فيديو.. عضو اللجنة العليا للحج والعمرة يحذر من برامج الحج الوهمية: لا تلقوا بأنفسكم في التهلكة    بعد تشغيل أول قطار تجريبيا.. تفاصيل شبكة القطار الكهربائي السريع    متحدث كتائب القسام: وفاة محتجز يحمل الجنسية البريطانية متأثرا بإصابته جراء قصف إسرائيلي    لماذا يهاجم المستوطنون الإسرائيليون منظمة الأنروا؟.. خبراء يجيبون    الهلال يتوج بطلًا للدوري السعودي للمرة ال19 في تاريخه    بعد حادث الدائري.. توجيهات عاجلة من النائب العام للنيابات ضد مخالفي السرعات المقررة    فيديو.. مسلم يطرح أغنية واحد زيك سادس أغاني ألبومه الجديد    سلمى أبو ضيف: والدي تاجر القماش سبب حبي للموضة    "الصحفيين" ترفض قرار "الأوقاف" بمنع تصوير الجنازات.. وتؤكد: اعتداء على حق الزملاء في أداء واجبهم    حياة كريمة فى الإسكندرية.. قافلة طبية مجانية ببرج العرب غدا    السكة الحديد: عودة مسير القطارات في الاتجاهين بين محطتي «الحمام و الرويسات» غدًا    واشنطن بوست: الولايات المتحدة تعرض على إسرائيل دعما استخباراتيا بديلا لاقتحام رفح الفلسطينية    تيسيرًا على الوافدين.. «الإسكندرية الأزهرية» تستحدث نظام الاستمارة الإلكترونية للطلاب    سر الأهلي.. هل ينهي الزمالك خطيئة جوميز مع جروس؟    تكريم الصاوي وسلوى محمد علي.. تفاصيل الدورة الثالثة ل«الفيمتو آرت» للأفلام القصيرة    وزير الشباب: إنشاء حمام سباحة وملعب كرة قدم بمدينة الألعاب الرياضية بجامعة سوهاج    رمضان عبد المعز: لن يهلك مع الدعاء أحد والله لا يتخلى عن عباده    أوكرانيا تحبط هجمات روسية جديدة على الحدود في منطقة خاركيف    الرقابة الإدارية تستقبل وفد مفتشية الحكومة الفيتنامية    السفير ماجد عبدالفتاح: حديث نتنياهو عن الإدارة المشتركة لقطاع غزة حلاوة روح    وكيل صحة الشرقية يتفقد مستشفى العزازي للصحة النفسية    وكيل صحة الشرقية يتفقد مستشفى العزازي للصحة النفسية وعلاج الإدمان    خنقها برباط حذائه.. الإعدام لعامل بناء قتل ابنة شقيقه بسوهاج    سلوفينيا: ممتنون لمصر لمساعدة مواطنينا في غزة على العودة    وزير الرياضة يطمئن على لاعبة المشروع القومي بعد إجرائها عملية جراحية    كنيسة يسوع الملك الأسقفية بالرأس السوداء تحتفل بتخرج متدربين حرفيين جدد    شراكة بين بنك القاهرة وشركة متلايف لتقديم خدمات التأمين البنكي عبر 150 فرعا    فيلم السرب يواصل سيطرته على شباك تذاكر السينما.. وعالماشي يتذيل القائمة    بكلمات مؤثرة.. إيمي سمير غانم تواسي يسرا اللوزي في وفاة والدتها    «جوالة جامعة الزقازيق» تُنظم دورة