أجبرت الساعات القليلة الماضية عيون العالم أن تتجه صوب ليبيا، بعد التطورات الدراماتيكية التى شهدتها، من تقدم ملحوظ لقوات الجيش الوطنى فى عدد من المدن الصغيرة أعقبه تقدم للقوات البرية تحت غطاء جوى فى مدينة بنغازى التى تعتبر السيطرة عليها مفتاح تطهير ليبيا من سيطرة المليشيات المتطرفة. ولعل السبب فى نجاح الجيش الليبى هذه المرة فى دخول بنغازى و محاصرة المسلحين فيها و تطهيرها منهم هو أنه استطاع أن يسيطر على معسكر كتيبة "17 فبراير " و التى يتحصن بها أكبر مليشيات أنصار الشريعة فى بنغازى ، ومؤسس هذه الكتيبة هو فوزى أبو كتف عضو جماعة الاخوان المسلمين. هذا بالاضافة إلى استهداف القصف الجوى والمدفعى مواقع ميليشيات درع ليبيا المتطرفة فى المدينة وفى محيطها ، بعد أن أحالت حدة المعارك بنغازى و محيطها تقريبا إلى مدينة أشباح يسودها الهدوء المشوب بالحذر لا يقطعه سوى صوت انفجار أو تبادل لاطلاق النار من آن لآخر خلال الساعات القليلة الماضية ، وبعد أن سقط عشرات من أبناء المدينة قتلى ضحايا هذه المواجهات و أصيب عشرات آخرون.
لكن الأمل الذى حدا بنفوس الليبيين فى أن تعود بلادهم لهيكل الدولة الطبيعية مرة أخرى دفعهم للخروج إلى الشواراع لتشكيل لجان شعبية لضبط مسلحى مليشيات أنصار الشريعة وغيرها من المليشيات المتطرفة الأخرى ، والذين ذاقوا على أيديهم مرارة العيش طوال السنوات الثلاث الماضية. وبشهادة المراقبين، فإن الدور الذى لعبه الشعب من أجل إنجاح عملية الكرامة هذه المرة كان أحد أعمدة النجاح الذى وصل إليه الجيش اليوم فى بنغازي. وتناقلت المصادر الإخبارية الليبية أخبار انتفاضة 15 أكتوبر التى كونها الشباب الليبى عبر مواقع التواصل الاجتماعى لمواجهة الجماعات المسلحة “المتشددة” فى المدينة، لا سيما جماعة «أنصار الشريعة». ونسق هؤلاء الشباب فيما بينهم للخروج إلى الشوارع من أجل عرقلة تحرك الميليشيات فى المدينة، وذلك تيسيراً لدخول الجيش إليها. كما أغلقت مجموعة أخرى من الشباب أطراف المدينة بالسواتر الترابية من أجل تسهيل احكام الجيش السيطرة على الأمور فى بنغازي. وإن كان تقدم قوات الجيش الوطنى فى ليبيا وسيطرتها على بنغازى شكل مفاجأة سعيدة بالنسبة للكثيرين الذين ساءهم أن تسير ليبيا على خطى العراق بل و ربما أسوأ ، إلا أن هذه المفاجأة لم تكن سارة على كل حال بالنسبة للمجتمع الدولى الذى يفترض أنه يشن حربا على الارهاب هذه الأيام و يخشى من تحول ليبيا إلى مقر جديد لداعش ، إن لم يكن هذا قد حدث بالفعل . فقد أدلى برناردينيو ليون رئيس بعثة الأممالمتحدة للدعم فى ليبيا بتصريحات أقل ما توصف به بأنها غريبة الشأن قال فيها إن الحوار هو الحل الأمثل للأزمة فى ليبيا .. لإن ليبيا تمر بأزمة سياسية (!!). وحول التطورات الأخيرة التى شهدتها بنغازى ، قال إن الوضع صار أكثر تعقيدا ولا يعتقد أن القتال فى بنغازى سيهدأ خلال المدى القريب. والسؤال الذى يحتاج إلى إجابة حاسمة بعد تصريحات ليون، هل يحافظ المجتمع الدولى على داعش أم يرعى الارهاب فى المنطقة لخدمة مصالح غربية؟! و هل ينتظر العالم أن تسير ليبيا إلى أسوأ من ذلك كى تجتمع قوى العالم العظمى لبحث المخاطر التى تهددها من ليبيا ثم تقرر شن غارات عليها تقصف فيها المدنيين قبل بؤر الارهابيين؟! وسوريا والعراق ليستا من ليبيا ببعيد. وبأى حال من الأحوال، لايمكن النظر إلى الأوضاع فى ليبيا بعيدا عن مصر التى أعلنت موقفها صراحة من الارهاب الذى نجحت مصر فى استئصال ذريعته بشكل كبير على أراضيها، كما لا يمكن لعين أن تخطيء الرابط القوى بين أذرع جماعة الاخوان الارهابية الممتدة بين البلدين الشقيقين. لكن الردين المصرى والليبى على التساؤلات المثارة مؤخرا بشأن شن غارات مصرية على مواقع الارهابيين فى ليبيا كانا واضحين بأن الطائرات المستخدمة فى ليبيا هى ليبية خالصة للجيش الوطنى وأن مصر لم تشارك فى دك حصون الارهاب بليبيا. وفيما اكتفى السفير علاء يوسف المتحدث باسم رئاسة الجمهورية بالتأكيد على أن التقارير الواردة فى هذا الشأن عارية عن الصحة، تبارت وكالات الأنباء و مصادر الأخبار المحلية والعالمية على حد السواء فى التأكيد على أن لمصر أيادى فى عملية الكرامة ، بل إن مصر هى التى تشن هذه الحرب على معاقل الارهابيين فى ليبيا حماية لحدودها الغربية . و فى حرب التصريحات بالتأكيد والنفى يمكن قراءة مشهد مليء بالأسئلة التى لا تجد إجابات منها : لمصلحة من الاصرار على الزج باسم مصر فى عملية الكرامة من أجل تقليب الداخلين المصرى والليبى على قيادتهما واثارة تحفظات المجتمع الدولى الذى رغم اعلانه الحرب على الارهاب لم يفعل شيئا سوى دعمه؟ وأيضا لمصلحة من يتم اغفال الدور الباسل الذى يقوم به الشعب الليبى اليوم لمؤازرة جيشه فى استرداد كرامة بلاده؟ وبينما أكد الرائد محمد حجازى الناطق العسكرى باسم عملية «الكرامة» أن قوات الجيش ستتجه إلى درنة بعد تحرير بنغازي. إلا أنه من غير المتوقع أن ينتهى القتال فى بنغازى على الأقل قبل لعشرين من الشهر الحالى و هو الموعد الذى حددته المحكمة الليبية العليا من أجل البت فى شرعية برلمان طبرق. خلاصة القول، فإن ليبيا اليوم فى انتظار غد أفضل وعد فيه رئيس الوزراء عبد الله الثنى واللواء خليفة حفتر بالقضاء على الارهاب وتعهدوا بقيام الجيش بكل ما هو ضرورى لاعادة صور الحياة الطبيعية لليبيا من انتظام للدراسة وإعادة الأمن فى الشوارع وعودة المؤسسات الحكومية للعمل بشكل طبيعي.