وشركات تأمين وأفراد- بسندات سيادية يونانية أخري علي آجال زمنية أطول وخفض قيمتها الفعلية بنسبة تزيد علي70% بهدف شطب ما قيمته مائة مليار يورو من إجمالي الديون التي تصل إلي350 مليار يورو. المفترض أن ينفذ هذا البرنامج طوعيا وقبل حلول20 مارس المقبل وهو الموعد الذي ستكون اليونان مطالبة فيه بسداد نحو5,14 مليار يورو من الفوائد والسندات المستحقة.
الشكوك تحوم حول امكانية تنفيذ هذا البند بكامله نظرا لرفض البنك المركزي الأوروبي أن يكون طرفا فيه واكتفائه بتبادل سندات يونانية بقيمة50 مليار يورو بسندات جديدة بذات القيمة الإسمية ودون تحمل خسائر, حتي يكون مثالا يحتذي به في برامج إنقاذ أخري محتملة للبرتغال وإسبانيا وإيطاليا. ومما يذكر أن البنك المركزي الأوروبي اشتري منذ بداية أزمة الديون السيادية ما قيمته5,219 مليار يورو من سندات دول الأزمة لتوفير السيولة وخفض أعباء الفائدة عليها.
رقابة مشددة
الجديد في الخطة أيضا أن الترويكا ممثلة في المفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي سيكون لها ممثلون دائمون في أثينا لضمان الرقابة المشددة علي كيفية تصرف الحكومة في بنود الإنفاق والإيرادات المتحصلة, وأن جانبا من المعونة المقدمة سيودع في صندوق خاص لضمان سداد مستحقات الدائنين في مواعيدها وإعطاء الأولوية لها, مع تعهد الحكومة بتغطية أي عجز في تمويل هذا الصندوق باجراءات تقشفية إضافية, وإعلان كل الأحزاب اليونانية التزامها بتنفيذ الخطة بغض النظر عن نتائج الانتخابات المبكرة التي ستجري في شهر أبريل المقبل. يضاف إلي ذلك أن نحو30 مليار يورو من اعتمادات الخطة ستقدم كحوافز للدائنين لتشجيعهم علي مبادلة السندات, و23 مليار يورو ستستخدم في إعادة رسملة البنوك اليونانية, و35 مليار يورو ستمول عملية إعادة شراء الحكومة للسندات أي أن ما يتبقي لتمكين الاقتصاد من الوقوف علي قدميه ليس بالكثير. الهدف في النهاية هو خفض نسبة الديون إلي اجمالي الناتج المحلي الإجمالي من166% في الوقت الراهن إلي120.5% بحلول عام عام2020 باعتباره الحد الأدني المقبول, والذي أصر عليه صندوق النقد الدولي حتي يمكنه إقناع أعضائه بقبول دخول الصندوق طرفا في تمويل الخطة. الجدل الذي صاحب اتمام الاتفاق كان حول التقديرات التي تشير إلي أن هذه النسبة ستظل عند مستوي ما بين125% و129% وكيفية تضييق الفجوة بقبول الدائنين لمزيد من الخفض في قيمة مستحقاتهم,
أسئلة معقدة
هناك شكوك تحوم حول امكانية نجاح الخطة لعل أبرزها أنه لا يمكن تمريرها عبر عملية ديمقراطية صحية تحقق القبول الجماعي للاصلاحات الواجبة وتضمن تحمل التضحيات لتنفيذها. وبمعني آخر أن تطبيقها يتطلب وقف الممارسة الديمقراطية, ويعطي الحكومة ذريعة القاء اللوم كله علي الترويكا في حالة الفشل ويعفيها من المسئولية والمحاسبة أمام ناخبيها. والنقطة الثانية هي أن الخطة تميل بدرجة أكبر علي خفض الأجور والمعاشات وتقليص الوظائف العامة أي علي الفئات الأقل قدرة علي إعاقة تنفيذها في الوقت الذي تتصدي فيه جماعات المصالح الخاصة لعرقلة تحصيل الضرائب من الأغنياء واتمام عمليات الخصخصة. وما يزيد الأمر تعقيدا أن انكماش الاقتصاد وتراجع نموه بنسبة7% في العام الماضي وتوقع انكماشه بنسبة5,1% إضافية العام الحالي, والشكوك جول بقاء اليونان داخل منطقة اليورو من عدمه وأجواء عدم الثقة يقلل جاذبية اليونان أمام المستثمرين غير الأوروبيين والدليل علي ذلك أن التقديرات الخاصة بمتحصلات عملية الخصخصة تراجعت من50 إلي15 مليار يورو فقط بحلول عام.2015