تدريبية عن الإسعافات الأولية    وزير الأوقاف يحظر تصوير الجنائز بالمساجد مراعاة لحرمة الموتى    عمرو الورداني للأزواج: "قول كلام حلو لزوجتك زى اللى بتقوله برة"    إحالة أوراق طالب هتك عرض طفلة للمفتي    إصابة 3 أشخاص في انقلاب سيارة محملة بطيخ بقنا    محافظ القليوبية يناقش تنفيذ عدد من المشروعات البيئة بأبي زعبل والعكرشة بالخانكة    خالد عبدالغفار: وزارة الصحة وضعت خططا متكاملة لتطوير بيئة العمل في كافة المنشأت الصحية    رئيس"المهندسين" بالإسكندرية يشارك في افتتاح الملتقى الهندسي للأعمال والوظائف لعام 2024    بالصور- سانت كاترين تستقبل 2300 سائح من مختلف الجنسيات    أخبار الأهلي : طلبات مفاجئه للشيبي للتنازل عن قضية الشحات    نقيب الأطباء يشكر السيسي لرعايته حفل يوم الطبيب: وجه بتحسين أحوال الأطباء عدة مرات    إلغاء جميع قرارات تعيين مساعدين لرئيس حزب الوفد    نتائج منافسات الرجال في اليوم الثاني من بطولة العالم للإسكواش 2024    جيش الاحتلال الإسرائيلى: نحو 300 ألف شخص نزحوا من شرق رفح الفلسطينية    «الأرصاد» تكشف حقيقة وصول عاصفة بورسعيد الرملية إلى سماء القاهرة    البابا تواضروس يدشن كنيسة "العذراء" بالرحاب    قروض للشباب والموظفين وأصحاب المعاشات بدون فوائد.. اعرف التفاصيل    بعد ثبوت هلال ذي القعدة.. موعد بداية أطول إجازة للموظفين بمناسبة عيد الأضحى    إحالة العاملين بمركز طب الأسرة بقرية الروافع بسوهاج إلى التحقيق    المفتي يحسم الجدل بشأن حكم إيداع الأموال في البنوك    المشاركة ضرورية.. النني يحلم بتجنب سيناريو صلاح مع تشيلسي للتتويج بالبريميرليج    مباشر مباراة المنصورة وسبورتنج لحسم الترقي إلى الدوري الممتاز    على مدار 3 سنوات.. الدولة تسترد 2.3 مليون متر مربع أراضي زراعية    منها المهددة بالانقراض.. تفاصيل اليوم العالمي للطيور المهاجرة للبيئة    ما حكمُ من مات غنيًّا ولم يؤدِّ فريضةَ الحج؟ الإفتاء تُجيب    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 11-5-2024    حادثة عصام صاصا على الدائري: تفاصيل الحادث والتطورات القانونية وظهوره الأخير في حفل بدبي    مجلس الأمن يدعو إلى إجراء تحقيق مستقل وفوري في المقابر الجماعية المكتشفة بغزة    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تقصف منزلًا في شارع القصاصيب بجباليا شمال قطاع غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريد الجمعة يكتبه : أحمد البرى
الملاك والشيطان!
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 09 - 2014

