تميزت بداية عام 1939 بثلاثة أحداث: غزو هتلر لهولندا, والانشطار النووي, واحجام علماء الفيزياء النووية عن مواصلة الحفر في مضمون مكونات الذرة فتوارت فكرة التقدم. ومن هنا قال أينشتين بنبرة حاسمة إنه لا يعتقد في امكان انطلاق الطاقة النووية والتي كان قد أعلن عن قوتها في عام 1905 في معادلته الرياضية الثورية وهي أن الطاقة تساوي الكتلة (الوزن) في مربع سرعة الضوء, مع ملاحظة أن هذه السرعة تعادل 300.000 كيلومتر في الثانية. ومع ذلك فقد أجريت تجارب في كوبنهاجن وفي باريس وكان من شأنها تأييد التنبؤ النظري بأن الطاقة المحررة من انشطار نواة واحدة تقدر بمائتي مليون فولت. وبعد ذلك كان السؤال اللافت للانتباه هو في مدي امكان هتلر صنع القنبلة الذرية. ومغزي هذا السؤال يكمن في أن من يصنع هذه القنبلة يكون هو المنتصر. وجاء الجواب بالسلب لأن هتلر كان علي علاقة سيئة بعلماء الفيزياء النووية في وطنه, ولم تكن أمريكا علي وعي بأهمية البحث في المجال النووي, وبمدي تأثير هذا البحث علي تكنولوجيا الحرب, هذا بالإضافة إلي أن التناقض الذي أثارته الفيزياء النووية قد أحدث هزة في عقل المشتغلين بها. وكان مضمون هذا التناقض أن قوانين العالم الصغير وهو عالم الذرة مغايرة لقوانين العالم الكبير وهو عالم ما فوق الذرة: الأول يحكمه مبدأ اللايقين والثاني يحكمه مبدأ اليقين. ومع ذلك أثير سؤال آخر وهو عن مدي امكان أمريكا صنع القنبلة الذرية. وجاء الجواب بالإيجاب ولكن بشرط أن تصبح أمريكا علي وعي بأن صنع القنبلة الذرية من شأنه أن ينهي الحرب بالضرورة. وقيل إن توليد هذا الوعي ممكن ولكن بشرط العثور علي عالم فيزيائي يكون مقتنعا بأن ابداعه قد توقف وأنه لم يبق لديه سوي اختراع تكنيك يفضي به إلي صنع القنبلة الذرية, ذلك أن ثمة فارقا جوهريا بين الابداع والاختراع. الأول يمارس علي المستوي النظري والثاني يمارس علي المستوي العملي. وبالفعل تم العثور علي العالم الفيزيائي التكنيكي وهو روبرت أوبنهايمر (1904-1967), إذ كان علي قناعة بأنه وهو في الأربعينات من عمره كان عقله عاجزا عن أن يكون قناصا لأفكار جديدة. وسبب قناعته مردود إلي الرأي الشائع في زمانه بأن العالم الفيزيائي يتوقف عن الابداع اذا تجاوز الثلاثين عاما. وقيل وقتها إن أوبنهايمر هو العالم الوحيد في بريطانيا وكندا وأمريكا الذي كان علي قناعة بضرورة صنع القنبلة الذرية لأن هتلر كان قد استولي علي كل أوروبا, وكان في امكانه الاستيلاء علي كوكب الأرض إذا تمكن من صنع هذه القنبلة. واللافت للانتباه هاهنا أن الذي عثر علي أوبنهايمر كان الفريق مهندس لسلي جروفز بالجيش الأمريكي. ومن هنا بدأ التعاون بينهما وتم صنع القنبلة الذرية في 16 يوليو 1945, وقيل بعدها عن أوبنهايمر إنه أبو القنبلة الذرية. وفي ذلك اليوم تذكر أونهايمر نصا من الكتاب المقدس الهندي باجافاد جيتا, أي أنشودة الله, و الذي هو مكون من 700 بيت شعر ويقال عنه إنه مرشد للحياة. والسؤال اذن: ما هو هذا النص الذي دار في ذهن أوبنهايمر؟ اذا انفجرت شموس عددها ألف فان النور المنبثق عنها يكون مماثلا لبهاء ضابط الكل (الله). وبعد ذلك ورد إلي ذهنه نص آخر من نفس المصدر هو علي النحو الآتي: أنا الآن أصبح الموت..مدمر العوالم. وثمة فارق جذري بين النصين وهو أن أوبنهايمر مع الله في النص الأول ومع الدمار في النصف الثاني. ومعني ذلك أنهكان في طريقه إلي أزمة أخلاقية. وفي 16 يوليو 1945 تم صنع القنبلة الذرية, وفي6 أغسطس من ذلك العام أضاءت شمس الموت هيروشيما, وفي 9 أغسطس من ذلك العام أيضا تكرر هذا النوع من الإضاءة في نجازاكي. وبعد ذلك استسلمت اليابان. ويبقي بعد ذلك سؤال: لماذا اختيرت اليابان من بين دول المحور الخمس لإلقاء قنبلتين ذريتين علي مدينتين من مدنها؟ المزيد من مقالات مراد وهبة