السؤال المنطقي إذن هو لماذا الخوض في خطة تبدو فرص نجاحها ضئيلة للغاية. الإجابة قد تكون معقدة ولكنها تتلخص في أن الحجج التي ترجح بقاء اليونان في منطقة اليورو مازالت أقوي من تلك التي تدفع لقذفها إلي الخارج. الحجة الأولي أنه علي الرغم من كل الاحتجاجات والغضب الشعبي علي الحكومة فمازالت غالبية اليونانيين علي امتناع بأن أوضاعها ستكون أسوأ خارج المنطقة. فالانفصال تحت مظلة الإفلاس يعني انخفاضا حادا في الناتج المحلي الاجمالي ومستويات الدخل, وتدافع علي سحب الودائع من البنوك, وخفضا لا يقل عن نسبة50% في قيمة الدراخمة الجديدة, ومعدلات تضخم مرتفعة وفرض قيود علي حركة رؤوس الأموال لتجنب تهريبها, وإعادة تفاوض علي جدولة الديون العامة والخاصة, وعلي شروط العلاقة مع الاتحاد الأوروبي. وليس صحيحا أن اليونان بإمكانها تكرار التجربة الأرجنتينية لأن الأرجنتين كانت لديها قاعدة تصديرية قوية وقدرة تنافسية, كما أنها لم تكن في حاجة لاستيراد الغذاء من الخارج وهو ما لا ينطبق علي اليونان. ومن ثم فإن الخروج من المنطقة هو قفزة إلي المجهول كما أنه يقلل من فرص تحقيق الاصلاحات الواجبة لتعديل أوضاعها التنافسية.
الحجة الثانية أنه علي الرغم من أجواء عدم الثقة والاتهامات المتبادلة فدول منطقة اليورو تخشي من تداعيات إعلان اليونان إفلاسها. لا شك في أن المنطقة قد أصبحت أكثر استعدادا لامتصاص صدمة خروج اليونان مقارنة بما كان الوضع عليه قبل عامين كما يقول وولفجانج شوبليه وزير المالية الألماني. وقد تحقق ذلك بفضل ضمان البنك المركزي الأوروبي لاحتياجات البنوك الأوروبية من السيولة للسنوات الثلاث المقبلة بسعر فائدة1% وهو ما أسهم في خفض أسعار الفائدة علي السندات الجديدة التي تصدرها دول مثل إسبانيا وإيطاليا, فضلا عن قيام هذه البنوك بالتخلص من مديونيات مشكوك في تحصيلها ورفع مستوي روؤس الأموال إلي حجم ما تتحمله من مخاطر.
هناك أيضا شواهد علي أن أيرلندا بدأت في استعادة قدراتها التنافسية, وشرعت إسبانيا في اصلاح سوق العمل بتشريعات تجعل الأجور أكثر مرونة, وكذلك تنفذ فرنسا وإيطاليا برامج لاصلاح نظام المعاشات وطرق تمويله. ولكن الصحيح أيضا أن المنطقة تعاني من حالة ركود مستعصية بسبب انتهاج معظم دولها لسياسات تقشف حادة, والبرتغال مازالت في حالة أزمة, وأي ارتفاع في أسعار الفائدة علي السندات سيزيد الموقف تعقيدا. وفي المجمل فإن تكلفة إنقاذ اليونان ستكون أقل من تداعيات حالة الذعر المحتملة في الأسواق واحتمالات حدوث انهيار مالي.
الحجة الثالثة هي أن صندوق النقد الدولي يعتقد أن خطة تركز علي تحقيق اصلاحات تحفز النمو بدلا من التشبث بسياسات تقشفية تؤدي إلي انكماش حاد وبرامج خصخصة عاجلة غير ممكنة التحقق لها فرصة أكبر للنجاح. والدليل أنه رغم عدم التزام اليونان بكل تعهداتها في الخطة الأولي إلا أنها نجحت في خفض نسبة العجز الأولي أي العجز قبل حساب الفوائد علي الديون- من6,10% من الناتج المحلي الاجمالي في عام2009 إلي4,2% في2011 رغم انكماش الاقتصاد. بل أن اليونان تقترب من النقطة التي ستحقق فيها فائضا أوليا أي أنها ستحتاج إلي الاقتراض من الخارج لسداد أقساط الديون وفوائدها فقط ولكن هناك مخاوف حقيقية من أن يدفع هذا الحكومة إلي التراخي, فضلا عن استمرار حاجتها إلي الاقتراض لتمويل الواردات, إذ يصل العجز في الحساب الجاري إلي6,4% من الناتج المحلي الاجمالي قبل حساب مدفوعات الفوائد للدائنين الأجانب.