حيرتنى الدنيا بكل مآسيها وتقلباتها على مدى سنوات عديدة، إلى أن وجدتنى محاصرا بالمتاعب من كل جانب،ولا أرى بصيصا من الأمل يمكن أن يساعدنى فى تجاوز محنتى وآلامي، فقررت أن أكتب إليك بحكايتى عسى أن أجد لديك ما يسرى عنى بعض همومي،
فأنا صيدلى قاربت على سن الخمسين، وأعمل فى السعودية منذ فترة طويلة، وقد نشأت فى أسرة بسيطة الحال لأب موظف، وأم ربة منزل، ولى أربعة أشقاء، وأصر والدى رحمه الله على إلحاقنا جميعا بالجامعة برغم ضيق ذات اليد، وكان لزاما عليّ أن أسافر إلى الخارج، فور أدائى الخدمة الوطنية لمساعدة إخوتي، وأقبلت على مهمتى نحوهم بكل حب وارتياح، فزوجت شقيقيّ الأكبر والأصغر، كما ارتبطت فى إحدى إجازاتى بفتاة جذبتنى بجمالها الأخاذ، ولم أتوقف عند أى عوامل أخرى تتعلق بالجوهر بعيدا عن المظهر الكاذب، واعتقدت وقتها أن فارق السن والتعليم فى صالحي، وأنها ستكون مطيعة لي.. المهم أننى أخذتها معى إلى السعودية، ففوجئت بها تفتعل المشكلات، وتعشق الشجار، ولم تعرف حياتنا طعم الاستقرار، ورزقنا الله بطفلنا الأول ففضلت أن تعود إلى مصر، لتفادى الاحتكاك المستمر معها، وأن أحصل من عملى على إجازة مرتين سنويا، أكون خلالهما بجوار أسرتي، ولم أقصر فى المصاريف، ولبيت لها كل طلباتها، بل وكنت أعطيها أكثر مما تطلب، وسارت أمورنا على هذا النحو إلى أن أنجبنا ثلاثة أولاد «ولدا وبنتين»، وفى إحدى إجازاتى حدثتنى عن ضرورة عودتى نهائيا إلى مصر لكى نكون معا بجوار أولادنا، ووعدتنى بحياة هادئة، وأظهرت لطفا وحنانا فى تعاملها معى بعكس طبيعتها التى وجدتها عليها منذ ارتباطى بها، ثم أذهلتنى فى جلسة صفاء وود عندما قدمت لى مبلغا كبيرا، قالت إنها ادخرته من المصروف الذى كنت أعطيه لها، وأنه حق لي، فحرام عليها إن هى أخفته عني، ففرحت جدا ليس بالمبلغ، ولكن بصنيعها الذى يحمل معانى كثيرة من الاخلاص والود وحسن النية، وقلت لها: «احتفظى به، ولك عندى مفاجأة قريبا»، حيث اتفقت معها على بيع الشقة، وشراء بيت لنا ولأولادنا. وهكذا ابتلعت «طُُعم» المال الذى ادخرته، وبعت الشقة واشتريت منزلا مكونا من ثلاثة أدوار، وكتبته باسمها، وكررت على مسامعى خوفها عليّ وحرصها على أن نعيش معا حياة سعيدة، ولم يتبق معى سوى مبلغ قليل افتتحت به صيدلية صغيرة فى إحدى القري، وبدأت حياتى العملية فى مصر، وكلى أمل أن تستقر أحوالي، لكن الأمور المادية فى الصيدلية سارت من سيئ إلى أسوأ، ولم تتحمل زوجتى شظف العيش مقارنة بما كانت تعيشه قبل نفاد نقودي، وكثرت المشكلات بيننا، لدرجة أننا انفصلنا لمدة ستة أشهر، فعشت فى شقة مستقلة بعيدا عنها، وحدثت والدها فى شأنها، فتدخل لإنهاء خصومتنا، لكنه لم يفلح فى إقناعها بتسوية خلافاتنا برغم أننى لم أقصر فى حقها، وأصرت على الطلاق، وحاولت أن أثنيها عما تفكر فيه، ولكن هيهات، وبعد جلسات ومداولات، انتهينا إلى بيع البيت بحيث تأخذ هى والأولاد ثلثى ثمنه، واخذ أنا ثلثه، وكان لها ما أرادت، ولجأت إلى محام للاتفاق على النفقة التى سيحصل عليها أولادي، ووقعت تعهدا بأن أدفع لهم ألفا وسبعمائة جنيه كل شهر، واشترت هى شقة عاشت فيها مع الأولاد، أما أنا فأخذت مبلغ مائة وعشرة آلاف جنيه، هو نصيبى من بيع المنزل، فاشتريت سيارة، ورخصت صيدلية جديدة فى قرية مجاورة للقرية التى افتتحت بها الصيدلية الأولي، وأقمت مع والدتى فى شقتها.
وبعد شهرين اتصلت بى مطلقتي، وطلبت منى أن أقابلها لأمر مهم، ولما التقينا قالت لى إنها تريد أن تسلمنى الأولاد، ليكونوا فى حضانتي، فوافقت بشرط أن نكتب اتفاقا جديدا أدفع بموجبه ألف جنيه نفقة شهرية لهم، إذا أرادت استرجاع الأولاد مرة أخري، فوافقت ووقعت لى ورقة بذلك، ولم أهتم بأن آخذ منها الورقة الأولى التى تعهدت فيها بدفع ألف وسبعمائة جنيه نفقة كل شهر لهم، لاعتقادى أن الأولاد لن يرجعوا إليها مرة ثانية إذا حاولت أن تأخذهم، وأن الأمور بيننا لن تصل إلى المحاكم، فكل شيء حتى الطلاق تم بصورة ودية، وفوق كل ذلك تصورت أن الاتفاق الأحدث يجبّ ما قبله ويلغيه!

