لم تعد الأجهزة الأمنية الألمانية بحاجة لرفع درجة استعداداتها الأمنية خصيصا مع حلول ذكرى اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، فهذه الأجهزة اصبحت منذ سنوات في حالة تأهب مستمر خاصة بعد ان شهدت المانيا فعليا في عام 2011 اول اعتداء إرهابي ذي خلفية إسلامية، عندما قام الشاب الألباني المسلم اريد أوكا بإطلاق النار على مجموعة من الجنود الأمريكيين امام حافلة متوقفة في مطار فرانكفورت قبل توجههم للقاعدة الأمريكية في مدينة رامشتاين، ليقتل جنديين ويصيب آخرين. بعدها تم إحباط العديد من المحاولات الأخرى التي قام بها شباب مسلم وقع فريسة للفكر الجهادي المتطرف، على غرار محمد عطا وزملائه الذين نفذوا هجمات سبتمبر الشهيرة على برجي المركز التجاري في نيويورك. غير ان ما يؤرق وزير الداخلية الألمانية دي ميزيير واجهزة الأمن الداخلي هذه الايام هو ان المانيا اصبحت بالفعل مستهدفة بشكل واضح ومباشر ولكن ليس فقط من قبل ابناء المهاجرين الذين نشأوا فيها ويحملون الجنسية الألمانية وإنما أيضا من قبل شباب الماني يتزايد عدده باطراد يعتنق الإسلام وينضم للتنظيمات الجهادية في سورياوالعراق للقتال هناك. وتقدر السلطات الألمانية عدد هؤلاء الجهاديين الالمان باربعمائة شخص تقريبا قتل منهم نحو خمسين شخصا في سوريا وشارك بعضهم في عمليات انتحارية وعاد عشرات منهم إلى المانيا مرة أخرى. اما داخل المانيا فيؤرق السلفيون تحديدا منام اجهزة الأمن الألمانية! ويقدر هانس جيورج ماسن رئيس جهاز حماية الدستور في المانيا عددهم بنحو ستة آلاف شخص يصنف عشرة بالمائة منهم كمتطرفين خطيرين يميلون للعنف. كذلك لا يزال الجدل مشتعلا هنا حول شرطة الشريعة ، تلك المجموعة من الشباب المسلم التي ارتدت سترات برتقالية كتب عليها شرطة الشريعة بالإنجليزية وجابت شوارع مدينة فوبرتال الألمانية لتدعو اصحاب المحلات والمتاجر والشباب لعدم تناول الخمور والمخدرات وحظر محلات القمار والمراهنات إلخ. وطبعا قامت الدنيا ولم تقعد على جميع المستويات وصولا إلى المستشارة نفسها التي ادانت هذه الممارسات واكدت ان المانيا لن تقبل بوجود شرطة موازية فيها. ويدرس وزير الداخلية الاتحادي دي ميزيير مع وزراء داخلية الولايات الألمانية كيفية مواجهة ظاهرة انضمام الشباب المسلم إلى تنظيمات التطرف والجهاد سواء في سوريا او داخل المانيا نفسها في ظل وجود عقبات قانونية واضحة. فعلى سبيل المثال عندما تراقب السلطات شابا وتعرف انه يعتزم السفر إلى سوريا للمشاركة في معسكر تدريب للجهاديين هناك فإن بإمكانها التدخل لسحب جواز سفره ولكن لا يمكنها بموجب القانون الألماني سحب بطاقته الشخصية. في حين أن السفر إلى سوريا يتم عادة عبر تركيا التي يمكن السفر إليها من المانيا بالبطاقة الشخصية فقط.. كذلك لا يعاقب القانون الألماني بشكل صريح من يشارك في مثل هذه المعسكرات ولكن يتعين إثبات أنه يخطط بالفعل لعمل إرهابي في المانيا حتى يمكن القبض عليه. لذا يطالب الحزب المسيحي الديمقراطي بتشديد القانون لسد هذه الثغرة. كذلك يدرس المسئولون إمكانية سحب الجنسية الألمانية من الشباب مزدوجي الجنسية عند عودتهم إلى المانيا من سوريا او العراق، استنادا إلى أن الدستور الألماني يحظر على اي الماني الخدمة العسكرية في جيش أجنبي! اما على الصعيد الداخلي فهناك محاولات لتكثيف التعاون مع الاتحادات الإسلامية لكشف توجهات التطرف لدى الشباب في مرحلة مبكرة. ومن السياسات الوقائية الألمانية ايضا قرار تدريس الدين الإسلامي في المدارس الألمانية الحكومية وتأهيل الأئمة والدعاة المسلمين في جامعات المانية. ولكن ثمار هذه السياسات تأتي بعد سنوات طويلة. في حين أن هناك إشكالية حقيقية في الخطاب الرسمي والإعلامي الألماني تجاه المسلمين ولا يمكن اعتباره منصفا بأي حال. مثلا خصصت المستشارة الألمانية كلمتها الاسبوعية للتنديد بمعاداة السامية معربة عن اسفها لأن المنشآت اليهودية بحاجة لحراسة الشرطة الألمانية حتى اليوم وأنه لايمكن تجاهل مخاوف اليهود! ولكن ميركل لم تشر بكلمة إلى الاعتداءات المتزايدة على المساجد في المانيا وإلى مخاوف المسلمين هنا الذين يتم بسهولة توجيه إتهام جماعي لهم بالتطرف والإرهاب.