بدا المستقبل مليئا بالتحديات، بل ربما مخاطر جمة ليس أقلها حالة الفوضى التى تضرب دولا عدة فى العالم العربي، من ليبيا الى سوريا والعراق، مرورا باليمن السعيد، ولم تعد مشكلات اليوم فى هذا العالم حكرا على منطقة بعينها.. بل باتت هموما تخص الجميع، ومن ثم فإن خطر التنظيمات الإرهابية والتطرف لم يعد يهدد شاطئا واحدا من المتوسط، بل الضفتين، كما أن مصادره باتت تأتى من الجانبين، ولن نكون منصفين اذا ما نظرنا الى التحديات فقط، فهناك فرص أيضا من أجل مشاركة استراتيجية عربية أوروبية. هذا ما اكده السفير جمال الدين بيومى أمين عام الشراكة المصرية الأوروبية ل«الاهرام» . وقال انه بعد سنوات من الفوضى والاضطرابات، فإن ثمة مبادرة جديدة لوضع العلاقات على أرضية أخري، وحتى نحقق المرجو فإن هناك قضايا أساسية عديدة فى دائرة العلاقات الأوروبية المتوسطية، تتسم بأبعادها الاستراتيجية والأمنية، وتتطلب المناقشة والحوار على جميع المستويات، ولمصلحة المبادرة الجديدة ومن أجل ضمان نجاحها، فإنه يتعين مناقشة عدد من القضايا بشفافية ووضوح، والتعرف على الهامش الذى سيكون الجانب الأوروبى مستعدا للتراجع خلفه تاركا المجال لبلدان جنوب المتوسط لمزيد من حرية الحركة والمشاركة فى القيادة واتخاذ القرارات. الحوار السياسى والديمقراطية واضاف ان العلاقات المتوسطية، تتصدر هدف قيام حوار سياسى بين الأطراف، يقوى التضامن، ويطور التفاهم المشترك وتقارب المواقف حول المسائل الدولية ذات الأهمية الجوهرية للأطراف، خاصة السلام والأمن والاستقرار والديمقراطية والتنمية الإقليمية، وتشجيع المبادرات المشتركة، وتقوم العلاقات بين الأطراف على احترام مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان الأساسية، كما هى مبينة فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان. واشار الى ان ذلك يتطلب بذل الجهود فى الجنوب للاتفاق على دوائر الوفاق المشتركة حول قيام موقف متناسق ذى مضمون مشترك، تجاه العلاقات بين الجانبين، و بذل جهود مماثلة على الطرف الأوروبى فى مجال تنسيق السياسات، والإسهام فى حل النزاعات الإقليمية، فبرغم قبول صناع السياسة الأوروبية بأهمية القيام بدور سياسى أكثر إيجابية فى النزاعات الإقليمية، فلايزال الاتحاد الأوروبى معتادا على الاكتفاء بدور مكمل لدور الولاياتالمتحدة، ويسرى ذلك حتى على قضايا أوروبية مثل قبرص والبوسنة والهرسك، ومن هنا تأتى المصلحة الأوروبية فى القيام بدور سياسى أكبر والتخلى عن موقف المراقب لجهود الآخرين. واوضح السفير جمال الدين بيومى انه يجب أن يشمل الحوار حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، كل المجتمعات فى كل من الشمال والجنوب، ولا يتعلق بسياسات يمليها طرف على الآخر، بقدر ما ينبغى أن يدور حول تبادل الرأى وطرح الاختيارات والبدائل، واذا لم يحقق هذا النوع من الحوار مصالح القوى الصغيرة فى الجنوب، فقد تفضل تلك القوى الابتعاد عنه بمسافة تحافظ على مصالحها الوطنية تجنبا للوقوع تحت ضغوط خارجية، مع استمرار سياسات الإملاء وازدواجية المعايير، والمطلوب هو بناء نظام يحقق مصالح كل القوى ودون أن تخسر إحداها لحساب الأخري، وإلا ستصبح الديمقراطية وحقوق الإنسان توجها يحكم العلاقات الداخلية للقوى الكبري، ولا يطبق اذا تعلق الأمر بعلاقاتها الدولية، خاصة تجاه الجنوب. حق الانتقال