العمل في كل قوانين الأرض هو حق وواجب .. وهو في شرائع السماء حق وواجب وعبادة .. ذلك أن الكون إنما يعمر وتدب الحياة فيه بالحركة والجد والعمل .. ويقفر ويجدب وتشق فيه الحياة مع السلبية والخمول والكسل. والعمل نوعان .. عمل للخير والتعمير .. وعمل للشر والتدمير .. والأديان كلها .. وتبعتها قوانين الأرض جميعها .. إنما جاءت داعية إلى النوع الأول من العمل.. ناهية عن النوع الثاني .. فالإسلام لا يعترف إلا بالعمل من اجل الخير .. من اجل عمارة الأرض والإحسان والبر .. والإسلام يدعو إلى العمل الصالح .. ويحذر من العمل السيئ ..وذلك ما سجله القران الكريم : « من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون « .. « فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره « ومن ثم كان العمل الذي يدعو إليه الإسلام .. ويحبب الناس فيه .. ويثيب عليه ، هو العمل الصالح ..والعمل الصالح وحده الذي رفع الله من قدره فجعله شرف الإنسان .. وجعله علامة الإيمان ، فبعد أن أمر الله تعالى بالعمل مطلقا .. وجعله تحت عينه .. وعين رسوله .. واعين المؤمنين جميعا .. في قوله تعالى : «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون..» جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم العمل ثمرة الإيمان .. وانه هو الدليل عليه وهو البرهان ، وذلك أنه : «ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل « .. ثم جاء القرآن في أكثر من ستين موضعا ليقرن الإيمان بصالح العمل .. حتى يستقر في وجدان المؤمنين .. وكي يتعلموا ويعلموا علم اليقين .. أن الإيمان الحق .. لا يتحقق بمجرد القول والتمني والرجاء .. إنما يتحقق بالفعل والبذل والعطاء ..ولذلك .. فقلما جاء ذكر الإيمان في أية من الآيات دون أن يقترن بعمل الصالحات ..في مثل قوله تعالي : «إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم» .. « والذين امنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها « والإسلام وقد فرض العمل على كل قادر ارتقى به إلى مرتبة العبادة .. ذلك أن الحق تبارك وتعالى قد خلق الإنسان ليؤمن به .. ويعمل صالحا فيعبده بذلك حق عبادته .. ثم جعل له آجلا يوفيه من بعد حسابه عما قدم من عبادة وعمل ..ذلك قوله تعالى في سوره الملك : « تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير . الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور « .. ثم هاهو رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع من قيمه العمل .. ويعلى مكانة العاملين .. حين رأى رجلا تشققت يده من كثرة العمل ، فتناولها صلى الله علية وسلم وقبلها قائلا : «هذه يد يحبها الله ورسوله» ، بل وأن عمل العامل .. قد تجاوز في الإسلام جهاد المجاهد .. فها هو عمر ابن الخطاب يقول: «لأن أموت بين شعبي رحلي .. أسعى في الأرض ابتغى من فضل الله كفاف وجهي أحب إلى من أن أموت غازيا « .. وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول: « المغزل بيد المرأة أحسن من الرمح بيد المجاهد « . ثم أن للعامل الذي يعمل صالحا .. له في الدنيا جزاء موفور .. وله في الآخرة ذنب مغفور .. وله في الدنيا خير عميم .. وفى الآخرة نعيم مقيم ، وذلك ما وعدهم الله إياه في سورة المائدة : « وعد الله الذين امنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة واجر عظيم « .. وقوله في سورة الكهف : « أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع اجر من أحسن عملا « .. ثم وعده بالاستحلاف والتمكين والأمن في سورة النور : « وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم آمنا « .. فجائزة العاملين المخلصين .. عظيمة في الحياة وفى يوم الدين .. بل ان المؤمنين العاملين الصالحين .. سيظفرون بالجائزة الكبرى .. بمودة رب العالمين .. والحب في قلوب المؤمنين ذلك قوله تعالي: « إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا « . نعم .. ذلكم هو العمل الصالح قرين الإيمان .. به يعلو البنيان وتتوطد به الأركان .. وتعز به الأوطان .. ويشرف به قدر الإنسان .. واحسب أن بناة مصر الشرفاء .. الذين يعملون ليل نهار في مشروع حفر قناة السويس الذي يبشر بالازدهار والرخاء وهم على العمل الصالح قادرون .. بل إنهم له مهيأون ومؤهلون ..وهم على بناء صرح حضارة مصر الحديثة يقبلون ويعكفون .. وفي خدمة أبناء وطنهم براً وتقوي - يتعاونون ..يحسنون عملهم الوطني أيما إحسان ويتقنون ، « ولمثل هذا فليعمل العاملون « .. « وفى ذلك فليتنافس المتنافسون «. عضو المجمع العلمي المصري