عندما يمر الزائر بمدينة الفسطاط بمصر القديمة أو مجمع الأديان أو دار الوثائق ينتبه إلي مبني ضخم ومساحة فضاء ويتساءل عن كينونة هذا المبني الضخم , وسيندهش عندما يعلم ان فكرة هذا المبني عمرها أكثر من ثلاثة عقود , وان الحجارة التي بني بها هذا المتحف عمرها أكثر من أربع عشرة سنة , ومرت حكومات , ووزراء , وتغيرت مصر كثيرا , وظل هذا المبني ينظر إلينا بحسرة ولا يستطيع ان يعبر عن غضبه , وهذه هي قصة مبني اسمه متحف الحضارة القومي . يطل متحف الحضارة علي بحيرة عين الصيرة بالفسطاط بمصر القديمة وهو قريب من مجمع الأديان وفي رسالة واضحة بان حضارة مصر تستوعب كل الأديان , وتبلغ المساحة الإجمالية لمتحف الحضارة ثلاثة وثلاثين فدانا وفي المستقبل القريب سيصبح سبعين فدانا , وسيضم المتحف قطعا أثرية وفنية تغطي الحقب التاريخية لمصر من فجر حضارتها وحتى العصر الحديثة والمعاصرة لان هدف المتحف الرئيسي هو الهوية المصرية المرتبطة بالإنسان المصري ونهر النيل واختراع الدولة والمنجزات الحضارية , ويحاكي متحف الحضارة متاحف عالمية وقد يفوقها في الإمكانيات وأحدث ما وصلت له تقنيات العرض المتحفي العالم.
للمتحف قصة طويلة
ترجع قصة إنشاء هذا المتحف إلي أكثر من 34 سنة حيث تبنت منظمة اليونسكو من خلال صندوق إنقاذ أثار النوبة مشروعين متحفيين الأول هو متحف النوبة بأسوان والذي افتتح عام 1997 والثاني هو المتحف القومي للحضارة المصرية , وكان متحف الحضارة مقررا له ان يكون في ارض المعارض بالجزيرة ولكن وجد ان الأرض غير كافية لاستيعاب الفكرة , وفي عام 1998 تم اختيار مكان آخر وهو المكان الحالي في الفسطاط , وفي عام 2000 خصصت محافظة القاهرة الأرض لبناء المتحف وهي ارض تبلغ مساحتها أكثر من ثلاثة عشر ألف متر مربع.
الخصوصية التاريخية والمكانية
وجد الخبراء في الموقع الجديد مقومات مكانية وخصوصية تاريخية , وتتمثل المقومات المكانية في موقع المتحف والذي يحيط به معالم أثرية وتاريخية وهي جامع عمرو بن العاص والكنيسة المعلقة ومعبد بن عزرا وكنيسة أبي سرجة ومن علي بعد يمكن للزائر ان يري سور مجري العيون وقلعة صلاح الدين وجامع الجيوشي وقبتي الإمامين الشافعي والليثي , وبالتالي فالمتحف يتوسط أماكن تجمع الأديان الثلاثة وأثار إسلامية ذات تاريخ عريق , أما الخصوصية التاريخية للمتحف فتتمثل في الأرض التي يقام عليها المتحف وهي ارض مدينة الفسطاط أولي المدن التي بنيت في مصر عقب الفتح الإسلامي لها كما تم العثور علي أثار تمثل الان جزءا من العرض الأثري الخارجي للمتحف وهي مصبغة أثرية من العصر الإسلامي.