والهجرة غير الشرعية (التزام على الجانبين) واشار الى ان إشكاليات قضية الهجرة الى أوروبا تتركز حول تحمل بلدان بحجم ألمانيا أو فرنسا بنحو 10% من تعداد مواطنيها من الأجانب والمهاجرين على أراضيها، ومن جانب آخر فمن المقدر أن دولا أوروبية عديدة تزداد حاجتها الى مهاجرين بأعداد كبيرة لموازنة الهرم السكانى غير المتناسق عمريا، إلا أن هناك خشية من أن تشكل الهجرة تهديدا للاستقرار اذا تمت بصورة غير منظمة، وتضاف لذلك مشكلات إيواء اللاجئين والمهاجرين. وفى هذا الشأن هناك أمران لهما أهميتهما فى التحليلات الأوروبية: الأول: العلاقة بين التكامل الأوروبى والهجرة، فمع تنفيذ اتفاق »شينجن« وتلاشى الحدود بين دول الاتحاد، صارت الهجرة مشكلة أوروبية عامة، وليست مسألة وطنية قطرية. والثاني: أنه مع تنامى الهجرة الى أوروبا، تحاول الجماعات اليمينية إعطاء موضوع الهجرة بعدا وطنيا يثير المشاعر المناهضة للمهاجرين، ولقد وقعت حوادث عدائية وعنصرية، كما حققت الأحزاب اليمينية بعض النجاح فى الانتخابات فى بعض دول أوروبا. حق الانتقال واضاف انه يتعين التفرقة بين مكافحة الهجرة غير المشروعة وأسبابها وبين حق انتقال الأفراد فى إطار تحرير التجارة. وتؤدى القيود الأوروبية الجديدة التى تمارس على حق الانتقال إلى التأثير بشكل سلبى على نتائج تحرير التجارة ويجب الحرص على ألا تحول اجراءات الأمن ومنع الهجرة غير المشروعة دون حرية حركة الأفراد الشديدة الأهمية لنجاح منطقة التجارة الحرة. حيث تؤدى القيود التى تمارس على حق الانتقال إلى الحد بشكل مباشر من نتائج تحرير التجارة بل ويمكن اعتبارها من قبيل القيود غير الجمركية. ويتعين التفكير فى وسائل تؤدى لإلغاء التأشيرات أو تبسيطها لحاملى جوازات السفر الدبلوماسية والرسمية ورجال الأعمال والخبراء بما يجعل كل الأطراف على ثقة من أن اجراءات الأمن والهجرة لن تحول دون حرية انسياب التجارة. التهديدات الأمنية والإرهاب واشار الى ان هناك خشية على جانبى المتوسط من تعرض مصالح الأطراف لأعمال ارهابية ومن جانب آخر لفت البعض الانتباه إلى أن بعض عمليات العنف فى الشرق الأوسط حدثت وكأنها المنجى الأخير لأولئك الذين تأكدوا من أنه لن تتوافر لهم أية وسيلة لتحقيق العدالة على أى نحو. وعلى سبيل المثال، فإن عرقلة سير العدالة الدولية وأعمالها يعتبر دعوة مفتوحة للعنف مادام هناك من لا يساند العدالة والشرعية الدولية ويرفض الانصياع لها موضحا ان البعض ينبه لأهمية الحوار ومحاربة الإرهاب بأساليب تحترم القانون وتدرك أن الفقر لا يصنع الإرهاب ولكن الإرهاب يستغل الفقراء وأن التنمية الاقتصادية والاجتماعية أفضل وسيلة لمكافحة الإرهاب ولإقرار دور القانون وحقوق الإنسان. واضاف انه فى الوقت الراهن هناك تهديدات على الجانبين مواجهتها وهى انتشار أسلحة الدمار الشامل والصواريخ بعيدة المدى بين بلدان الشرق الأوسط والقلق الذى تبديه بعض دول جنوب المتوسط من تشكيل قوة التدخل السريع الرباعية الأوروبية ورغم اعلان دول القوة أن هدفها مواجهة حالات الإخلاء الإنسانى فى الأزمات فإن إبقاء الموضوع بعيدا عن الشفافية والحوار مع الجنوب، يثير التساؤل. وتهديدات الإرهاب على الجانبين. التعاون الإقليمى وقال ان التعاون وسيلة متفق عليها بين مختلف الأطراف لتحقيق السلام الإقليمي، ويلاحظ فى هذا الإطار التجاوب الأوروبى لتوجهات دول