رئيس جامعة كفرالشيخ يستقبل لجنة تعيين أعضاء هيئة تدريس قسم اللغة الإيطالية بكلية الألسن    مرصد الأزهر لمكافحة التطرف يكشف عن توصيات منتدى «اسمع واتكلم»    صناعة النواب: ارتفاع الاحتياطي النقدي يعكس الثقة في الاقتصاد المصري    دعم منصة سلفة في السعودية يصل إلى 25،000 ريال سعودي.. تعرف على الشروط المطلوبة    حماس: نتنياهو يراوغ لاستمرار الحرب في غزة    محمود مسلم: الموقف في غزة صعب.. وعلى المجتمع الدولي تحمل مسؤوليته    كوارث خلفتها الأمطار الغزيرة بكينيا ووفاة 238 شخصا في أسبوعين.. ماذا حدث؟    التعادل يحسم الشوط الأول بين ريال مدريد وبايرن ميونخ    «الداخلية» تُحبط عملية غسل 40 مليون جنيه حصيلة تجارة المخدرات بقنا    المركز القومي للسينما يفتتح نادي سينما الإسماعيلية |الصور    «لا نعرف شيئًا عنها».. أول رد من «تكوين» على «زجاجة البيرة» في مؤتمرها التأسيسي    تعرف على فضل صيام الأيام البيض لشهر ذي القعدة    حزب العدل: مستمرون في تجميد عضويتنا بالحركة المدنية.. ولم نحضر اجتماع اليوم    موعد وعدد أيام إجازة عيد الأضحى 2024    تحرير 11 محضرا تموينيا متنوعا في أسواق شمال سيناء    وزير التعليم يُناقش رسالة ماجستير عن المواطنة الرقمية في جامعة الزقازيق - صور    حلقة نقاشية حول تأسيس شركة مساهمة بجامعة قناة السويس    سلمى الشماع: مهرجان بردية للسينما الومضة يحمل اسم عاطف الطيب    لوكاشينكو: يحاولون عزل دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ولكنها تمضي قدما    بالفيديو.. هل تدريج الشعر حرام؟ أمين الفتوى يكشف مفاجأة    نائب محافظ الوادي الجديد توجه بتوفير طبيب لمرضى الغسيل الكلوي بمستشفى باريس    عام المليار جنيه.. مكافآت كأس العالم للأندية تحفز الأهلي في 2025    توت عنخ آمون يتوج ب كأس مصر للسيدات    «البترول» تواصل تسجيل قراءة عداد الغاز للمنازل لشهر مايو 2024    الخارجية الأمريكية: نراجع شحنات أسلحة أخرى لإسرائيل    «التجارية البرازيلية»: مصر تستحوذ على 63% من صادرات الأغذية العربية للبرازيل    لفترة ثانية .. معلومات عن سحر السنباطي أمين المجلس القومي للطفولة والأمومة    حسن الرداد يكشف عن انجازات مسيرته الفنية    «اسمع واتكلم».. المحاضرون بمنتدى الأزهر يحذرون الشباب من الاستخدام العشوائي للذكاء الاصطناعي    السجن 5 سنوات لنائب رئيس جهاز مدينة القاهرة الجديدة بتهمة الرشوة    محافظ أسوان: مشروع متكامل للصرف الصحي ب«عزبة الفرن» بتكلفة 30 مليون جنيه    وكيل وزارة الصحة بالشرقية يتفقد مستشفى الصدر والحميات بالزقازيق    رئيسة المنظمة الدولية للهجرة: اللاجئون الروهينجا في بنجلاديش بحاجة إلى ملاجئ آمنة    مناقشة تحديات المرأة العاملة في محاضرة لقصور الثقافة بالغربية    التعاون الإسلامي والخارجية الفلسطينية يرحبان بقرار جزر البهاما الاعتراف بدولة فلسطين    أسهم أوروبا تصعد مدعومة بتفاؤل مرتبط بنتائج أعمال    كريستيانو رونالدو يأمر بضم نجم مانشستر يونايتد لصفوف النصر.. والهلال يترقب    المشدد 10 سنوات لطالبين بتهمة سرقة مبلغ مالي من شخص بالإكراه في القليوبية    أمين الفتوى يحذر من تصرفات تفسد الحج.. تعرف عليها    أحدثهم هاني شاكر وريم البارودي.. تفاصيل 4 قضايا