وأرجأت تسلم أبنائى الثلاثة إلى أن أجد زوجة مناسبة لى ترعى أولادى الذين مازالوا صغارا، فابنى الأكبر فى الصف الخامس الابتدائي، والبنتان.. إحداهما فى الصف الثالث الابتدائي، والأخرى فى الصف الثاني، ويحتاجون إلى المتابعة والرعاية.

ووجدت أن أفضل من أرتبط بها، وتقدر ظروفى سيدة تتردد على الصيدلية، توفى زوجها منذ سبعة أعوام، ولديها طفل عمره ثمانى سنوات، وهى من عائلة طيبة، ووالدها ميسور الحال، ولها خمسة أخوة ذكور متزوجون، وكلهم يقيمون فى بيت العائلة بشقة مستقلة، ومشهور عن هذه السيدة حب الخير، ومساعدة الآخرين ولا ترد محتاجا أو سائلا، وأسرتها كذلك، وأبوها لديه تجارة وقطعة أرض زراعية، ويعيشون حالة من الرضا والقناعة، كما أن ظروفى متشابهة مع ظروفها، وعرضت عليها الزواج، وتزوجنا فى بيت بالايجار فى القرية التى افتتحت بها الصيدلية، ونقلت أولادى إلى المدرسة بالقرية نفسها، وما إن علمت مطلقتى بخبر زواجى حتى ثارت عليّ ثورة عارمة، وأخذت الأولاد إلى قسم الشرطة، ومن هناك تسلمتهم، وبدأنا معا حياتنا الجديدة.

ومنذ الاسبوع الأول لمجيء أبنائى للمعيشة معي، ظهر المخطط الذى أعدته مطلقتى لتدمير حياتي، إذ نفذوا تعليمات أمهم بكل دقة، وبدأ هذا المخطط باستنزافى ماليا، حيث كنا نفاجأ باختفاء أى نقود أو قطع ذهبية خاصة بزوجتي، كل عدة أيام، خصوصا فى يوم الزيارة الأسبوعى الذى كنت آخذهم فيه بالسيارة للقاء أمهم، ومع تكرار السرقة تأكدت أنهم السارقون، فضربتهم على هذه الفعلة الشنعاء، فاعترفوا بأنهم يفعلون ذلك حتى أعود إلى أمهم، فمنعت الزيارة، وقطعت الاتصال بها، فأصبحت تأتى لزيارتهم سرا فى المدرسة، وتعطيهم تعليمات جديدة فى كل مرة، وبعدها لاحظنا اختفاء اللحوم والدجاج من الثلاجة، فراقبتهم، وشاهدت ابنتى الكبرى وهى تأخذ كيسا من «الفريزر» وهى ذاهبة إلى المدرسة، وتلقيه فى «الزبالة»، وصار أولادى يجتمعون كل يوم فى غرفة، ويخططون ماذا يفعلون فى اليوم التالى وذات مرة سمعت صوت كسر فى المطبخ، فأسرعت لاستطلاع ما حدث، فوجدت أطقم الصينى محطمة، وكانت الخطة مرة تحطيم الصيني، ومرة أخرى كسر الأكواب الزجاجية، وثالثة تخريب «سيفون الحمام»، ورابعة إضافة التراب والرمال إلى جوال الدقيق.. وهكذا استمرت الحال على مدى عام كامل، فكل يوم خسارة جديدة مدمرة، وعذاب أليم لا يتحمله أحد، وساءت حالتى النفسية وتدهورت صحة زوجتي، فأصيبت بالسكر وارتفاع ضغط الدم، ثم جاء اليوم الذى سرق فيه ابنى ثلاث غوايش ذهبية هى كل ما تملكه من شبكتها، وألقاها فى الزبالة خارج المنزل، ولما اكتشفت زوجتى ما فعله، انتابتها غيبوبة السكر، وبعد أن حاصرت ابنى بالأسئلة وهددته بالضرب المبرح اعترف بفعلته وذهبنا إلى المكان الذى قال لنا إنه ألقاها فيه فلم نجد شيئا.