جنوب المتوسط العربية لإقامة تجميع اقليمى جنوب ، يجمع فى إطار إعلان أغادير كلا من الأردن وتونس ومصر والمغرب، وينفتح هذا التجمع أمام الدول العربية الراغبة والمؤهلة للانضمام على أسس المشاركة المتوسطية، وهناك عشرات المجالات التى يمكن قيام تعاون اقليمى بناء فى نطاقها، وهذا التعاون لا يمكن فصله عن عملية السلام فى المنطقة، ولقد صار الجانب الأوروبى أكثر تفهما لوجهة النظر العربية فى هذا الشأن. لكن بعض الدول الأوروبية مازالت تقاوم مشروعات التعاون الإقليمي، ما لم تكن اسرائيل طرفا فيها. النظرة إلى العرب والمسلمين وقال ان التاريخ يسجل حقيقة أن العداء لم يقم يوما بين الإسلام والمسيحية كديانتين، وإنما حدث صراع بين الشمال والجنوب على المصالح والطرق والثروات. بل إن كثيرا من كتابات المستشرقين الأوروبيين أسهمت فى التعريف بالإسلام وأضافت الكثير إلى دراساته الجادة حتى أن أول معجم مفهرس لألفاظ القرآن الكريم هو من وضع ألماني. ومع ذلك فقد صار الكثير مما يكتب عن العرب والإسلام فى أوروبا يتسم بالتحيز والمعاداة دون أساس موضوعي. وهناك من يدافع عن ذلك تحت شعارات حرية الرأي، ويتطلب الأمر تشجيع الحوار الصريح والجاد لعلاقة أوروبا مع الإسلام والمسلمين والعرب. وفى مقدرة الجانبين تصحيح هذا الخطأ المتواصل، فى ضوء أنهما يتشاركان فى قيم ومثل عديدة. واوضح : لاشك أن هناك جهدا مطلوبا من الطرفين فى مجال حماية تقاليد وحضارة كل منهما. التوسع الأوروبى وسياسة الجوار وقال ان الاتحاد الأوروبى دخل اعتبارا من مايو 2004 مرحلة جديدة من وزنه السياسى والاقتصادى والجغرافى وتؤدى إلى طفرة فى معدلات النمو وفرص التوظف ودعم القيم المشتركة، واحترام الحريات الأساسية والخصوصية الثقافية للشعوب. واوضح ان الاتحاد الأوروبى يتجه بخطوات متأنية نحو تبنى سياسة خارجية أوروبية مشتركة ومع ذلك فمازالت هناك صعوبات تحول دون إقدام الاتحاد الأوروبى على تبنى سياسات أكثر فعالية فى حل النزاعات الاقليمية. الحوار العربى الأوروبى فى الإطار الإقليمى وقال السفير جمال الدين بيومى ان شكل ومضمون علاقات التعاون العربى الأوروبى أصبح حاليا يختلف عما كان عليه الحال إبان عملية الحوار العربى الأوروبى الذى دار فى سبعينيات القرن الماضى وصارت العلاقات تنظم وفق معايير وتقسيمات وضعها الاتحاد ولا تعبر بالضرورة عن الأولويات العربية، ولذا تزداد الحاجة للاتفاق بين الدول العربية والاتحاد الأوروبى للبحث عن أسلوب لإدارة علاقاتها بطريقة مؤسسية فعالة وفى إطار شامل يضم كل «الدول العربية و دول الاتحاد الأوروبي. تلك هى القضايا الملحة التى سوف ترسم إلى حد كبير شكل المشاركة الاستراتيجية العربية الأوروبية فى ظل بيئة متغيرة. وأحسب أن الوقت قد حان لبدء حوار جاد ولقد كان مؤتمر «الأهرام أنسا» الذى عقد أخير خطوة مهمة على طريق الحوار ونحتاج بالفعل إلى مزيد من الخطوات. مع مرور عشر سنوات على سريانها سعيد عبد الله: اتفاقية الشراكة مع أوروبا الأكثر تأثيرا فى الاقتصاد المصرى أكد سعيد عبد الله وكيل أول وزارة الصناعة والتجارة أن اتفاقية الشراكة مع أوروبا، التى يحتفل العام الحالى بمرور عشر سنوات على سريانها، تعد من أكثر الاتفاقيات التجارية تأثيرا على نمو الاقتصاد المصرى، وتحسين ميزان المدفوعات بفضل النمو المطرد لصادرات مصر لأوروبا، سواء السلعية، والتى قفزت