تطارد نجوم الفن    11 جثة بسبب ماكينة ري.. قرار قضائي جديد بشأن المتهمين في "مجزرة أبوحزام" بقنا    فرقة الحرملك تحيي حفلًا على خشبة المسرح المكشوف بالأوبرا الجمعة    «8 أفعال عليك تجنبها».. «الإفتاء» توضح محظورات الإحرام لحجاج بيت الله    رئيس قطاع التكافل ببنك ناصر: حصة الاقتصاد الأخضر السوقية الربحية 6 تريليونات دولار حاليا    تعمد الكذب.. الإفتاء: اليمين الغموس ليس له كفارة إلا التوبة والندم والاستغفار    الزمالك يكشف مفاجآت في قضية خالد بوطيب وإيقاف القيد    ذكرى وفاة فارس السينما.. محطات فنية في حياة أحمد مظهر    صحة المنيا تقدم الخدمات العلاجية ل10 آلاف مواطن فى 8 قوافل طبية    صالح جمعة معلقا على عقوبة إيقافه بالدوري العراقي: «تعرضت لظلم كبير»    مصرع سيدة صدمها قطار خلال محاولة عبورها السكة الحديد بأبو النمرس    محافظ كفر الشيخ: نقل جميع المرافق المتعارضة مع مسار إنشاء كوبري سخا العلوي    لمواليد 8 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    الصحة: فحص 13 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    إخماد حريق في شقة وسط الإسكندرية دون إصابات| صور    سيد معوض: الأهلي حقق مكاسب كثيرة من مباراة الاتحاد.. والعشري فاجئ كولر    إعلام فلسطيني: شهيدتان جراء قصف إسرائيلي على خان يونس    «النقل»: تصنيع وتوريد 55 قطارا للخط الأول للمترو بالتعاون مع شركة فرنسية    رئيس إنبي: نحن الأحق بالمشاركة في الكونفدرالية من المصري البورسعيدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قلة الأدب
نشر في الأهرام اليومي يوم 25 - 02 - 2012

الأدب يا سادة يا كرام فضلوه علي العلم‏..‏ وقلة الأدب ظاهرة تفشت هذه الأيام في البيت والشارع والعمل والميدان والمواصلة‏..‏ و‏..‏مجلس الشعب‏..‏ حتي أصبح كل من يريد احتراما لنفسه وكيانه وهيبته ووضعه أن يلزم جدران بيته كافيا خيره شره‏..‏ كي لا ترمي حرماته بسوء.. كي لا تسحل ابنته علي الأسفلت.. كي لا يبحث عن ابنه في مذبحة مشرحة.. كي تظل ذكري الوالدة مصانة لا يراق ذكر أعضاء جسدها المقدس في بحر السباب.. كي تظل رأس الوالد المبجل شامخة لا ينالها رذاذ قلة الأدب برغمها في الطين.. كي لا يتجرأ عليه عيل لا هنا ولا هناك.. كي لا يروح لبيته زحفا علي الأقدام من بعد سرقة هدومه ومحفظته وإنسانيته وعربته أمام عينيه جهارا نهارا في وضح النهار.. كي لا يفتح دكانه فيغلقه اعتصام, ويمشي جنب الحيط فيثبته البلطجي, ويعطي وجهه للحيط فيكتبوا علي ظهره الشعار.. كي لا يستنفر للدفاع عن شرفه وعرضه فتصرعه رصاصة هوجاء, أو يبقر بطنه سلاح أبيض فيضطر إلي شيل الطحال.. كي لا يعود لزوجته بعين واحدة.. كي لا يصنف بلطجيا إلي حين الكشف عن هويته من بعد إيداعه الحربي أو تخشيبة الانفلات.. كي لا يؤخذ في عين الاعتبار.. كي لا يحللون كرات دمه الحمراء والبيضاء تحسبا من شبهة نسب أو قرابة أو شراكة لزمرة طرة والمزرعة.. كي لا ينقبون في أضابيره لربما يكون قد سلم أو حيا صاحبنا من بعيد أو قريب.. كي لا يقف نصف شهيد في مذلة طابور شيكات التعويضات.. كي لا ينساق إقناعا أو قناعة في وقفة احتجاج.. كي لا يشارك في توجيه الاتهام حتي لا يتهم بالتواطؤ ونصرة المخفيين اللي مايتسموش الفلول!
