حصل المخرج الشاب تامر كرم مؤخرا على جائزة عبدالرحيم الزرقانى كأفضل مخرج صاعد من المهرجان القومي للمسرح عن عرضه «الليلة ماكبث» بعد أن قدم رؤية بصرية متفردة لهذه القصة التى حولت بطلها من مقاتل مغوار إلى فارس أذلته أطماع السلطة وأوهام النبوءات وطموحات زوجته فأردته قتيلا في النهاية. عمل جماعى على كافة المستويات وراء نجاح هذا العرض البديع، بدأ باتفاق الرؤى بين المعد محمد الخيام والمخرج تامر كرم؛ ذلك انهما اعتمدا على توظيف عنصر المجاميع أو كما كان يقال في الماضى «الجوقة» في رواية بعض الأحداث تارة، وتجسيد ضمائر ماكبث وزوجته تارة اخرى، وهواجس تطارد كل منهما تارة ثالثة، ثم نبوءات الساحرات تارة ثالثة، وقد حرص كرم على عدم الوقوع في ملل السرد المستمر على استخدام الحوار الغنائى بشكل أشبه بالغناء الأوبرالى مستغلا طبقات الصوت المتباينة بين الرجال والنساء، والتنقل بينها صعودا وهبوطا بحسب سير الأحداث.. قسم المخرج خشبة المسرح لعدة مستويات ففي أقصى عمق المسرح وقف العازفون يؤدون أدوارهم من خلف ستار شفاف وعلى مستوى مرتفع وقد اختار مقطوعات موسيقية غربية تتنوع في معانيها بين الترقب وبث الحماس وهو ما جعله يختار آلات البيانو والترومبيت والكمان والطبلة لتبدو لمن يسمعها وكأنها أوركسترا سيمفونى مصغر، خاصة حينما كان يعلو صوت الترومبيت خلال مشاهد الصراع والمبارزات.. وقد منحت الموسيقى بعدا تحفيزيا للأداء التمثيلى ل ماكبث «محمد المحمدى» وزوجته الليدى «هاجر عفيفى» خاصة في مشهد الحفل الذى تلا قتل صديقه بانكو والذى طارده فيه شبح الصديق ليعكر صفو الحفل بالكامل، فجاء اداء البطلين متميزا بثبات انفعالى شديد.. ثم جعل المخرج عمق المسرح لتجسيد مشاهد احلام اليقظة في خلفية حوار ماكبث وزوجته مثلا حول طريقة قتل الملك، ثم مقدمة الخشبة لتجسيد الاحداث في زمنها الحقيقى، ويحسب له انه استغل كافة أنحاء الفضاء المسرحى فحتى جوانب الخشبة الأمامية استغلها في اختلاء الشخصيات بذواتها للتعبير عن مكنوناتها من خوف وقلق وما شابه، وهو تقسيم أتاح تجسيد كافة الأحداث بشكل دقيق ومكثف، بل وساعده مصمم الديكور محمود صبرى في مشاهدتنا لحوار يدور بين مالكولم ودونالبن ابنا الملك بعد هروبهما خارج البلاد، وهما يتبادلانه من أعلى سلم دائرى صغير على أقصى يسار عمق المسرح للدلالة على البعد المكانى. وقد لعبت الإضاءة التى صممها المخرج ذاته دورا دراميا لا يقل أهمية عن دورها في الأعمال السينمائية العالمية، فقد جسد بها مثلا طول الطريق خلال جنازة الملك دنكان بأن أظلم المسرح وأضاءه ثلاث مرات بينما كان حمل الجنود نعش الملك على الأعناق، بالإضافة لاستخدام اللون الأحمر في مشاهد الحروب للدلالة على الدموية.. أما الأزياء فقد وحدت مروة منير اللون النحاسى للأبطال والمجاميع ايضا وهو لون ساخن مثير ملائم لطبيعة الأحداث القائمة على صراع السلطة.. لكل هذا جسد العمل مباراة شديدة الرقى بين عناصر وضعت المتفرج أمام مرآة الذات ليرى الفارق بين الطموح والطمع، من خلال أداء تمثيلى رفيع المستوى فتنقل محمد المحمدى بين انفعالات الخوف والقلق والثقة والفرحة ببراعة شديدة لم ينتقص منها سوى إحساسه في مشهد قتل الملك فقد توجه لقتل الحارسين بلا انفعالات تتردد بين الحزن لقتل الملك في بيته والخوف لعدم افتضاح أمره باعتباره القاتل الحقيقى، في حين تنقلت هاجر عفيفى بطبقات صوتها بحرفية بين أحاسيس الطمع في السلطة والهروب من هلاوس الدماء على يدها وملابسها، ومساندة زوجها بقوة وحنكة.