ظاهرة أطفال الشوارع تعد فى الحقيقة ظاهرة حديثة، بدأت منذ حوالى النصف الثانى من القرن العشرين. كانت هناك أسباب عديدة لاستفحالها بين العديد من دول العالم نذكر منها : الزيادة السكانية الهائلة التى طرأت على المجتمعات نتيجة الانتقال من عصر الزراعة إلى عصر الصناعة، فضلاً عن تقدم وسائل الرعاية الصحية و العلاجية، وتطور سبل الحياة الحديثة ، فكانت هذه الزيادة السكانية الهائلة و المفاجئة أيضاً خلال القرون الثلاثة الماضية ( من نصف مليار إلى ستة مليارات)، وهذه الزيادة السكانية بدورها نتجت عنها مشاكل أخرى كثيرة مثل مشكلة البطالة، والتكدس السكانى ، وأزمة السكن، إلخ. وحينما نتأمل ملياً حال هؤلاء الأطفال المساكين الذين يعيشون طفولة بائسة بين الطرقات والأرصفة ، يتسولون، يبحثون عن لقمة تسد رمقهم، يرتدون أسمال الثياب، لابد وأن نشعر بمدى الظلم الفادح والمعاناة الهائلة التى تقع على نفوسهم الصغيرة الضائعة.. فهم ضحايا لذنوب لم يقترفوها.. وهم نتاج لوضع مجتمعى ظالم لم يلتفت إليهم، ولم يعر أزماتهم اهتماماً. لم يحظ هؤلاء الأطفال بأى رعاية حقيقية من المجتمع اللهم إلا مصمصة الشفا] وبعض الصدقات من هنا وهناك. ضحايا .. بلا حلم .. بلا أمل .. لديهم وعى باطنى بأن حياتهم ضائعة .. ربما لهذه الأسباب تحديداً يلقون بأنفسهم فى التهلكة بجسارة، بقلب لا يعرف الخوف، فليس هناك ما يحرصون عليه، وحياتهم هالكة هالكة. بوابات الانحراف مفتوحة على مصراعيها أمام عيونهم ونفوسهم الصغيرة ( مخدرات، سرقات، جرائم، اغتصاب، إلخ.) فماذا يهم حقاً؟ إن وضع أطفال الشوارع يعبر فى الحقيقة عن "الظلم الاجتماعى" فى أشد صوره، وهو يعكس معه على صعيد آخر فشل إدارة المجتمع (بامتياز) فى مختلف مناحى الحياة : فشل فى رعاية الأسرة، تراجع فى استيعاب المدرسة للصغار، نقص شديد فى توفير فرص عمل، وأخيراً وبصفة خاصة تخل عن تحقيق العدالة الاجتماعية. ربما تنبهنا هذه الظاهرة الخطيرة إلى ضرورة التغيير العاجل للتوجه السياسى والمجتمعى كخطوة أولى لمواجهتها. ونأتى الآن إلى السؤال الصعب: كيف يمكن علاج ظاهرة أطفال الشوارع؟ كيف يمكن أن نحد من خطورتها و تفاقمها وآثارها السلبية؟ العلاج هنا يأتى عبر ما يمكن أن نطلق عليه تعبير"الإصلاح"، والذى يتم من خلال مستويين: الأول إصلاح شامل ( اقتصادى، سياسى، جتماعى، حد أدنى للأجور، إعانات، تأمين صحى،إلخ) وهذا الإصلاح الشامل الطويل المدى يضمن معه عدم تضخم الظاهرة وتفاقمها وعدم ظهور متشردين جدد. اما المستوى الثانى فنعنى به حل مشكلة أطفال الشوارع الموجودين الآن أمام أعيننا، عن طريق تأهيلهم مهنياً، وتبنى نوع من سياسة "تمييز إيجابى" تتمثل فى إعطائهم الأولوية فى الحصول على عمل من أجل دمجهم اجتماعياً، وهى سياسة تعتمد على نوع من التعاون بين أطراف ثلاثة رئيسية فى المشكلة هى : الأسرة، الإخصائيون الاجتماعيون والأطفال الضحايا. نحن مدينون لأطفال الشوارع باعتذار على كل هذه الجرائم التى ارتكبناها فى حقهم.. ووعد بمحاولة حل مشكلاتهم وأزماتهم؛ وربما حينها فقط يمكن أن نطلب منهم الصفح والمغفرة.