راح الأدب. راح.. راح وولي واندثر وما بقي له أثر. راح وأخذ الباب من وراه, وها نحن الآن نأكل في بعض تحت مظلة قلة الأدب.. فالأدب الذي نشأنا عليه دين وقانون وعرف وفقه وشريعة ومذاهب أربعة وصح وغلط وكخ ودح.. و..عيب.. كان الأدب بمعني التربية.. أدب سيس خرسيس وقلت لأ يعني لأ.. كان الأدب من فضلك, وبالإنجليزيplease, وبالألماني بيتهBitte, وبالفرنساويS'ilvousplait, وباليونانيparakalo.. كان الأدب حاضر ومتأسف ومعذرة وحقك علي, وآدي راسك أبوسها, وامسحها في ذقني, ومش حاعمل كده تاني, وصافي يا لبن حليب يا قشطة.. كان الخروج عن الأدب يمنع المصروف, ويذنب وشك للحيط, وينزل بالمسطرة علي الكفوف, وفي الكتاب بفلقة سيدنا علي بطن القدم وفين يوجعك, ويكتب الدرس المنسي خمسين ومائة مرة في الكراس.. و..قبل الدخول دستور, وقبل الخروج أفوتكم بعافية.. و..تسمح لي, وتسلم وتعيش, وبعد إذنك, ولامؤاخذة.. و..حضرتك وحضرتك.. والهانم الكبيرة, والهانم الصغيرة, وأبلة وآبيه وآنشته.. ومن لم يضربه أبوه وأمه علي الكخ عمره ما يعرف سكة الدح.. أي التقريظ والتأنيب.. الحرام والحلال.. المديح والتوبيخ.. الصح والغلط, وإحدي مصائبنا الآن أننا لم نعد نفرق بينهما.. ومن في جيلي سيظل بلا شك يذكر عقابا لا تمحوه الذاكرة سواء بالعزف علي البدن أو علي أديم النفس بسوط اللفظ, فغدونا من بعده طول عمرنا نلتزم البعد عما اقترفناه يوما من قلة أدب لأن عقاب الخطأ فيه كان أليما.. ومؤكد أن من نزل علينا وقتها بالعقاب لم يكن ساديا, ولا متحجر القلب, ولا في قلبه مرض تجاهنا, ولا تغلب عليه ناحيتنا لذة الانتقام أو شبق سلطوية المكانة, وإنما بغيته كان تقويم المعوج وتصويب الخطأ والتنشئة السوية.. و..بالأمس في زيارتي لهما.. الصديقة وزوجها.. مضت سهرتنا مبعثرة متعثرة.. العيال مصهللين, ورغم حتمية الصحيان بدري للمدرسة رفضت المفعوصة إلا أن تستلقي متداخلة في حوار الكبار علي سيقان والدها في الصالون بفستانها, وظلت أمها تدور في لعبة استغماية خلف شقيقها الصغير لتلبسه البيجاما: إخص عليك يا ميمو نفسي انقطع.. يا روح ماما عندك مدرسة بدري والباص بيقعد يزمر ساعة ويسيبك ويمشي ودادي من بعدها ملزم يوصلك ويتأخر عن شغله.. هيييه ومسكتك يا شقي.. هات إيدك مش رجلك.. رجلك الثانية مش إيدك شوفي الولد زاغ مني تاني. ولأني مت وطقيت خاصة عندما انهالت الأم علي الشقي من بعدها دغدغة وتقبيلا, فاستأذنت قبل ما أقل أدبي, وغادرت ولم تزل ذكري نظرة في عين أمي زاجرة من بعد صفاري شمس الغروب ننتفض لوقعها لنلقي ما بأيدينا ونمضي منكسين لدلق قبلة المساء فوق اليد المشرعة تصبحي علي خير يا ماما, ولابد أن إحدانا تكون قد نسيت تبعا للتفتيش الدقيق والملاحظة الثاقبة لجميع الأطراف والثنايا أي حاجة فينالها تأنيب السهو عن غسل الرجلين أو الأسنان أو تجهيز حقيبة المدرسة.. و..نشد الغطاء وحذار من صرير الضحك الخافت في أسرتنا المظلمة, فالأوامر تأتي من وراء الحائط: وبعدين.. وبعدين.. اتخمد نام منك له.. لها.. لها.. وربما نكون قد غالينا في تلك السن الصغيرة في الحفاظ علي الحدود والألقاب مما جعلني أصرخ في وجه الشغالة الصغيرة عندما أشارت معجبة لصورة النجمة علي غلاف المجلة بقولها: حلوة ليلي مراد فإذا بي أنهرها بقولي: جري لك إيه.. انت نسيتي نفسك ولا إيه.. قولي ستي ليلي مراد, وستي ريتا هيوارث, وسيدي كلارك جيبل!.