هنا قررت أن تكون لى وقفة نهائية معهم فجمعتهم مع متعلقاتهم الشخصية، وذهبت بهم إلى شقة أمهم، فتسلمتهم، وتكالبت الأمراض على زوجتى فأصيبت بقرحة فى المعدة ونزيف حاد، وقيء دموي، ثم توفى والدها، وصارت حياتى حزنا وألما على تدهور حالتها.. وبعد حوالى عام قدمت مطلقتى الورقة الأولى للمحكمة والخاصة بنفقة الأولاد وطالبتنى بدفع ألف وسبعمائة جنيه شهريا منذ الشهر الأول لطلاقنا، مع أننى أخذت الأولاد سنة كاملة، كما أن هناك ورقة موقعة منها بألف جنيه فقط فى الشهر، لكن جاء الحكم فى صفها بالدفع أو الحبس.

وإزاء ما حدث لى لم يكن أمامى بدا من أن أتنازل عن الصيدليتين لأى صيدلي، وأبيع سيارتي، وأعود إلى السعودية من جديد، وتزامن ذلك مع وضع زوجتى طفلا، وعادت إلى المعيشة مع أمها، وضاقت موارد الدخل، بعد رحيل أبيها، وأصبحت هى المسئولة عن أمها وابنها من زوجها المتوفى ، وأسرتين بهما أطفال أيتام، كان والدها ينفق عليهما، وتولت هى المهمة بعد رحيله، وأشفقت عليها وعلى نفسى من الظروف التى ألمت بنا، ومهما وصفت لك هذه السيدة العظيمة فلن أوفيها حقها، فهى تشبه الأم تريزا فى العطاء والعطف على الفقراء، ورابعة العدوية فى الزهد، فكل من حولها يحيا فى سعادة ويرتدى أجمل الثياب ، ويتناول أحسن الطعام، أما هى فتجد ضالتها فى رسم البسمة على شفاههم، بينما تعيش حياة أفقر وأقل منهم فى كل شىء، وأراها تردد دائما عبارة عن هؤلاء الأيتام الذين ترعاهم، حيث تقول «من أنا حتى أحرم هؤلاء من رزق ساقه الله إليهم على يدي».

وجاءتنى زوجتى إلى السعودية، ونعيش منذ عام بها، وحصلنا على شقة فى شارع فيصل خلف شارع الهرم، بمبلغ مائة وتسعين ألف جنيه على المحارة، ودفعنا من أقساطها حتى الآن مائة وأربعين ألفا، وباقى خمسين ألفا، وعلى الجانب الآخر فلقد تزوجت مطلقتى ثم تم طلاقها بعد فترة وجيزة، وعادت إلى تحريك دعوى قضائية ضدي، وصدر علىّ حكم بالحبس، واسمى مدرج الآن على قوائم ترقب الوصول فى مطار القاهرة لتنفيذ الحكم، ولم أفلح فى إثنائها عن هذا التصرف معي، وكل ما فعلته أنها عرضت عليّ عن طريق وسطاء أن تتنازل عن القضية مقابل أن أعود إليها، فكيف أطلق «الملاك» وأعود إلى «الشيطان»؟..

إننى أعيش مأساة، وأكاد أموت فى اليوم مائة مرة، فلقد أصيبت زوجتى فوق كل أمراضها بسرطان الصدر، وتحتاج إلى علاج سريع قبل أن تستفحل حالتها، وليس أمامى حل سوى أن أبيع الشقة بالمبلغ الذى دفعته حتى الآن، وآخذ شقة بالايجار فأعالج زوجتي، وأسدد لمطلقتى المبلغ المطلوب مني، فالمصائب لا تأتى فرادي، حيث إن الشركة التى أعمل بها سوف تستغنى عنى وعن كل الصيادلة كبار السن ثم تستعين بصيادلة من الشباب بمرتب أقل وأبلغونى رسميا بأن عقدى سوف ينتهى فى ديسمبر المقبل.

