رئيس مجلس النواب يهنئ البابا تواضروس بعيد القيامة المجيد    «الرعاية الصحية» تعلن خطة التأمين الطبي لاحتفالات عيد القيامة وشم النسيم    محافظ الوادي الجديد يهنئ الأقباط بمناسبة عيد القيامة المجيد    حملات لرفع الإشغالات وتكثيف صيانة المزروعات بالشروق    سعر الدينار الكويتي أمام الجنيه اليوم السبت 4-5-2024 بالبنوك    وزير المالية: الاقتصاد بدأ بصورة تدريجية استعادة ثقة مؤسسات التصنيف الدولية    4 مايو 2024 استقرار أسعار الأسماك بسوق العبور للجملة    «الإسكان»: دفع العمل بالطرق والمرافق بالأراضي المضافة حديثاً لمدينتي سفنكس والشروق    أسعار البيض اليوم السبت في الأسواق (موقع رسمي)    وزير الري: جارٍ تنفيذ 342 مشروعًا بالصعيد بتكلفة قاربت 35 مليار جنيه    «البدوي»: الدولة تتبنى خطة طموحة للصناعة وتطوير قدرات العمال    هيئة البث الإسرائيلية: وفد حماس الذي يزور القاهرة اليوم لن يسلم الرد على المقترحات المصرية بل يحضر لمواصلة المفاوضات    عاجل| مصر تكثف أعمال الإسقاط الجوي اليومي للمساعدات الإنسانية والإغاثية على غزة    روسيا تسقط 4 صواريخ أتاكمز أوكرانية فوق شبه جزيرة القرم.    إندونيسيا: 106 زلازل ضربت إقليم "جاوة الغربية" الشهر الماضي    مصرع 14 شخصا إثر وقوع فيضان وانهيار أرضي بجزيرة سولاويسي الإندونيسية    جيش الاحتلال يقصف أطراف بلدة الناقورة بالقذائف المدفعية    صافرة كينية تدير مواجهة نهضة بركان والزمالك في نهائي الكونفدرالية    إبراهيم سعيد: جوميز يطلب رحيل شيكابالا رسميا عن الزمالك    عفروتو يرد على انتقادات «التقصير والكسل»    إخماد حريق نشب داخل شقة سكنية دون إصابات في إمبابة    أمر اداري لمحافظ الأقصر برفع درجة الاستعداد بالمراكز والمدن والمديريات فترة الاعياد    إصابة 6 أشخاص في حادث تصادم بطريق مصر- إسكندرية الصحراوي    «أتوبيسات لنقل الركاب».. إيقاف حركة القطارات ببعض محطات مطروح بشكل مؤقت (تفاصيل)    سفاح فى بيتنا.. مفاجآت فى قضية قاتل زوجته وابنه    "دفنوه على عتبة بيتهم".. أبوان يقيدان ابنهما ويعذبانه حتى الموت بالبحيرة    "تطبيق قانون المرور الجديد" زيادة أسعار اللوحات المعدنية وتعديلات أخرى    5 ملايين جنيه إيرادات أفلام موسم عيد الفطر أمس.. السرب في الصدارة    تامر حسني يوجه رسالة لأيتن عامر بعد غنائها معه في حفله الأخير: أجمل إحساس    طرح البوستر الرسمي لفيلم «بنقدر ظروفك» وعرضه بالسينمات 22 مايو    برج «الحوت» تتضاعف حظوظه.. بشارات ل 5 أبراج فلكية اليوم السبت 4 مايو 2024    ما حكم الإحتفال بشم النسيم والتنزه في هذا اليوم؟.. «الإفتاء» تُجيب    إيرادات فيلم السرب على مدار 3 أيام عرض بالسينما 6 ملايين جنيه ( صور)    «القومي للمرأة» يشيد بترجمة أعمال درامية للغة الإشارة في موسم رمضان 2024    هل بها شبهة ربا؟.. الإفتاء توضح حكم شراء سيارة بالتقسيط من البنك    الصحة توجه نصائح هامة لحماية المواطنين من الممارسات الغذائية الضارة    رئيس هيئة الدواء يشارك في اجتماع «الأطر التنظيمية بإفريقيا» بأمريكا    محمود بسيوني حكما لمباراة الأهلي والجونة في الدوري    عمرو وردة يفسخ تعاقده مع بانسيرايكوس اليوناني    تشكيل أرسنال المتوقع أمام بورنموث| تروسارد يقود الهجوم    بايدن يتلقى رسالة من 86 نائبا أمريكيا بشأن غزة.. ماذا جاء فيها؟    8 مستندات لتحديد تاريخ مخالفة البناء.. اعرفها لتقديم طلب التصالح    حدث ليلا.. خسارة إسرائيل وهدنة مرتقبة بغزة والعالم يندفع نحو «حرب عالمية ثالثة»    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    إسماعيل يوسف: «كولر يستفز كهربا علشان يعمل مشكلة»    حفل ختام الانشطة بحضور قيادات التعليم ونقابة المعلمين في بني سويف    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    مصرع شاب في حادث اليم بطريق الربع دائري بالفيوم    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو فهم وجودى للإسلام!
