بمجرد أن سمعت عن مسابقة وزارة التربية والتعليم لاختيار 30 ألف معلم مساعد، حملت العجوز التى تجاوزت السبعين من عمرها أوراق وحيدها المغترب فى إحدى المحافظات النائية بحثا عن عمل بعدما أغلقت محافظته باب الرزق فى وجهه، وما إن وصلت إلى إدارة طوخ التعليمية، حتى وجدت طوابير من خريجين يحاربون من أجل الوصول لشباك الموظف المختص للزج بأوراق تقديمهم لوظيفة معلم مساعد. لم تستطع تلك العجوز التى لحب جنباها واحدودب ظهرها أن تندس وسط ذلك الزحام، فآوت إلى ظل جدار ووقفت تحمل بيدها المرتعشة ملف وحيدها، وتدعو الله أن توفق فى تقديمه. لم تكن تدرى ساعتئذ أن باب السماء مفتوح إذ وقعت عينا مدير إدارة المتابعة بإدارة طوخ بمحافظة القليوبية عليها واقفة تعانى ضعفها الذى حال بينها وبين الوقوف فى ذلك الطابور، فاندفع نحوها راحما ضعفها، جابرا كسرها، وأخذ منها الملف، وسلمها إيصالا يُثبت تقديمها أوراق وحيدها، فانصرفت مُتهللا وجهُها تدعو له وتشكر صنيعه. لم يكن هذا هو الموقف الوحيد لذلك المسئول، بل كانت له مواقف أخرى مشرفة تنم عن معرفته للدور المنوط به، إذ قدم صورة مشرفة للمسئول أيا كان موقعه، فأبى أن يُرهق أبناء قريته من أمرهم عسرا، وحفاظا عليهم من زحام - بل حرب تقديم الأوراق - ، ومساعدة لموظف تلقى الطلبات، نادى فى قريته - إمياى - عبر مكبرات الصوت بتلقيه طلبات التقدم لوظيفة معلم مساعد فى بيته، وإدراج أسماء المتقدمين فى كشف ثم تقديمه للموظف المختص بالإدارة لاحقا، مستصغرا ما يقدمه من وقت وجهد. واللافت أن تصرف ذلك المسئول لم يكن طمعا فى ثناء، أو رغبة فى تأييد أو مُؤازرة فى معركة انتخابية، بل كان واجبا أملته عليه المسئولية، وحتمه الواجب، إذ أدرك أن الرئاسة ليست كما يظن البعض هى الجلوس فى برج عاجى، هربا من مطالب الناس ومشكلاتهم، أو هى تضييع الوقت فى مطالعة الجرائد وتناول شاى ( الصبحية )، دون الالتفات إلى طوابير ذوى المصالح والحاجات، وليست المسئولية هى قتل وقت المصالح والمؤسسات فى استقبال المكالمات التليفونية والضيوف والزوار، دون الاكتراث بحق المواطنين، وليست هى البروقراطية وتعويق مصالح الناس على طريقة ( فوت علينا بكرة ياسيد). إنما المسئولية تعنى الالتحام بمشاكل الجماهير وتزليل العقبات، وإنجاز الأعمال، تماما كما فعل ذلك المسئول. Sabry_elmougy @yahoo.com لمزيد من مقالات صبرى الموجى