لقد انسدت جميع الأبواب فى وجهى، ولا أدرى كيف سأعود إلى مصر خلال الأسابيع المقبلة وسط حصار حكم السجن الذى ينتظرني، وأمراض زوجتى التى تضيع مني، ولا أملك ما أعالجها به.. «إنها الدنيا التى لا تستقر على حال، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
لقد بنيت حياتك على «الاعتقادات الخاطئة»، فاتخذت كل خطوة بناء على اعتقاد يثبت عدم سلامته فيما بعد، بدءا من ارتباطك بالفتاة الجميلة التى تصورتها «ملاكا» واعتقدت أنها بحكم فارق السن والتعليم ستكون تابعة لك، وتنفذ أوامرك بكل دقة، ثم تحولها إلى «شيطان» جعل حياتك نكدا وألما وهما، وربما حدثت أمور أخرى لم تذكرها هى التى أجَّجت الصراع بينكما، ثم اعتقدت أنها بإنجاب المزيد من الأولاد سوف تتراجع عن الخط المعاند لك، وتمتثل لأوامرك، متجاهلا أنك تقود نفسك الى المصير الذى انتهيت اليه بالفعل، وكان يتحتم عليك ان تكون لك وقفة معها بعد المولود الأول، فلا تقدم على الانجاب ثانية إلا بعد التأكد من أنها الزوجة المطيعة المحبة لك، وأنها بالفعل ملاك كما تصورتها، ولم تغيرها الأيام، لأن الزوجة إذا كرهت زوجها، لن تصلحها كنوز الدنيا كلها ولو انجبت دستة من الأولاد.. لكنك للأسف استمررت فى «منهجك الخاطئ» فحتى عندما طلقتها صارت المسألة بالنسبة لك مجرد نزهة فلقد وافقت على أن يذهب الأولاد إلى أمهم وحررت لها وثيقة بالمبلغ الذى أرادته، وقبل ذلك وافقت على أن تشترى بيتا بكل ما معك من أموال باسمها، واعتبرت المبلغ الذى عرضته عليك «طُعما» بعد فوات الأوان!.. وكنت فى جميع خطوات حياتك مسلوب الإرادة لاغيا عقلك، منساقا إلى ما تمليه عليك، حتى وأنت فى أوج خلافاتك معها، ولا أدرى أين خبرتك بمن ارتبطت بها، وعشتما معا سنوات عديدة، تحت سقف واحد، فلقد سلمت لها الحبل على الغارب، فتسلطت عليك وأفقدت ابناءكما القدوة فى أبيهم، وهو المثل الاعلى لهم، ومصدر حمايتهم، وازاء كل ذلك لم يكن ممكنا ان تستقيم حياتكما الزوجية، بعد أن فشلت زوجتك الأولى فى مساعدتك على القيام بدورك كرب اسرة، وتحولت من «ملاك» الى «شيطان»،

