هل ينبغى لأسكتلندا أن تصبح دولة مستقلة"؟ .. نعم أم لا؟ هذا هو سؤال الاستفتاء الذى سيجيب عنه الأسكتلنديون بعد أربعة أيام فقط من الآن. والإجابة عليه وما يتلوها من زلزال سياسى وطلاق مخملى "ناعم"، سواء بفوز نعم أم لا، سوف تحدد باختصار مستقبل بريطانيا العظمي، بل ومستقبل الملكية فى أوروبا كلها. بريطانيا العظمى حتى الآن تستخدم القوة الناعمة، فهى تتذلل وتتوسل للأسكتلنديين من أجل الاستمرار ضمن اتحاد المملكة، وعدم تفريق الشمل البريطانى الذى يضم إنجلترا وويلز وآيرلندا الشمالية، وأخيرا أسكتلندا. استطلاعات رأى الأسكتلنديين متأرجحة، فتارة ترجح كفة المعارضين للاستقلال، وتارة ترجح كفة المؤيدين، والكلمة الأخيرة للصندوق يوم الخميس المقبل، لكن فوز "نعم" يعنى فى المرتبة الأولى أن كلمة "العظمي" التى توصف بها بريطانيا ربما تنتهى للأبد، حيث إن القوة الاستعمارية القديمة سوف تفقد قوتها الرمزية والفعلية مع استقلال أسكتلندا التى تشكل ثلث مساحتها، وبالتالى تتقلص جغرافيتها، بالإضافة إلى سابقة تغير العلم البريطانى بشطب العلامة "إكس" التى تمثل أسكتلندا. بريطانيا قدمت عددا من التنازلات من أجل تجنب سيناريو الانفصال، حيث كشفت عن جدول زمنى لنقل السلطات إلى الأسكتلنديين ومنحهم مزيدا من الحكم الذاتي، لكن تحت التاج البريطاني. وتشمل الصلاحيات وضع "ورقة بيضاء" تحدد السلطات المقترح نقلها إلى أسكتلندا، ونشر مسودة قانون أسكتلندا الجديد فى شهر يناير عام 2015، بالإضافة إلى منح الأسكتلنديين السلطة لزيادة عائدات الضرائب لتعديل الإنفاق على الرعاية الاجتماعية، ومنحهم استقلالا ماليا أكبر. واعتبر أليكس سالموند رئيس وزراء أسكتلندا وزعيم الحملة الداعية للاستقلال هذهs التنازلات رشوة "مرعبة"، وأكد أن شعب بلاده سيفوز فى النهاية. ولعل التحديات الهائلة التى يفرضها الاستقلال هى التى دفعت الحكومة البريطانية بأحزابها الثلاثة للوقوف وراء حملة "معا أفضل"، وأن يضطر ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطانى إلى ترك كل شيء وراءه من قضايا ملحة داخليا وخارجيا، والسفر إلى أدنبرة من أجل الضغط فى اتجاه حض أسكتلندا على العودة عن طريق الانفصال. والمفارقة أنه فى معركة الاستقلال هذه، يعتبر الكل خاسر، وإن بدرجات متفاوتة، لكن المؤكد أن بريطانيا الخاسر الأكبر. وإذا أعلنت أسكتلندا استقلالها عن المملكة المتحدة، منهية بذلك أكثر من 300 عام من الوحدة تحت التاج الملكى البريطاني، فإن لندن سوف تتكبد توابع سياسية وإستراتيجية واقتصادية واجتماعية، بل وتهديدا للأمن القومي. بل إن الكارثة الأكبر تتمثل فى أن استقلال الأسكتلنديين قد يثير اضطرابات فى أيرلندا الشمالية التى مازالت منقسمة بشدة بين البروتستانت الذين يرغبون فى أن يكونوا جزءا من بريطانيا، والكاثوليك الذين يفضلون الوحدة مع آيرلندا. ومن المتوقع أن يتم حجب الثقة عن كاميرون، وبالتالى تنهار الحكومة ويرحل الوزراء من 10 دوانينج ستريت، كما سيتم حل البرلمان، حيث إن 41 وزيرا اسكتلنديا سيضطرون إلى الانسحاب من ويستمينستر "مقر البرلمان"، بل إن الهم الأكبر يتمثل فى أن تكون الملكة إليزابيث آخر ملكة فى تاريخ الدولة التى ستعلن عن نفسها فى حالة الاستقلال، خاصة فى ظل الانقسام حول دور الملكية فى مرحلة ما بعد الاستقلال. الملكة من جانبها أعلنت حيادها، وفق ما يمليه عليها الدستور، على الرغم من أن كاميرون كان يعول عليها فى إلقاء خطاب عاطفى يؤثر على الأسكتلنديين المؤيدين للاستقلال، هذا إلى جانب أن بريطانيا سوف تخسر قوتها الدفاعية وقواتها النووية، حيث توجد أربعة رؤوس نووية من طراز "ترايدينت" فى قاعدة "فاسلان" البحرية الأسكتلندية ستكون أيضا مهددة، كما أن نقلها سيتسبب فى خسارة مليارات الجنيهات الإسترلينية، وتسريح آلاف العمال. أسكتلندا سوف تصبح مكشوفة دفاعيا أيضا، خاصة أنها بعد انفصالها عن المملكة، فإنها سوف تنهى جميع الاتفاقيات الدفاعية والعسكرية معها، كما أنها ستأخذ عدة سنوات لتسليح نفسها كدولة. وبالإضافة إلى الخسائر السياسية، فإن التوابع الاقتصادية سيكون لها وقعها، خاصة مع انهيار سعر الجنيه الإسترليني، خاصة أن أسكتلندا ستضطر لتغيير عملتها فى حالة الاستقلال، وهو ما يؤثر على 75% من دخل بريطانيا الذى يتأتى عبر شركات خارجية، كما أن رئيس الوزراء الأسكتلندى هدد بإعادة النظر فى مسألة تقاسم الثروات البترولية فى بحر الشمال، مما سيعطى أسكتلندا 91% من العائدات بعد إعادة التقسيم الجغرافي. بالإضافة إلى أن بريطانيا سيتراجع دورها إقليميا داخل الاتحاد الأوروبى وحلف شمال الأطلنطى "الناتو"، ولن يكون لها قوة التأثير ذاتها إذا استقلت أسكتلندا. هذه هى أزمات ما بعد الاستقلال على الداخل البريطاني، لكن المشكلة الأكبر تتمثل فى أن التصويت بنعم سيمنح أملا للانفصاليين فى كاتالونيا والباسك فى إسبانيا، والفلمنك فى بلجيكا، بل وللانفصاليين فى كل مكان فى العالم بما فى ذلك فى أوكرانيا أنفسهم! إذن خسائر بريطانيا العظمى ستكون كارثية فى حالة فوز "نعم"، إلا أن التصويت ب"لا" سيكون أكثر من مجرد فرصة لالتقاط الأنفاس، إذ أن الملكية البريطانية ستضطر إلى تقديم تنازلات تاريخية ومؤلمة ومذلة لضمان وحدة التاج البريطاني.