و..في أدب التعامل.. الكلمة الطيبة.. لماذا يضن بها البعض مع أنها علي لسان الزوج كمثال مخرجا لأمنه وأمانه وسلامه وحريته.. ماذا يضره لو مدها بساطا سندسيا تتهادي عليه زوجته الهويني علي الدوام: إيه الحلاوة دي.. تسلم إيدين اللي غسل واللي طبخ واللي ربي واللي لمس بذوقه كراسي الصالون.. كل سنة وانت جنبي نجفة منورة.. كل عيد زواج وارتباطي بك أفضل قرار أخذته في حياتي.. الرأي رأيك والشوري شورتك يا مالكة قلبي.. وحياة حماتي أنا باحسد روحي علي بنتها.. واحشاني وانت قدام عيني.. ادللي واتمخطري عمرك يا شابة ما تكبري.. إن كان علي الكام كيلو الزيادة فنجان مزاجي سكر زيادة.. قولي كمان كلي آذان صاغية.. متوجسة من صاحبي يغور بعيد.. السكرتيرة.. من بكره منقولة للأرشيف.. احكي لي بالتفصيل غاوي تفاصيلك.. و..ماذا سيعود علي سير العمل إلا كل خير من كلمة طيبة يقولها رئيس لمرؤوسه وزميل لزميله بدلا من التأنيب والوعيد والدس وأجواء التوتر.. وكم من المحبطين أخذت بأيديهم كلمة طيبة ممن يتفهم قوة دفعها وطلاوة وقعها.. وقسما عظما ليس الطفل وحده ولا الصبية ولا الزوجة ولا أنا فقط من يتسول سعد الملافظ.. الحاكم.. والوزير.. والنائب.. والمحافظ لماذا لا تطيب له الكلمة إذا ما طيب خاطر محافظته ووفر أنابيبها وزود حنفياتها وغسل كلاوي ولادها وخبز رغيفها وقصر طوابيرها ولملم قمامتها.. البنت الشغالة قولها لها ولا تخشي أن تتمرع عليك... قلها للترزي والطبيب والضابط ومحصل الكهرباء والمنادي وبتاع اللبن والقاضي والأستاذ.. كلهم من بعدها يورقون يزهرون ينتجون يتقنون.. لقد قالها المولي عز وجل: ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.. ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار.. الكلمة الطيبة عندما نخنقها علي اللسان يموت نبت أخضر, ويجف مداد محاولة توهج لأديب, وتختنق فرشاة علي لوحة فنان, ويحتضر لحن علي فراش مولده.. لماذا لا نقولها؟! أو لماذا نقولها فقط عندما يكون من له الحق في سماعها قد رحل وأصبحت ضمن تركة الورثة.. الآن قلها وليكن قولها صادقا خارجا من القلب, فالكلمة إذا ما خرجت من القلب وقعت في القلب, وإذا ما خرجت من اللسان لم تتجاوز الآذان!
والصمت في الإسلام من باب الأدب.. وعلي المرء أن يسائل نفسه قبل الحديث إلي الآخرين: هل هناك ما يستدعي الكلام؟ فإن وجد داعيا إليه تكلم, وإلا فالصمت أولي به, وإعراضه عن الكلام حيث لا ضرورة له عبادة جزيلة الأجر, وحسبنا قول الرسول صلي الله عليه وسلم لأبي ذر: عليك بطول الصمت فإنه مطردة للشيطان, وعون لك علي أمر دينك وقوله صلي الله عليه وسلم لعتبة بن عامر عندما سأله: يا رسول الله ما النجاة؟ قال صلي الله عليه وسلم: أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك.. وفاز من استمع لقوله عليه الصلاة والسلام: رحم الله عبدا تكلم فغنم, أو سكت فسلم وقوله في إحدي خطبه: فطوبي لمن عقل لسانه وكفه, وأطلق بالخير بنانه وكفه.. وطوبي لمن أنفق الفضل من ماله, وأمسك الفضل من قوله.. وقوله صلي الله عليه وسلم: وهل يكب الناس في النار علي وجوههم إلا حصائد ألسنتهم وفي حديثه صلي الله عليه وسلم لا يستقيم إيمان عبد حتي يستقيم قلبه, ولا يستقيم قلبه حتي يستقيم لسانه.. أما البعد عن اللغو فقد جاء ذكره في القرآن الكريم بين فريضتين محكمتين هما الصلاة والزكاة في سورة المؤمنون: قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون, والذين هم عن اللغو معرضون, والذين هم للزكاة فاعلون وقوله تعالي في سورة البقرة: قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذي والله غني حليم.. ويسأل رجل الرسول صلي الله عليه وسلم: علمني عملا يدخلني الجنة فقال له: أفشي السلام تدخل الجنة بسلام.
