على الرغم من صدور فتاوى رسمية لمجمع البحوث الإسلامية ودار الإفتاء المصرية والمجامع الفقهية بالدول الإسلامية تحرم تجسيد الأنبياء والصحابة وأمهات المؤمنين فى الأعمال الفنية فإن دعوات إنتاج مثل هذه الأعمال لا تتوقف بين حين وآخر، وكان آخرها ما نسب إلى الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الذى أبدى فيه موافقته على تجسيد الأنبياء فى الأعمال الفنية بوصفهم قدوة حسنة للبشرية بما بذلوه من تضحيات وبطولات. علماء الأزهر الشريف، وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية ودار الإفتاء المصرية، جددوا رفضهم للدعوة إلى تجسيد شخصية الأنبياء فى الأعمال الفنية مؤكدين حرمة هذا العمل. وطالبوا بالتصدى لهؤلاء الذين يبيحون تجسيد شخصيات الأنبياء, تحت مسمى حرية الإبداع أو بغرض جمع الأموال الطائلة والشهرة الإعلامية من جراء هذه الأفعال المنافية للدين, محذرين من انتشار هذه الظاهرة التى باتت تخرج علينا من وقت لآخر, تارة فى تجسيد الأنبياء, وأخرى فى سب الأنبياء والصحابة والتطاول على ثوابت الإسلام. واستنكر الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر بأسيوط، إعلان وزير الثقافة أنه مع تجسيد أدوار الأنبياء فى الأعمال الدرامية، مؤكدا أن القول بحرمة تجسيد الأنبياء متفق عليه بين أهل العلم وهناك قرار من مجمع البحوث الإسلامية بذلك، حيث أجمع العلماء على أنه لا يجوز تمثيل الأنبياء والرسل والعشرة المبشرين بالجنة وآل البيت الكرام. وأشار فى هذا السياق إلى قرار مجمع البحوث الإسلامية رقم 100 بتاريخ 16 من ربيع الأول 1420 ه الموافق 30 يونيه 1999 م وفتوى قديمة من دار الإفتاء أيضا فى عهد الشيخ جاد الحق شيخ الأزهر الراحل وقت أن كان مفتيا بذلك المعنى وكان مما جاء فيها: (إن عصمة الله لأنبيائه ورسله من أن يتمثل بهم شيطان مانعة من أن يمثل شخصياتهم إنسان ويمتد ذلك إلى أصولهم وفروعهم). وأوضح أن الفقهاء أجمعوا على عدم جواز تمثيل شخصيات الأنبياء جميعا, لما لهم من المكانة والإجلال والقدوة, وناقش مجمع البحوث الإسلامية فى مارس1972 هذه المسألة وقرر تحريم ذلك, وهذا بالإجماع, ومن المعلوم شرعا أن ما أدى إلى الحرام فهو حرام شرعا, فكل ما ينفق على هذا التمثيل سواء فى السينما أو «التلفاز» أو الراديو أو غير ذلك فهو حرام, ولا يجوز للمسلم أن يشاهد أو يستمع إلى هذه الأفلام أو التمثيليات حتى لا يكون آثما, وأى مال كان من جراء هذا فهو مال حرام. الإفتاء تجدد رفضها من جانبها، أكدت دار الإفتاء المصرية حرمة تجسيد الأنبياء والصحابة فى الأعمال الفنية، وأكدت أمانة الفتوى بالدار، حرمة ما تقوم به بعض شركات الإنتاج السينمائى من إخراج أفلام ومسلسلات يجسد فيها شخصيات الأنبياء فى أى فترة زمنية من عمرهم المبارك، مراعاة لعصمتهم ومكانتهم، فهم أفضل البشر على الإطلاق، ومن كان بهذه المنزلة فهو أعز من أن يمثل أو يتمثل به إنسان، بل إن الشرع نزه صورهم أن يتمثل بها حتى الشيطان فى المنام. وأضافت دار الإفتاء أنه مما يؤكد حرمة هذا العمل أنه ينطوى على مجموعة من المفاسد مثل كونه ليس مطابقًا لواقع حياة الأنبياء من أن أفعالهم تشريع، وأن التمثيل يعتمد على الحبكة الدرامية ما يدخل فى سيرتهم ما ليس منها، فيحرم الإقدام على هذا العمل تطبيقا للقاعدة الشرعية التى تقرر أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. وهو ما ذهبت إليه المجامع والهيئات العلمية المعتبرة كمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، ومجمع الفقه الإسلامى الدولى التابع لمنظمة التعاون الإسلامى، وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، والمجمع الفقهى الإسلامى بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامى. وأضافت أن هذا كله يتسق مع كوننا نربأ بالشخصيات الدينية التى لها من الإجلال والاحترام أن تقع أسيرة رؤية فنية لشخصية