المرأة المصرية فى العقود الأخيرة فى حالة تألق متصاعد . فالطالبات متفوقات على البنين. وفى ميادين السياسة والحماسة الواحدة منهن بمائة رجل، ومنهن العالمات والمبدعات، وعلى أبواب لجان الانتخاب يكل الرجال وهن يقفن بالساعات، كل هذا ومازال البعض يعتبرها جسدا بلا كرامة يلهو به إن شاء ويتحرش, او مخلوقا قاصرا يجب أن يظل خاضعا للرجل. كيف ترى المرأة المتفوقة نفسها, وبنات جنسها من المصريات?.. سألنا الأستاذة الجامعية, والأديبة, والمناضلة الحقوقية؟ حذرت الدكتورة آمنة نصير أستاذ الفلسفة والعقيدة الإسلامية بجامعة الأزهر من خطورة الفقه المتشدد الوارد من دول الجوار، وإصطدامه بثقافة المصريين مما أنتج صورة مضطربة للمرأة المصرية التى منحها الدين الإسلامى الحق فى ممارسة حياتها السياسية والاجتماعية والثقافية، وتطالب نصير المرأة بأن تدرك قيمة ومكانة دورها فى المجتمع، وأن تتمسك به حفاظا على الوطن الذى نحلم به جميعا ..وإلى نص حوارنا معها: بداية ..هل تتعارض قضية حرية المرأة مع تعاليم الإسلام؟. الإسلام منح المرأة الحق فى أن تمارس حياتها كمستخلفة فى الأرض. فالحق سبحانه وتعالى يقول (إنى جاعل فى الأرض خليفة)، والخليفة والمستخلف هو الإنسان، رجل كان أو امرأة. إنما الذى حدث بعد ذلك أن الأعراف والموروث الثقافى، وبعض اجتهادات أصحاب الرأى والهوى، وضعت الحواجز أمام المرأة، وأقامت الأسوار حولها. إن قضية حرية الفكر، وحرية ممارسة العمل ، طالما تستطيعه ومؤهلة له، هو أمر ينسحب على الرجل والمرأة معا. ومن نماذج حرية المرأة فى الإسلام أنها الوحيدة صاحبة الحق الأصيل فى أن تقبل أو ترفض من يتقدم لها للزواج.وفى بيت زوجها لها مفردات للحرية كثيرة ، حتى وصل الأمر فى أنها إن كان هناك من يقوم على خدمتها فى بيت والدها ، وجب على الزوج استقدام خادمة لها. وللمرأة مطلق الحرية فى أن تختار الحاكم أو ترفضه . وللأسف ظهر فى الفترة الأخيرة بعض المتأسلمين عملوا على تقليص دور المرأة ، سواء فى خروجها لإبداء رأيها فى دستور البلاد ، او لدعم اختيار رئيس الجمهورية ، والملفت للإنتباه أن طوابير النساء كانت مشرفة وتميزت بالصبر والأناة ، وتفوقت على طوابير الرجال. ما رأيك فى وصاية الرجل على المرأة كونها مخلوقا قاصرا؟. بعض الرجال يتصورون أن الزواج يسمح للرجل بتملك الزوجة، وأنها ليست شريكة له فى الحياة الزوجية، ويصادرون حقوقها فى جميع أمور الحياة. هذا السلوك يعكس مفاهيم مغلوطة لدى الرجال. ويعد أمرا غير قويم يتسبب فى خلق الكثير من المشاكل. ويجب على الرجل الناضج والحصيف أن يدرك أن الزواج شركة ومشاركة، ولابد للشريك أن يحترم مشاركة شريكه فى صنع الحياة اليومية.