وإذا ما كان غيري يطلق أية تسمية أخري علي ما نستهجنه من أمور وأفعال بشدة فإصرارنا علي أنه يخرج عن بنود الأدب والدين والأصول والعرف ومن ذلك:
أن منجم السكري بالقرب من مرسي علم الذي قدم عنه النائب حمدي الفخراني استجوابات في مجلس الشعب والذي يعد الثالث عالميا من حيث النوعية والجودة, إلي جانب120 منجما أخري للذهب حصلت إحدي الشركات الاسترالية علي حق حفرها واستغلالها وشفط ثرواتها منذ سنوات, علي أن تعطي مصر الفتات في حدود3% فقط بينما تقدم لها مصر الغاز والكهرباء المدعومين, مع العلم المخجل والمجحف بأن عملية وزن الذهب المستخرج من تلك المناجم يقوم بتسجيلها عرضحالجي تابع للوزارة ساح نافوخه من الشمس والحر والقهر في دفتر مهترئ بقلم كوبيا نشع حبره علي الأوراق بحكم العرق.. وطارت الطيارة فوق فوق في السماء حاملة علي جناحها أكثر من سبيكة ذهب لخزائن هامان مفرق القطرين لهناك في جزيرة واق الواق التي لا يستدل عليها إنس ولا جان ولا أعتي لجان!
وتسأل الطالبة في محاضرة بالمجلس القومي للشباب هذا الأسبوع الدكتور علي جمعة مفتي الديار عن البنطلون الشرعي, فلا يجد الشيخ الجليل إجابة علي السؤال الدخيل أبلغ من: يا بنتي أنا لست ترزيا!!.
واقتراح أحبطه في مهده مشكورا الدكتور كمال الجنزوري باستبدال اسم المجلس القومي للمرأة إلي المجلس القومي للأسرة رغم أن هناك مجلسين للأسرة والسكان والأمومة والطفولة.. وبهذا ظلت المرأة المصرية موجودة وليست موءودة كما يبغي البعض سامحهم الله وعفا عنهم وأنار بصائرهم وغفر لنا ولهم.
و..المؤتمر العالمي للرقابة علي اللحوم الحلال الذي عقدته في أوائل هذا الشهر الهيئة السعودية للغذاء والدواء بمدينة الرياض وشارك فيه ذوو التخصصات الشرعية والعلمية والاقتصادية لوضع ضوابط للحم الحلال وآلياته بعدما قدرت ميزانية تجارته العالمية في العام الماضي فقط بنحو700 بليون دولار مما أدي إلي تزايد حالات الغش التي وقع فيها بعض التجار قليلو الأدب والمعرفة, وذلك بالإعلان عن بيع خنازير مذبوحة علي الطريقة الإسلامية!
واستكمالا لمسلسل الخروج عن الأدب انتشر علي العديد من المواقع الإلكترونية خبر وفاة النجمة يسرا بعد صراع طويل مع المرض.. الخبر الذي تم تكذيبه بظهور يسرا متألقة كعادتها في المهرجان الأول للسينما الإفريقية بالقاهرة.. و..موتوا بغيظكم..
ويحمل رقم24215 لعام2011 دلالة لا تتماشي مع ما نشأنا عليه من مفاهيم حرية الفكر والإبدااع منذ الحكم المستنير ببراءة طه حسين في قضية الشعر الجاهلي.. الرقم للدعوي القضائية من محكمة جنح الهرم التي حكمت غيابيا علي الفنان عادل إمام بالحبس شهرا وتغريمه ألف جنيه بتهمة ازدراء الدين في أعماله الفنية والسخرية من الجلباب واللحية.. والقانون هنا علي رأسي ومالوش كبير وفوق الجميع وفوق عادل وأنا والسينما وأبوالسينما.. ومن جانبها تلقت محكمة شمال الجيزة بلاغا من عادل إمام باتهام مجهولين بإرسال تهديدات بخطف أحفاده ومحاولة ابتزازه!