لا يعني هذا أن كل الأمور وردية. بل الحقيقة التي لا ينبغي تجاهلها أنه حتي لو نجحت الخطة الثانية وتمكنت اليونان من خفض نسبة الدين إلي الناتج المحلي الاجمالي إلي120% بحلول عام2020 فإن وضعها علي مسار النمو سيحتاج إلي مزيد من الاتفاقات الطوعية لخفض أعباء الديون, ومزيد من ضخ الاستثمارات الأوروبية لإعادة هيكلة بنيتها الأساسية, ومزيد من محفزات النمو لإنقاذها من الوقوع في حلقة مفرغة من الانكماش والعجز عن السداد, والعصيان الاجتماعي الذي يعوق مسيرة الاصلاح. فكل ما ستفعله الخطة الثانية هو تجنب إعلان إفلاس اليونان وتسكين الأزمة مؤقتا حتي تتعامل منطقة اليورو مع مشكلاتها المزمنة.
ثغرات دفاعية
من السهل علي الألمان والدول القوية في الطرف الشمالي من منطقة اليورو ابداء عدم الاكتراث بمحنة اليونانيين التي تسببت فيها أخطاء وتجاوزات حكومات سابقة, ولكن ليس من اليسير عليهم تجاهل ما مثلته أزمة اقتصاد ضعيف لا تتجاوز مساهمته عن2% في اقتصاد منطقة اليورو من تهديد قوي لاستمرارها.
ففي ذلك دليل علي أن هناك الكثير الذي ينبغي القيام به حتي تكون المنطقة أكثر مرونة والتزاما وانضباطا وتضامنا. فهي تقف الآن في منتصف الطريق. هي غير مندمجة بالدرجة الكافية التي تجعل عملية تفكيكها أمرا غير مقبول, وليست مفككة إلي الدرجة التي تجعل عملية انفصال أعضائها أمرا غير محفوف بالمخاطر. الخوف من تكلفة الانفصال هو الذي يبقيها متماسكة الآن لكن بدون توافر رؤية إيجابية تجعل الشعوب الأوروبية تلتف حولها ستظل تعاني من عجز ديمقراطي يهددها ويجعلها رهنا بالأزمات التي تتقاذفها كل فترة.
المسألة تتعلق بوجود ثغرات واسعة في دفاعات المنطقة في مواجهة الأزمات. الثغرة الجوهرية تتعلق بعدم منطقية وجود وحدة نقدية دون تحقيق تنسيق علي أعلي مستوي في السياسات الاقتصادية وهو ما تحاول معاهدة الاستقرار المالي الجديدة تحقيقه ولكنها ليست كافية لأن المشكلة تتعلق بتباين مستوي الإنتاجية والقدرة التنافسية بين الطرف الشمالي والجنوبي من المنطقة. معالجة هذا الوضع لن يكون سوي بضخ استثمارات تعالج أوجه القصور, وتعزز الاصلاحات, وتعيد بناء البنية الأساسية وتوفر الطلب اللازم لتحقيق معدلات كافية من النمو حتي تستعيد الدول المتأزمة قدرتها علي اللحاق بأقرانها في الشمال. الثغرة الثانية تتعلق بأن اعتمادات صندوق الاستقرار المالي-500 مليار يورو- مصممة لمواجهة أزمات في دول صغيرة الحجم فقط, وأنه ما لم يثق المستثمرون في الأسواق وباقي الدائنين أن الدول الغنية في المنطقة مستعدة للمخاطرة بأموالها للحفاظ علي بقاء المنطقة فستظل عملية اختبار النيات والقدرات تهزها بأزمات كل فترة. الحل قد يكون جزئيا في طرح سندات أوروبية تضمنها كل الدول وتتشارك في تحمل أعباء الحفاظ علي استقرار أسعارها من خلال ضوابط مشتركة علي قرارات الانفاق وفرض الضرائب.
هناك إذن الكثير من أوجه القصور في طريقة عمل منطقة اليورو كشفت عنها الأزمة اليونانية لم يتم التعامل معها بعد, وهي إذا كانت تحتاج بالضرورة إلي قواعد الضبط وربط الأحزمة التي تتشبث بها ألمانيا فهي أيضا تحتاج إلي أوكسجين يدخل الرئتين في شكل محفزات للنمو حتي تستعيد قدرتها علي التنفس. فقرار بقاء اليونان في منطقة اليورو ليس مسئولية أثينا وحدها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.