نشر في الأهرام اليومي يوم 13 - 10 - 2014

تجسد الفلسفة الوجودية أعتى دفاع عن الذات الفردية وحقها فى الحضور والتأثير والفعالية، حيث الحرية الإنسانية تسبق ماهية الإنسان وتجعلها ممكنة، ومن المستحيل تمييز الحرية كنشاط إرادي، عن الإنسان ككائن واقعي.
غير أن تمييزا ضروريا يصبح مهما بين موقفين وجوديين: أولهما مفهوم (الدازين) لدى هيدجر، حيث الإنسان مجرد (موجود ذ هناك)، ألقى به فى العالم ليعانى الاغتراب فى الواقع والقلق إزاء المصير. وثانيهما مفهوم (الوجود لأجل ذاته) حيث تمكن الإنسان من امتلاك وجوده الذاتي، بتوقفه عن الإنصات إلى الناس وثرثرتهم، ونزوعه إلى انتاج وعيه الخاص، ضمن صيرورة دائمة للتعلم يسميها هيدجر ب (التصميم). هذا التصميم هو الحرية التى تخلص (الموجود - هناك) من سطوة الناس، ولكنها لا تخلصه من سطوة الطبيعة.
ولا نظن أن هذا الفيض الإشعاعى الواصل بين الإنسان وخالقه أمر مختلف عن تلك الروحانية العميقة الواصلة بين المؤمن والحقيقة الإلهية. غير أن تلك الروحانية غالبا ما يستقبلها المؤمن بطريقتين مائزتين: الأولى تعكس نوعا من (الزهد فى العالم)، ذلك الزهد السلبى المغترب، المألوف والتقليدى المضمن فى ظواهر تاريخية معروفة. والثانية تعكس نوعا من (الزاهد داخل العالم)، ذلك الزهد الإيجابى فى مادة العالم، المصحوب بالتأكيد على قيمه الباطنة وغاياته الأسمي، وفى قلبها (الحرية) التى هى روحانية التاريخ وغايته بحسب هيجل. وهنا يمكن استدعاء تقسيم دينى يوازى التقسيم الفلسفى على صعيد الفاعلية الإنسانية بين طريقتين للوجود يندرج المؤمن فى سياقهما:
أولهما (الوجود فى العالم)، حيث يكون المؤمن مجرد ذرة فى التيار الدافق لحركة العالم، على منوال (البوذى التقليدي، والمسيحى القروسطوي، والمسلم الدرويش) وجميعهم نموذج للإنسان (الزاهد فى العالم)، ولكنه الزهد السلبى المغترب، الناجم عن نوع من الوجود الساكن ينسبه بعض الفلاسفة والمفكرين، خصوصا برجسون، إلى ما يسمونه الدين الساكن، غير أننا نتحفظ هنا على مقولة الدين الساكن بإطلاق، فى مقابل الدين الدينامى بإطلاق. فثمة أديان تميل إلى السكون (كالمسيحية والبوذية) ولكنها عرفت مراحل تاريخية وتحولات كبيرة وظواهر عديدة اتسمت بالدينامية. وثمة، فى المقابل، أديان ذى طابع دينامى بالأساس (كالإسلام) ولكنها عرفت ظواهر زهدية ومراحل مغتربة اقتربت بها أحيانا من حالة السكون.