وأري فيها قلة علم وقلة مروءة ألا يستقبل بنك القرنية بالمركز القومي للعيون منذ يونيه2001 حتي الآن أية قرنيات محلية, بينما في كشوف انتظار الزرع أكثر من مليون ضرير علي أمل بصيص من الضوء يغير كلية مجري حياتهم, ورغم مرور سبعين عاما علي تأسيس ثلاثة بنوك للعيون في مصر فليس أمام الأطباء سوي استخدام القرنيات المستوردة التي يتبرع بها ناس تعرف ربنا من كافة أرجاء الكون, بينما ناسنا لم تصل إليهم بعد دعوي الإنسانية رغم أن التنازل عن القرنية لا يتم إلا بعد موافاة المنية, ويضرب الكاتب الراحل الإنسان جلال عامر مثلا يحتذي إذ سيظل يري الدنيا بعينيه من بعد وفاته, فقد أوصي بقرنيته لأحد مصابي الثورة الذين ذهبت أبصارهم بفعل قناصة العيون الآثمين.
ولا يكفيني الوصم بقلة الأدب في ذكري الاحتفال بيوم النيل في دول حوض النيل بشأن فاكهة الخوخ واليوسفي المزدهر هذه الأيام في أقفاصها تحت الشوادر والسوبر ماركتات تملأ الثمرة منها الكف الكبير لتتسابق لنهشها الأفواه حتي يظن من حسن منظرها وجمال طلتها أنها كانت معدة للتصدير.. إلا أنه قد ثبت أن نضوجها اللامعقول المفتعل يعود يا ويلاه إلي ريها وغسلها بمياه الصرف الصحي غير المعالج التي أصبحت تروي الآن آلاف الأفدنة لندرة المياه النيلية وارتفاع تكلفة مياه الآبار الجوفية إلي جانب تسميدها العشوائي بمبيد التميك الذي يتخلل الجذور والسيقان مما يؤدي إلي كوكتيل مرعب من الأمراض: شوية سرطان, علي بعضيشي فشل كلوي, علي رشة تيفود.. علي كبد وطحال!
وفي مواجهة الخروج عن الأدب التي ألهبت أعصاب السادات ومنها أن البعض كان يطلق عليه اسم البكباشي صح وذلك لأنه كان يعلق علي كل رأي أو قول لعبدالناصر بكلمة صح حتي قيل إن عبدالناصر ضج منه بقوله كما جاء في مذكرات محمد عبدالسلام الزيات: لو أنه يغير التعبير عن موافقته بدلا من ترديده كلمة صح لكان أخف علي أعصابي.. لمواجهة ما اعتبره السادات قلة أدب, فقد أصدر في15 مايو1980 قانون حماية القيم من العيب الذي طرحه في استفتاء عام جاءت نتيجته كما هو متبع 99% من الناخبين الموافقين.. وجاء تعليق الكاتب محمد حسنين هيكل علي القانون بقوله: إن لفظ العيب لفظ شائع في مصر لوصف أي تصرف لا يكون لائقا, ولكن تحويل رأي معنوي إلي تجريم قانوني قضية بالغة الخطورة حتي بالنسبة لروح التشريع في أي بلد, وجاءت نصوص قانون العيب بالفعل شيئا لا مثيل له في أي بلد متحضر!!
ومن قبل قانون السادات كان هناك القانون الهمايوني الذي أدخله سعيد باشا في24 يناير1855 لتنص مادته الثالثة علي أنه إذا طبع أو نشر كتب ورسايل إهانة للديانة والبولتيقة والآداب والأخلاق فيجري ضبط وتوقيف هذا بمعرفة الضبطية, ويصدر بعدها قانون همايوني للمطبوعات جاء في نصه التركي صاحب العزته الذي يستعمل ألفاظا أو عبارات غير لائقة بحق السلطنة السنية يحبس من ستة شهور إلي ثلاث سنوات, أو يؤخذ منه من خمسة وعشرين ذهبا إلي المائة وخمسين جزاء نقديا.. وظلت عقوبة العيب في الذات المصونة الخديوي, والسلطان, والملك سارية إلي أوائل الخمسينيات حتي أصبحت موضة علي حد قول د. جمال العطيفي: كانت الموضة في التهم وقتئذ هي( العيب في الذات الملكية) وامتد اهتمام السلطات إلي العيب في حق أي ملك, ليقدم الكاتب محمد حسنين هيكل مؤلف كتاب إيران فوق بركان للمحاكمة في عام1951 بتهمة العيب في حق صاحب الجلالة إمبراطور إيران, ولكن محكمة الجنايات برأت المؤلف وقالت عن كتابه إنه نقد مباح وحقيقة تاريخية واجبة التسجيل.. وتكتب صحيفة مصر الفتاة في يوليو1951 تحت مانشيت ضخم العيب في الذات الملكية تقول: هذه التهمة ما كانت توجه إلا مرة كل خمس سنوات, فكانت إذا ما وجهت اهتزت لها أركان البلاد, وانتاب المتهم بها الرعب والفزع, ولكن هذه الحكومة الحالية قضت علي خطورة هذه التهمة بعد أن أخذت توجهها صباح مساء إلي عدد كبير من المجاهدين والصحفيين في الأشهر الأخيرة, حتي كاد الناس يستهينون بشأنها ولا يقيمون وزنا لتوجيهها إذ أصبحت من حيث كثرتها كمخالفة لائحة السيارات وقواعد المرور.
