لا يقدم القائمون على التعليم العام فى مصر إجابات وافية عن كيفية تحقيق طفرة حقيقية فى المنظومة بخلاف الكلام عن بناء عدد من المدارس الجديدة هنا أو هناك وكلام قديم عن عودة الإنضباط وتحية العلم فى طابور الصباح من باب تجميل الصورة فى بداية كل عام دراسي، الخطوات الفعلية لإصلاح حال التعليم لم تبدأ بعد وعلينا أن نكون أكثر صراحة مع أنفسنا مما نحن عليه، فالبيروقراطية الحكومية تسدد خانات أمام القيادة السياسية حتى لا تتهم بالتقصير أو عدم الفعل وهو أمر يستوى فيه وزارة التعليم ووزارات أخرى تجد المسئول يقول كلاما متفائلا أمام الكاميرات ونقيضه فى الغرف المغلقة متحدثا عن المعوقات الإدارية والفنية وغياب التعاون والتنسيق ولا يجرؤ أن يرفع تقارير لمن هو أعلى فى المنصب حتى لا يناله غضب محتمل وتلك اٌفة تقضى على فرص كثيرة للإصلاح وتجعل كل خطوة للأمام منقوصة وتفقد زخمها وتترك المسئول الأعلى فى حيرة من أمره متعجبا عن أسباب عدم الإنجاز أو العطب الذى أصاب مشروعا تخيل أنه سيؤتى ثماره بعد حين. أغلب مشروعات تحديث التعليم حبيسة الأدراج فعليا، وكل ما له علاقة بإعمال الطالب لعقله لم يعرف طريقه بعد إلى الفصول المدرسية، بينما الكل مشغول با الحجر وأعنى بناء مدارس جديدة لإستيعاب أكبر عدد ممكن من الوافدين الجدد على التعليم العام فيما تمرح المدارس الخاصة فى مكاسبها بلا رقابة حقيقية على المصاريف أو تدريس المنهج، ومن واقعنا اليوم ستظل الدائرة على هذا المنوال بلا تغيير لأننا أسرى لطريقة واحدة لا تتغير ولا يملك مسئول من القيادات الوسيطة شجاعة التصدى لأوضاع مضطربة فى دائرة إختصاصه ويكتفى فقط بحماية كرسيه من الزوال السريع. هناك محاولات وتجارب ولكنها تقف عند تعريفها بمحاولات أو تجارب أو خطط فى الأدراج مع تصريحات تنشيطية من وقت إلى أخر لزوم إثبات الوجود عندما يخرج مسئول كبير بتوجيهات عن ضرورة تفعيل خطط الإصلاح. تعليم مصر فى حاجة إلى ثورة على الموروث البيروقراطى العفن وإستدعاء كل ما تملكه تلك الأمة من عقول شابة ولامعة حتى تنتشلها من كبوة الروتين الحكومى الطابق على الأنفاس وهو الروتين نفسه الموجود فى كل شبر من أرض مصر ومسئول عن إهدار الثروة البشرية قبل الثروة المادية ولا يجدى معه خطط تنمية أو تحقيق إنضباط فى الأداء ما لم نعلم الموظف الحكومى أن دوره ليس فقط هو ملء الفراغ أو سد الخانة ولكنه أكبر بكثير. قبل سنوات، ألقيت محاضرة عن مصر بجامعة يل على معلمين ومعلمات من المدارس العليا بولاية كونيتيكت الأمريكية فى إطار برنامج تحسين مستوى منهج التاريخ وجاءت أسئلة الحضور مفعمة بالمعرفة والحيوية والرغبة فى تقديم معلومة افضل للصغار فى مدارسهم وهذا هو الفارق بين سد الخانة وسد الفجوة فى المعرفة وقارنت بين الموقف وموقف أخر قبل اسابيع عندما حضر إلى الأهرام ناظر إحدى المدارس الثانوية الحكومية وقد أرهقته البيروقراطية، جاء خائفا على تجربة تحديث مدرسته بجهود ذاتية ومصيبته أنه يشجع الطلبة على تنمية قدراتهم ومهاراتهم وهو ما يثير حفيظة البعض فى الإدارة التعليمية وربما كان النشر عن التجربة فى الأهرام رادعا ضد التنكيل بتجربة واحدة ولكن ماذا عن مصير التجارب الأخري؟ وماذا لو انتقلت العدوى من تلك المدرسة إلى مناطق أخري؟ مشاهد المدارس فى بداية العام الدراسى غير مشجعة ولا تدعو للتفاؤل وكلما تكلم أحد عن سلبيات خرج بعضهم بأكليشيهات التبرير المعتادة عن نقص الموارد والإمكانات واصبروا وسوف ترون وتمر السنة دون ان نرى شيئا ويعاد السيناريو كاملا بتصريحاته وردود افعاله كما هى عاما بعد أخر.. تعليم مصر فى حاجة إلى قرار حاسم يسلم دفة القيادة إلى نوابغ الأمة وعقولها النضرة وليس لأصحاب المعالى فى المخاطبات الرسمية. هناك فرصة اليوم أن نبدأ بهزة حقيقية وتسليم مفاتيح التغيير إلى أصحابه الذين يحلمون بمستقبل يرونه فى أحلامهم، وفرصة فى تصريحات الرئيس وكبار معاونيه فى الحكومة وفرصة فى التفاف الكثيرين حول السلطة واستعدادهم لتوفير الفكر والجهد من أجل إعادة البناء على أسس علمية. من أكثر المواقف إيلاما أن تجد من جاء وا إلى مصر راجين أن يساعدوا بقدر فى الإصلاح والتحديث بما تعلموه فى الخارج وبعد فترة من الوقت يحملون حقائبهم عائدين من حيث أتوا لأن أحدا لم يشعر بوجودهم ولم يكترث مسئول بالإستماع إلى رؤيتهم ومنهم من تقابل بمسئولين وخرج بتأكيد واحد فقط أن مسئول سد الخانة لا يجدى معه الحوار ومن العبث أن تحدثه فى تطوير أو التفكير خارج الصندوق لأنه ببساطة يحمى صندوقا قديما عتيقا هو صندوق البيروقراطية التى لا تقهر! لمزيد من مقالات عزت ابراهيم