مثلما أن المهرجانات الفنية فرصة للجماهير لحضور عدد كبير من العروض فى فترة قصيرة والاستفادة من مشاهدة العديد من الأعمال الفنية الجيدة المنتقاة، فالمهرجانات بالنسبة للفنان فرصة كبيرة للالتقاء بزملاء المهنة والرسالة الواحدة وتقييمه لنفسه قبل تقييم لجان التحكيم له فى ظل منافسة المبدعين الآخرين. ولعل من أروع فوائد المهرجانات وخاصة مهرجانات المسرح أو الفنون هى أن المشاهد يرى النجوم الكبار بشخصياتهم الحقيقية بعيدا عن الأدوار التى ربما ساهمت فى تشكيل صورتهم فى مخيلته وفى المهرجان القومى للمسرح المصرى كانت هناك لحظات إنسانية خاصة غير خاضعة لنص مكتوب وإنما لمشاعر طبيعية خرجت فى بساطة وصدق على خشبة المسرح وألهبت مشاعر الحاضرين لعل من أهمها لحظة تسلم الفنانة القديرة عايدة عبدالعزيز لدرع تكريم زوجها المخرج الراحل أحمد عبدالحليم الذى كان آية فى الذوق والتواضع وكرم الأخلاق، بالإضافة إلى كونه مخرجا عبقريا يكفى أن نذكر من أعماله الملك لير لشكسبير والتى قدمها النجم يحيى الفخرانى على خشبة المسرح القومى ولاقت نجاحا غير مسبوق. عرفت د. أحمد عبدالحليم عن قرب وكان لى شرف اتصاله بى قبل سفره الأخير للعلاج ليطمئن على أحوال تلميذه صاحب هذه السطور ولم تتمالك الفنانة الكبيرة عايدة عبدالعزيز نفسها من البكاء على خشبة المسرح وأسرعت اليها زميلة العمر سيدة المسرح المصرى سميحة أيوب لتحتضنها وتخفى دموعها فى صدرها وتقدم للأجيال الجديدة من الفنانين درسا فى التآخى الإنسانى والمشاركة الصادقة بين أبناء المهنة الواحدة برغم الحرص على المنافسة والتفوق. واللحظة الثانية جمعت بين النجمة الشابة الموهوبة حنان مطاوع التى كانت تقدم حفل الافتتاح وبين والدتها الفنانة القديرة سهير المرشدى حيث حرصت الأم عند صعودها إلى خشبة المسرح وقبل مصافحة وزير الثقافة أن تحتضن ابنتها والتى سارعت بعفوية وبساطة إلى تقبيل يد أمها وهى تهنئها على التكريم بفرحة طفولية وسط تأثر الحاضرين بهذا الوفاء والعرفان بالجميل من الابنة وتلك الأمومة الطاغية من النجمة الكبيرة . لحظة ثالثة يصعب نسيانها كانت هذه المرة على خشبة المسرح الجامعى حيث قدم الفنان خالد جلال صورة قديمة لشابة صغيرة فى الثامنة عشرة تصافح الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قائلا : هذه الصورة التقطت فى عيد العلم حيث كرم الزعيم عبدالناصر الطالبة الفائزة بجائزة أحسن ممثلة فى المسرح الجامعى وقتها وكانت هى النجمة سميرة عبدالعزيز وأتركها لتحكى لكم قصة الصورة وبصوتها الهادئ الحنون روت الفنانة كيف كان والدها يعترض على فكرة اتجاهها لفن التمثيل وقبل على مضض أن تشارك فى مسابقة التمثيل بالجامعة على أن تتوقف بعدها عن ذكر موضوع الفن وعندما فوجىء برؤية رئيس الجمهورية يصافح ابنته ويكرمها أدرك قيمة ودور الفن فى بناء المجتمع واهتمام الدولة به ووافق على أن تسافر ابنته وتلتحق بمعهد التمثيل وتحترف هذه المهنة السامية وهو يسير فى عمله وبين أصدقائه يحمل صورة ابنته النابغة مع زعيم الأمة ثم يتأمل فى الصورة قليلا يسألها: هو كان بيقول لك أيه ؟ فترد : كنت مبهورة ونسيت أن ارفع الكأس إلى أعلى فقال لى: ارفعى الكأس يا سميرة وحيى الجمهور.