وثانيهما هو (الوجود داخل العالم)، حيث المؤمن هو ذلك الإنسان الحر، الذى يحمل على عاتقه ثقل العالم بأكمله، معتبرا نفسه المسئول أخلاقيا عنه. إنه لم يتحول إلى مجرد ذرة فى خضمه، يفتقد للحضور والتأثير والفعالية، ولكنه لم يصبح مترعا بدنيويته بعد، بل يبقى متساميا فيه، لدرجة تمكنه من الشهود عليه، حيث (الزهد داخل العالم)، يولى للحرية الإنسانية قيمة تعلو على الأشياء والموجودات لتصير بحق جوهرا للوجود الإنساني.
وهكذا تمنح الخبرة الدينية للنزعة الفردية مسوغات جديدة، تنبع من أصل إيماني، فإذا كانت الحرية الوجودية هى جوهر الإنسان، الذى يضمن له الشخصية المائزة، ويحول دون ضياعه فى ذوات الآخرين عبر تحريره من ضغوط الجماعة المحيطة به، ومن تكتلات الناس والمصالح المنتشرة حوله، فإن الحضور الإلهى فى العالم يمثل رافعة جوهرية (ميتافيزيقية) لتلك الحرية الوجودية، تدعم إنسانية المؤمن، وتحرره من عوامل قلقه .
وعلى العكس من نيتشه فى بيانه العدمى، كضرورة لازدهار الإنسان، حيث الإيمان ب (إله خالق)، وانتظار العناية الإلهية، ليس إلا خنوعا وتضحية بكل ما لدى الإنسان من وجود فردي، ومن حرية وكبرياء، رأى باول تيليش، الوجودى البروتستانتي، أن هذا الإيمان كان ضرورة لتأسيس علاقة وجودية فعالة بين الإنسان والله، قادرة على أن تمد الإنسان باليقين والأمل فى الخلاص.
ولعلى شخصيا، كمؤمن توحيدى أتفق مع تيلش على جوهر العلاقة التى يرسمها بين الله والإنسان، كوسيلة مثلى لفرح أبدى، وتواصل وجودى، ولكننى أختلف معه، كمسلم، حول شكل تلك العلاقة، فلم يكن فعل التجسد كتصور مسيحى للتواصل الإنسانى مع الحقيقة الإلهية هو الطريقة الوحيدة لحضور إلهى فعال فى عالمنا، بل ثمة طريقة أخرى إسلامية بالغة التنزيه، تبقى الله خارج الفلك الإنساني، فيما تجعله قلبا للوجود الإنساني، موصولا روحيا به، بحيث يتم التلاقي، ويكتمل الوصول إلى العمق ويحدث الفرح من خلال الاستبصار الروحى للإنسان، لا الحضور الجسدى لله.
هذه الطريقة الإسلامية الصافية، فى التواصل مع الحقيقة الإلهية، وصوغ الحرية الإنسانية هى التى تم انتهاكها بطول مراحل التاريخ، حيث دخل العقل العربى فى مرحلة غياب طويل، ودخل تاريخنا الحضارى فى منحنيات مظلمة، سادها ما يقترب بالإسلام من حال الوجود الساكن، والاغتراب العميق، فإذا ما جاءت صحوة دينية، كانت متسرعة وسطحية، ظاهرية لا جوهرية، لم تسع إلى الإيجاب الحضاري، عبر حضور إنسانى حر، متمدين وفاعل فى التاريخ، بحسب أصوله التكوينية وفى قلبها العقلانية، بل جاءت عنيفة ودموية، تم توظيفها لمآرب سياسية ومشروعات هيمنة إقليمية وعالمية، أدت وتؤدى إلى تفكيك وجودنا السياسى، بإثارة نزعات مذهبية وصراعات طائفية، صارت تنتشر حولنا مثل وباء سرطاني، حاملة مسميات وأوصافا إسلامية، لعلها تبقى غريبة عنها، بقدر غربتها عن العقل والفطرة وشتى القيم الإنسانية المعتبرة. ومن ثم تتبدى حاجتنا اليوم إلى إعادة فهم الإسلام الحنيف، فهما جوانيا عميقا، يجعل من الإيمان ركيزة للتحرر، تضع الله فوق سقف الكون، وتضع الإنسان فى مقدمة أشياء العالم، قبل أن تنصرف لإقامة علاقة رأسية بينهما، تتسم بالنقاء من شائبة والبراء من كل كهانة، والبعد عن كل تسلط.
لمزيد من مقالات صلاح سالم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.