لو عرف الرجل معنى المسئولية، ومعنى وزن وقيمة الشريكة معه فى البيت لتجنبت الاسرة عشرات المشاكل التى تهدد الحياه الزوجية,بل فى بعض الاحيان تؤدى الى انهيار بناء الاسرة و ما يترتب عليه من تشرد الاولاد. البعض يحمل المرأه مسئولية التردى فى المجتمع,وانها قد تخلت عن مسئوليتها كأم ومربية..ما رأيك؟. هذا الكلام له جانب من الحقيقة, وبكل أسف هناك بعض السيدات ينشغلن بتوافه الأمور أو الاندماج فى عمل لا طائل من ورائه، أو فى صداقات غير مفيدة ، أو ينشغلن بالنت ويقل اهتمامهن بمسئولية البيت والزوج والأبناء.وأقول لهن ان الأم التى استحقت التكريم النبوى العظيم، عندما بشرها بأن الجنة تحت أقدامها,ورفع الإسلام من شأنها ووضعها فى مرتبة عالية، لا يأتى كل هذا التكريم لها من فراغ، بل هو مصداق لنتاج حسن الأمومة للأبناء ورعايتهم، حتى تقدم الأم للمجتمع أبناء أسوياء يشاركون فى بناء مجتمعهم. بما تفسرين نظرة المنتمين لتيار الاسلام السياسى للمرأة؟. الحقيقة أن هؤلاء المتأسلمين يحملون كل موروثات التاريخ من الجاهلية الأولى، بالإضافة إلى تقاليد غير موضوعية وغير مقبولة ، مما أنتج ثقافة عجيبة أصابت مجتمعنا، وهذا الأمر له عدة أسباب: الأول يتمثل فى هجرة البعض إلى دول الجوار وعودتهم إلينا بفقه متشدد وأعراف عتيقة اختلطت بحضارة الشعب المصرى ، فكانت النتيجة حالة من الاضطراب بين ما وفد إلينا من موروثات وفقه واصطدامه مع الحضارة المصرية التى تشكلت عبرآلاف السنين، وتميزت بالوسطيةواللطف واللين فى التعامل مع قضايا المرأة دون إفراط أو تفريط، وهو مايتفق مع وسطية الدين الاسلامي.وللأسف فإن غياب دور الأزهر فى حماية ثقافة الوسطية أمام هذا الفكر الوافد والذى دعمته قنوات فضائية متطرفة بتحريمها مشاركة المرأة فى الانتخابات أو التفاعل مع الحياة السياسية والسعى الى دخول البرلمان وحتى مشاركتها فى الانشطة الحياتية والادارية والتنموية. وكان نتيجة هذا التضييق والاستهتار بحقوق المرأة حدوث حالة من الاضطراب فى المفهوم الحقيقى لتلك الحقوق وما يوافق عليه منها الإسلام أو يرفضها. كيف كان حال المرأة خلال العام الذى حكم فيه الاخوان مصر؟. كان عاماً شائكاً تم خلاله الاغتيال النفسى للحقوق الاجتماعية والثقافية والسياسية التى منحها الله سبحانه وتعالى للمرأة. حضرت واقعة منها: حين ذهبنا للقاء الرئيس المعزول محمد مرسى ، قبل سفرنا إلى أحد المؤتمرات التى تنظمها الأممالمتحدة حول حقوق المرأة ، فسألنى مرسى عن وضع المرأة اليوم ، فكان جوابى أنه وبكل أسف تم اغتيال جميع حقوقها، فظهر عليه الضيق الشديد، فقدمت له أحد الكتب التى قمت بتأليفها منذ نحو ربع قرن بعنوان «المرأة المسلمة تحت عدل التشريع وواقع التطبيق» أجبت عبر صفحاته عن مدى مشروعية العمل السياسى للمرأة وعملها فى القضاء, وكافة القضايا المتعلقة بدور المرأة فى المجتمع، التى كانت مسار للخلاف والاختلاف ، فما كان من الرئيس المعزول سوى تجاهل الموضوع، حينها اتخذت قرارا بعدم المشاركة فى هذا الؤتمر. هناك اختلاف جوهرى بين مكانة المرأة فى الدول الإسلامية ومكانتها فى الدول الأجنبية..