الكاتب يفرضها فرضًا على المتلقى لها، بما يغير حتمًا من تخيل المتلقى لهذه الشخصيات والصورة الذهنية القائمة عنده حولها، ويستبدل بها الصورة الفنية المقدمة، ما يكون له أثره البالغ فى تغيير صورة هذه الشخصيات، وفرض رؤية الكاتب فرضًا. ورأت اللجنة أن من يحاولون نزع القداسة عن الأنبياء والشخصيات الدينية الأخرى ذات الإجلال والتقدير، تقليدًا منهم لمسار الفكر الذى نزع القداسة عن كل شىء تقريبًا بناء على نموذجه المعرفى يرون بناء على ذلك أن عدم نزع تلك القداسة يجعل الكاتب ناقص الرؤية ومجانبًا للحقيقة، وفكرة نزع القداسة هذه مرفوضة تمامًا فى الإسلام، سواء فى منطلقاتها الفكرية، أو فى تطبيقاتها العملية. علة التحريم وفى بحث فقهى موسع للدكتور مجدى محمد عاشور المستشار الأكاديمى لمفتى الجمهورية عن حكم تجسيد الأنبياء والصحابة فى الأعمال الفنية، وعلة التحريم، قال الدكتور عاشور, إن حكم التمثيل من الأساس حكم مختلف فيه بين الفقهاء المعاصرين، حيث حرمه البعض على إطلاقه كالعلامة المحدث أحمد بن الصديق الغمارى, وهو ما ذهبت إليه اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية, وبين مبيح له بضوابط تجب مراعاتها شكلا وموضوعا كالعلامة الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتى الديار المصرية سابقا, والإمام الأكبر الدكتور عبدالحليم محمود, والإمام الأكبر الشيخ جاد الحق على جاد الحق, والشيخ عطية صقر, وهو ما ذهبت إليه دار الإفتاء المصرية, ولجنة الفتوى بالأزهر الشريف. وعن حكم تجسيد الأنبياء أكد عاشور أن بحثه توصل فى النهاية لعدم جواز تجسيدهم فى أعمال فنية مراعاة لعصمتهم ومكانتهم, فهم أفضل البشر على الإطلاق, ومن كان بهذه المنزلة فهو أعز من أن يمثل أو يتمثل به إنسان, بل إن الشرع الشريف نزه صورهم أن يتمثل بها الشيطان حتى فى المنام. أما عن تجسيد الصحابة فقال عاشور إن الأمر مختلف فيه, حيث إن هناك مجامع وهيئات إسلامية أفتت بعدم الجواز مطلقا فى تجسيد أى من الصحابة, ومنها هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية, والمجمع الفقهى الإسلامى بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامى, واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية فى عدة فتاوى لها صادرة فى هذا الشأن. وفى المقابل، يؤكد عاشور أن هيئات ومجامع أخرى أفتت بإباحة تجسيد الصحابة رضى الله عنهم بضوابط, ومن هذه الهيئات والمجامع مجمع البحوث الإسلامية مستثنيا من إباحته العشرة المبشرين بالجنة, وأمهات المؤمنين وبنات النبى صلى الله عليه وسلم وآل البيت الكرام, كالسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام, وولديها الحسن والحسين, وابنتها السيدة زينب, فلا يجوز تمثيلهم بحال, لما لهم من مكانة عظيمة وسابقة فى الإسلام، لافتا إلى أن تمثيل أدوار بقية الصحابة جائز بضوابط. من جانبه قال الدكتور محمد الشحات الجندى، عضو مجمع البحوث الإسلامية: إن تجسيد شخصية الأنبياء مرفوض تماما. ولا مانع فى الدعوة وإشاعة الفكر الدينى الصحيح وعرض سير الأنبياء، ولكن ذلك يتم عبر الوسائل التكنولوجية الحديثة وليس تجسيد الأنبياء، فمثلاً يتم وضع هلال أو نور كما كان يتم من قبل. وأشار إلى أن الممثلين المجسدين لشخصية الأنبياء لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، إلا أن الأنبياء خلق لهم خصوصية اختصهم الله بها واصطفاهم ليبلغوا رسالته للناس ولا يجوز بأى حال من الأحوال مساواتهم بغيرهم من الخلق. فالنبى له من المقومات الشخصية والمواصفات ما تستعصى على الإنسان العادى، فالأنبياء لهم معجزاتهم ومؤيدون من الله؛ أما البشر فوارد خطؤهم. وشدد على أن بعض الممثلين من الوارد أن يقوموا بتجسيد نبى أو صحابى جليل وبعدها يجسدون شخصيات بطرق ترفضها الأديان السماوية جميعها من شرب الخمر، أو اصطحاب النساء، وغيرها من الأفعال التى يحرمها الدين.