وفي عهد السلطان حسين كامل اعتبر امتناع طلبة الحقوق عن الحضور للجامعة في يوم18 فبراير1915 يوم الزيارة السلطانية, بمثابة اقتراف جريمة العيب في الذات السلطانية فكان العقاب فصل54 طالبا نهائيا أشهرهم فكري أباظة وسليمان حافظ, وحرمان31 طالبا من امتحان آخر العام أبرزهم حسن الهضيبي, وسليمان نجيب. وتم نقل مدرسة الحقوق في الحال إلي الجيزة.. وكان الشاعر أحمد شوقي في11 يناير1915 قد نفي إلي إسبانيا تنفيذا لأوامر السلطان, بعد كتابته عدة قصائد فيها غمز ولمز خارج بالسلطان حسين الذي لم يعد المصلون وقتها يؤمنون علي الدعاء له في المساجد من بعد دعوات الإمام, ويعد رسام الكاريكاتير محمد عبدالمنعم رخا كما جاء في دراسة سيد عشماوي العيب في الذات الملكية أول صاحب ريشة ساخرة يعاقب بتهمة العيب في الذات الملكية عندما قام بتنفيذ حكم السجن مع الأشغال الشاقة لمدة41 شهرا بسبب نكتة رسمها في مجلة المشهور سنة1932, وقال دفاعه إن كلمتين قد دستا علي النكتة بالخط الصغير هما فليسقط الملك!
ولعل الكاتب الكبير عباس محمود العقاد يعد أشهر من حكم عليه بالسجن بتهمة العيب في الذات الملكية من بعد الشيخ الأديب مصطفي لطفي المنفلوطي الذي حكم عليه بالسجن لمدة عام وبغرامة قدرها عشرون جنيها بتهمة العيب في ذات الخديوي عباس الثاني.. وقف العقاد في أوائل عام1928 نائبا وخطيبا في البرلمان في عهد وزارة مصطفي النحاس ليهاجم أعداء الأمة وأعداء الدستور, ونطق بكلمته المشهورة إن الأمة علي استعداد لسحق أكبر رأس في البلد يخون الأمة ويعتدي علي الدستور وأدرك القصر أن المقصود بهذه الكلمة الملك فؤاد, وكان العقاد وقتها متمتعا بالحصانة البرلمانية, فلما حلت الحكومة البرلمان, ثم جاءت حكومة إسماعيل صدقي دبرت قضية العيب في الذات الملكية من المقالات التي كان يكتبها وقتها عن الرجعية, فقضت المحكمة بحبسه9 أشهر من13 أكتوبر1930 حتي8 يوليو..1931 وكثيرا ما كان العقاد يكتب مقالاته اللاذعة قبلها بتوقيعه المستعار ع. الأسواني في جريدة الأخبار عام1924 التي كان يصدرها الشيخ يوسف الخازن, وجاء في مستهل أحد هذه المقالات إن الملوك لا يحتاجون إلي القسم لأنهم يثبتون نياتهم بالأعمال لا بالأقوال.. ويكتب العقاد السجين عن محبسه: فتحت الكوة الصغيرة, ثم فتح باب الرتاج الكبير, ثم احتوانا البناء المحفور الذي يعرف في مصلحة السجون باسم( سجن مصر العمومي) ويعرف علي ألسنة الناس باسم( قرة ميدان) أي الميدان الأسود باللغة التركية.. وخطر لي وأنا أخطو الخطوة الأولي في أرض السجن قول الفيلسوف ابن سينا وهو يخطوها:
دخولي باليقين بلا افتراء.. وكل الشك في أمر الخروج