لماذا؟ لأننا لم ننصف المرأة بما أنصفها به الإسلام، فكما أشرت سلفا فإن الإسلام لم يحرم على المرأة المشاركة فى الحياة السياسية والاجتماعية والنيابية.العائق الرئيسى أمام المرأة هو خطاب دينى متشدد، وموروث ثقافى عقيم لا يرى فى المرأة سوى وعاء للجنس وللانجاب, ولا ينظر إلى المرأة إلا لأداء هذه الأدوار أما المرأة فى الغرب فلها كامل الحرية فى صناعة الحياة بكافة اشكالها.أتذكر أنه عندما شاركت فى المناقشات والحوارات حول وثيقة » السيداو » قدمت مقارنة نقدية حول حقوق المرأة فى الغرب ، مقارنة بحقوقها فى الإسلام, فوجدت أن نحو 80% مما ورد فى الوثيقة يتفق مع حقوق المرأة فى الشريعة الاسلامية. وكان تحفظى الوحيد يتعلق بالمواد الخاصة بالأحوال الشخصية, لأن شريعتنا لها خصوصية فى قضايانا كمسلمين، لا نتنازل عنها فى أى وثيقة كانت دولية أو محلية.وهذه الوثيقة انشغل بها العالم العربى والاسلامى، منهم من تحفظ عليها ورفضه، ومنهم من قبل بأجزاء ورفض أجزاء أخري.ومن عجائب الأمور أنه فى الوقت الذى يتجاهل فيه الجميع قضايا المرأة ، فقد دعيت الشهر الماضى إلى مؤتمر فى المملكة الاردنية الهاشمية لعرض ما وافقت عليه من مواد فى هذه الوثيقة والمواد التى رفضتها واسباب ذلك. كيف تقيمين دور منظمات حقوق المرأة فى الدفاع عن قضاياها؟. لا أستطيع أن أجيب بالتعميم عن كل تلك المنظمات,هناك منظمات استطاعت أن تقدم عملا جيداً لصالح المرأة, ومنظمات أخرى سعت إلى الربح المادى. كنت أتمنى أن يهتم الخطاب الدينى من خلال أئمة المساجد بمشاكل المرأة وأن يعملوا على حل قضاياها ، وان يقدموا المرأة المسلمة الإنسانة الكريمة العزيزة الأبية، وتاريخنا حافل بأمثالهن، بدلا من تسول العطف والرعاية من المؤسسات الدولية، مما يسمح لهم بالتدخل فى شئون دولتنا. خطاب تيار الإسلام السياسى يشهد تغيرا واضحا لصالح المرأة، وهم رحبوا بها فى الانتخابات البرلمانية القادمة؟. هم يقولون الآن أنه لا مانع شرعى من إشراك المرأة فى الانتخابات، بعد أن فضحوا أنفسهم بأفعالهم أمام الشعب، وبعد أن شاهدوا الدور الرائع للنساء فى 30 يونيو و 3 و26يوليو من عام 2013، ومدى إقبالها على المشاركة فى إقرار دستور 2014 ، ومشاركتها الحاسمة فى الإنتخابات الرئاسية . فتغير موقفهم الذى يهدف إلى بقائهم فى الساحة السياسية، ألم يرفض تيار الإسلام السياسى من قبل مشاركة المرأة، وحين يقبلون يستبدلون صورتها بصورة وردة؟، ألم يكن موقفهم عدائيا من الإخوة المسيحيين ، واليوم لا يمانعون فى أن تتضمن قوائمهم الإنتخابية أسماء مسيحية.؟ هذا يعكس ترديا سياسيا، وتجارة باسم الدين لتوظيف مايمكن أن يحقق لهم مكاسب سياسية، فكيف تصدق المرأة هذا التلاعب السياسى، والتجارة باسم الدين؟.