وزاد من تفاقم ازمتكما معا عدم وجود رغبة حقيقية لدى كل منكما لسماع ما بنفس الطرف الآخر، من خلال احترام متبادل، فالعتاب يكون ناجحا عندما يحرص الطرفان على احترام بعضهما، والعتاب الايجابى يتحقق بالتواصل والحوار حول السلبيات، واذا استقامت العلاقة بين الأبوين، تربى الأولاد فى جو نقى على أسس سليمة، وأمكن تذويب أى مشكلة باللين والتشاور، حتى ولو بعد الانفصال، لكن تسلط مطلقتك عليك أعماها عن رؤية الصواب، فغرست فى أبنائها صفة رذيلة، وخلقت منهم «أطفالا شريرين»، سوف يعانون الأمرين فى حياتهم، بل وسوف يسلكون نفس المسلك معها بالكذب والغش والسرقة والخداع، لتلقى جزاء ما صنعته بيديها وبتفكيرها الهدام، وسيأتيها يوم تندم فيه أشد الندم على تحولها من «ملاك» إلى «شيطان».. وتحضرنى قصة معبرة تؤكد خطورة التحول فى شخصية الفرد على خلاف الفطرة التى فطر الله الناس عليها، إذ يحكى أن حاكم ايطاليا دعا فنانا تشكيليا شهيرا، وأمره برسم صورتين متناقضتين توضعان عند باب أكبر مركز روحى فى البلاد، إحداهما لملاك والأخرى لشيطان لرصد الاختلاف بين الفضيلة والرذيلة» وبحث الفنان عن مصدر يستوحى منه اللوحتين، فقابل طفلا بريئا وجميلا، تطل السكينة من وجهه الأبيض المستدير، وتغرق عيناه فى بحر من السعادة، فأخذه وذهب معه إلى أهله، واستأذنهم فى استلهام صورة الملاك من خلال جلوس الطفل أمامه كل يوم حتى ينهى رسم صورته وخلال شهر أصبح الرسم جاهزا، ومبهرا، وكان نسخة من وجه الطفل مع القليل من إبداع الفنان.. ثم راح يبحث عمن يستوحى منه صورة الشيطان، لكن بحثه طال لأكثر من عشرين عاما، وأصر على أن تكون تحفته الفنية مستمدة من الواقع لا الخيال، فزار السجون والعيادات النفسية، وأماكن المجرمين، لكنه وجدهم جميعا بشرا وليسوا شياطين.. وأخيرا عثر الفنان فجأة على «الشيطان»، إنه رجل سيئ يبتلع زجاجة خمر فى حانة غير نظيفة فاقترب منه الرسام، فوجده قبيح المنظر كريه الرائحة، وله شعرات تنبت وسط رأسه كأنها رءوس الشياطين وعديم الروح، ولا يأبه بشىء، وفمه خال من الأسنان، ويتكلم بصوت عال، وبدأ الفنان مهمته، وذات يوم لمح دمعة على خد «الشيطان»، فسأله عما به، فأجابه بصوت أقرب إلى البكاء المختنق «أنت يا سيدى الذى زرتنى منذ اكثر من عشرين عاما، حين كنت طفلا صغيرا، واستلهمت من وجهى صورة «الملاك»، وها أنت اليوم تستلهم منى صورة «الشيطان».. لقد غيرتنى الأيام والليالى حتى أصبحت نقيض ذاتى»!. وانفجرت الدموع من عينيه، وارتمى على كتف الفنان، وجلسا معا يبكيان أمام صورة الملاك!

وهكذا فإن كل انسان يخلق على الفطرة... لكن مطلقتك لم تحافظ على الفطرة التى وهبها الله لها، فأساءت إلى نفسها، ولعلها تستوعب الدرس فتتمسك بالنقاء الذى كان موجودا بداخلها، وهو درس لنا جميعا يجب أن نتعلمه.

أما زوجتك الثانية، فهى «الملاك» الذى لم يتغير، إذ حافظت على صورتها الجميلة وأسلوبها الهادئ فى التعامل مع الآخرين، واتساقها مع نفسها، فأرضت ربها، ولم تبال باختبارات المرض التى ساقها الله إليها، ومثل هذه السيدة العظيمة المحبة للخير، لن يتخلى الله عنها، وسوف يكتب لها الشفاء حين يأذن سبحانه وتعالى، علاوة على ما أعده لها الواحد الأحد يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

فأعد ترتيب حياتك وفكر بعقلانية فيما مررت به من أحداث، وسوف تتكشف لك سبل جديدة، تعيد بها رسم خريطة حياتك، سواء ببيع الشقة أو تقسيط المبالغ المستحقة عليك، أما علاج زوجتك فهو أمر ميسور بإذن الله، فمنه المدد وإليه النشور، فتبتل إليه وسوف تسعد بالنتيجة بعونه ومشيئته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.