من مليارين و743 مليون دولارعام 2004 تاريخ نفاذ الاتفاقية إلى نحو 8 مليارات و71 مليون دولار عام 2013 بنسبة نمو 194%، أو صادرات الخدمات، خاصة تكنولوجيا المعلومات، التى تشهد نموا متسارعا فى قيمها، بالإضافة إلى تحول الاتفاقية لعامل جذب للمستثمرين الأجانب والعرب والمصريين لإقامة مشروعات صناعية بمصر وتصدير منتجاتها لأوروبا. وأضاف أن الاتفاقية منحت مصر العديد من المزايا، أهمها دخول مجموعة كبيرة من منتجاتها دون الخضوع لنظام الحصص أو سداد أى رسوم جمركية، فى حين أن مصر قدمت تخفيضات متدرجة فى الرسوم الجمركية المفروضة على المنتجات الأوروبية، التى لم يتبق منها سوى السيارات التى ستعفى تماما من الرسوم بحلول عام 2019. وأشار إلى أن قطاع الاتفاقيات التجارية ينظم بصفة مستمرة ورش عمل مع أعضاء المجالس التصديرية ومنظمات الأعمال والغرف الصناعية والتجارية للتعريف بمزايا الاتفاقيات التجارية، خاصة اتفاقية الشراكة مع أوروبا مع توضيح كيفية الاستفادة، منها لتعظيم تجارتنا. وحول تطور تجارة مصر مع الاتحاد الأوروبى أوضح سعيد عبد الله أن مصر تعد المستقبل الأول للمنتجات الأوروبية فى المنطقة العربية، بحجم واردات بلغ العام الماضى 21.230 مليار دولار، رغم أن الميزان التجارى يميل لصالح الاتحاد الأوربى، إلا أن طبيعة الواردات المصرية من أوروبا تظهر أن معظمها سلع أساسية نحتاجها، ويوجد عجز فى إنتاجها محليا، فمثلا نستورد سولارا من أوروبا بقيمة مليار و858 مليون دولار ، وفضلات حديد ومنتجاته بقيمة مليار و57 مليون دولار وعددا كبيرا من الأدوية بقيمة إجمالية 983 مليون دولار ، و565 مليون دولار أخشاب، و 450 مليون دولار مازوت، و 432 مليون دولار قمح ، إلى جانب آلات ومعدات تسهم فى بناء القاعدة الصناعية لمصر بقيمة 590 مليون دولار. وقال إن إيطاليا تعد الشريك الأول لمصر من حيث إجمالى التجارة البينية، والثانى فى قائمة أكبر الدول المستقبلة للمنتجات المصرية، حيث يبلغ حجم تجارتنا معها طبقا لإحصائيات العام الماضى نحو 6.243 مليار دولار، منها 2.695 مليار دولار صادرات مصرية، بنسبة نمو 16% عن عام 2012 ، كما سجلت وارداتنا من إيطاليا 3.548 مليار دولار بارتفاع 4% فقط، وهو ما يعنى أن معدل نمو صادراتنا لها 4 مرات معدل نمو وارداتنا منها. وأشار إلى أن إيطاليا تعد أيضا أهم مورد تكنولوجى لكثير من الصناعات المصرية، والتى تعتمد على المعدات والآلات الإيطالية لرفع جودة منتجاتها، مثل قطاعات الأثاث، والمفروشات المنزلية، والملابس الجاهزة، والغزل، والصناعات الهندسية، إلى جانب أنها تعد شريكا استراتيجيا لقطاع الكهرباء ، فضلا عن أنها تساعد مصر فى تطوير قطاع المدابغ من خلال مشروع نقل مدابغ مصر القديمة إلى مدينة الروبيكى، التى ستصبح أكبر مدينة صناعية متخصصة فى صناعات الجلود والمنتجات الجلدية، وهوما سيسهم فى زيادة القيمة المضافة لصناعات دباغة الجلود وتصنيع المنتجات الجلدية، إلى جانب تخفيض قيمة الواردات من هذه المنتجات. وأضاف أن انجلترا تعد الشريك الأوروبى الثانى لمصر، حيث تبلغ صادراتنا لها نحو 967 مليون دولار بنسبة نمو 15%، فى حين تبلغ وارداتنا منها نحو مليار و409 ملايين دولار بنسبة نمو 12%، ثم فرنسا بالمركز الثالث بحجم صادرات 961 مليون دولار بانخفاض بنسبة 16% عن مستويات عام 2012، والتى سجلت مليارا و144 مليون دولار.