مكونات المتحف
يتكون المتحف من مبني الاستقبال وقاعات المتحف واثنين من الجراجات احدهما للحافلات والآخر للسيارات واللاندسكيب الذي يجعل للمتحف رؤية جمالية ومكانا مكشوفا يمكن ان تري القلعة والآثار الإسلامية والاهرامات من علي بعد. ويضم مبني الاستقبال ثلاثة ادوار ويضم الدور الأول مركزا تجاريا به 38 محلا ودارا للسينما تسع 332 مقعدا , وفي الدور الثاني قاعة للمحاضرات تسع 200 مقعد وقاعة كبيرة للمؤتمرات وخمسة فصول تعليمية للأطفال ومطعما وكافيتريا , ويضم الدور الثالث مسرح به 500 مقعد ومطعم للوجبات الخفيفة ومتجرا لبيع الهدايا التذكارية ومركز للاستعلامات وجناحا لكبار الزوار وكتبا لبيع تذاكر دخول المتحف ويتكون مبني المتحف من البدروم والدور الأول الذي يضم المباني الخدمية المتحفية والدور الثالث الذي يضم قاعات المتحف , ويضم البدروم مخازن الآثار المصممة علي احد الطرز العالمية في تخزين الآثار بأسلوب علمي ومزودة بنظم التحكم في درجات الحرارة والرطوبة ومزودة بأحدث النظم الالكترونية في التأمين ومكافحة الحريق , والجميل ان طرق الإطفاء منوعة بتنوع مادة الأثر حيث يستخدم الإطفاء بالضباب المائي للآثار غير العضوية وغاز الانرجين المخمد للآثار العضوية وهي طرق لا تؤثر علي الآثار , وخصصت مخازن بأنواع الأثر أي مخازن للمومياوات وخازن للحلي والمجوهرات ومخازن للآثار الخشبية ومخازن للآثار الحجرية , كما يوجد في البدروم مخازن للصيانة وورش العمل والتي أقيمت لتكون مركزا للتدريب علي الصيانة والترميم في مصر وأفريقيا والشرق الأوسط , كما يضم أيضا مركزا للطبعة والنشر والذي يلحق به مطبعة بأحدث تقنيات الطباعة , واستوديو لتصوير الآثار , وورش تجهيز وإعداد العرض المتحفي
لأول مرة.. منطقة لاستقبال الآثار
وفي الدور الأول يوجد المباني الخدمية في المتحف وبه لأول مرة في مصر منطقة استقبال الآثار وهي المنطقة التي تحكم دخول الآثار إلي قاعات المتحف ويتم بها التغليف وفض تغليف الأثر وتسجيله وتصويره وتبخير وتعقيم الآثار العضوية المصابة بالحشرات والبكتريا , ويضم الدور الأول المركز الدولي للتدريب وهو الذي يدرب الأثريين علي الترميم والصيانة وعلوم المتاحف , كما يضم هذا الدور مركز التوثيق الأثري والمعلومات , وأيضا إدارة المتحف وكاتب الأمناء.
عرض المنجزات الحضارية المصرية
ويضم الدور الثاني صالات العرض المتحفي الدائم والمؤقت , وينقسم سيناريو العرض المتحفي إلي ثلاثة أقسام , يقع القسم الأول في قلب المتحف وتضم القطع الأثرية التي تبرز أهم إنجازات الحضارة المصرية زمنيا من خلال العصور الثمانية وهي عصر ما قبل التاريخ والعصر العتيق والعصر الفرعوني والعصر اليوناني الروماني والعصر القبطي والعصر الإسلامي والعصر الحديث والعصر المعاصر , ويضم القسم الثاني من سيناريو العرض المتحفي الموضوعات الستة : فجر الحضارة , و النيل , و الكتابة والعلوم , والثقافة المادية , الدولة والمجتمع , العقائد والفكر , ويضم القسم الثالث من سيناريو العرض المتحفي عرضى لمومياوات ملوك وملكات مصر بطريقة تليق بمكانتهم.
متحف يتحدى الزمن والروتين
بدأ الإعداد لهذا المتحف منذ عام 1980 , وتعرض المتحف طوال 34 سنة لهزات الزمن والروتين والبيروقراطية ولكن المتحف تحدي كل هذه العراقيل ويستعد المتحف هذه الأيام لاستكمال أعمال المرحلة الثانية والتي لم يتبق علي الانتهاء منها سوي 30 % , ولولا ضغط القيادة السياسية الرئاسية ورئاسة الوزراء لتعرض المتحف لنكسة أخري وظل حبيس الروتين , ويضغط الدكتور ممدوح الدماطي وزير الآثار للانتهاء من المرحلة الثانية بين ثلاثة اشهر وستة اشهر , واستطاع الدكتور الدماطي علي القضاء علي العراقيل التي تواجه المتحف , ومن المتوقع بين لحظة وأخري زيارة رئيس الوزراء للتأكد من تنفيذ أوامر الرئاسة في سرعة افتتاح المتحف خلال الأشهر القادمة وهو ما يحلم به العاملون في متحف الحضارة الذين كادوا ان ينتقلوا من المتحف بعد أن هزتهم النكسات التي أصابت هذا المتحف. مدير عام صندوق إنقاذ أثار النوبة