وبدأت أشعر بقشعريرة الرطوبة التي ينضح بها الأسفلت في أرض العنبر وسقوفه, وألقيت نظرة علي الغطاء الذي سيغنيني عن غطائي فلم أطمئن إليه كثيرا, وبقيت متوجسا من هذه النافذة المفتوحة علي رأسي يندفع منها الهواء طول ليل الخريف فقال لي زميلي: احمد الله علي أنهم لم يختاروا لك سجن الاستئناف فهناك النافذة أربعة أضعاف النافذة هنا ولا أمل في سدها بحال من الأحوال, فضلا عن الظلام المطبق من الصباح إلي المساء.. وهبط ظلام الليل شيئا فشيئا وعاد المسجونون أفواجا إلي الحجرات, ثم توالي إغلاق الأبواب وإدارة المفاتيح في الأقفال, ثم بدأ التتميم حجرة حجرة: كم ياولد!.. عشرة!.. كم يا ولد؟.. أربعة.. وهكذا إلي نهاية الدور, وفي كل عنبر أربعة أدوار ولن يبرح السجان دوره حتي يستوثق من مطابقة العدد الموجود للعدد المكتوب في سجله المعلق عند الباب.. وازدادت الضجة بعد انتهاء المراجعة وشرع اثنان من نزلاء الزنزانة المجاورة بالدخول في قافية ولأنهما علما بمقدم الصحفي الطارئ علي السجن في تلك الليلة جعلا للصحافة قسما من القافية:
الأولاد تنادي وراك وتقول:
- إيش معني..
المؤيد! المؤيد.. ويعني( المقيد)
- فوق راسك يا معلم علي
إيش معني..
- المقطموتظلم الحجرة ظلامين, لأن النافذة المغلقة بالحصيرة إتقاء الريح حجبت كل ضياء, فلم أستطع أن أعرف مكان الكوب ولا الطعام في ذلك الظلام, ولبثت أسمع الأصوات تخفت وتخفت حتي انقطعت أو كادت نحو التاسعة كما أنبأتني الساعة العربية التي تدق في مسجد القلعة, ولم يبق مسموع إلا وقع أقدام الحراس علي البلاط, وإلا صيحاتهم كل نصف ساعة يطيلونها, ويتنافسون في إطالتها, فذكرتني مبيت ليلة علي حدود الصحراء, أسمع فيها صياح الذئاب.
عندما ضاق الخديوي عباس حلمي الثاني بالمظاهرات المطالبة بالدستور, وبعدما أعد الحزب الوطني عرائض بطلب إنشاء المجلس النيابي وقع عليها في البداية45 ألف توقيع قام الخديوي بإعادة بعث قانون المطبوعات لسنة1881 لتحاسب الصحف بمقتضاه عن أي هجوم أو نقد أو قول يعد عيبا في الذات السنية, فانطلق خليل مطران صائحا:
كسروا الأقلام هل تكسيرها
يمنع الأيدي أن تنقش صخرا؟
قطعوا الأيدي هل تقطيعها..
يمنع الأقدام أن تركب بحرا
حطموا الأقدام هل تحطيمها
يمنع العين أن تنظر شذرا
اطفئوا الأعين هل إطفاؤها
يمنع الأنفاس أن تصعد زفرا؟
اخمدوا الأنفاس, هذا جهدكم
وبه منجاتنا منكم.. فشكرا!
وتتجمع أطياف المظاهرة الكبري في27 مارس1909 في حديقة الجزيرة لتنطلق جموعها التي تضم أكثر من عشرة آلاف متظاهر من طلبة الأزهر والمدارس المختلفة وطوائف من التجار والعمال تهتف كما يقول سعد زغلول في مذكراته يحيا العدل وليسقط قانون المطبوعات.. ويتم القبض علي بعض التلامذة, ويذكر سعد أن هذه المظاهرة سارت إلي منازل النظار وإلي عابدين وأن حرمه صفية هانم زغلول عندما أحست بها ظنت أن الساعة قد أتت!
ومع انبثاق فجر23 يوليو52 وضعت نهاية قانون العيب في الذات المصونة.. ومع رحيل السادات رحل قانون حماية القيم.. ومع انبثاق ثورة25 يناير سقط النظام ولكن العيب لم يسقط!!.. ذلك العيب الذي كنا قد عرفناه بالعرف والتقاليد والأخلاق.. وأبدا لم نكن قد تعلمناه بقانون!
المزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.