هذا الموسيقى النابغة الذى أكتب عنه .. ربما لا يكون معروفاً للعامة فى الشرق الأوسط.. رغم أنه شخصية موسيقية عالمية على أرقى مستوى .. يعرفه كل موسيقى دارس للموسيقى العالمية. ويعرفه أيضاً كل قائد أوركتسرا محترف.. وكل من عزف الكمان.. وبالطبع تعرفه القارة الأوربية بأكملها فقد اشتهر أكثر بصعوبة مؤلفاته الموسيقية لأنها تحتاج إلى تقنية عالية المستوى هذا بالإضافة إلى الكثير من ساعات التدريب. بمعنى أن ليس كل من يجيد العزف على الكمان يستطيع قراءة موسيقى بجانينى.. لكن فى الواقع هذا المؤلف الموسيقى اللامع قد دخل التاريخ أكثر من مرة سواء بتأليفه الموسيقى الأخاذ أو نجاحه فى تطوير الأداء الموسيقى بشكل يدعو للإعجاب والدهشة.. وذلك بالإضافة إلى أدائه الممتع.. ومن الجدير بالذكر أن أى عازف كمان فى العالم .. يبلغ درجة الكمال فى العزف عندما يقدم أحد أعمال بجانينى .. فجميع أعماله تتسم بالجمال والجاذبية والصعوبة فى نفس الوقت.. ويعتبر نيكولاى بجانينى 1782- 1840 من كبار أعمدة الموسيقى العالمية فى العالم كان والده يعمل موظفاً فى الشحن البحرى بمدينة جنوا الإيطالية.. ولاحظ إهتمام نيكولاى بحبه للموسيقى.. لكنه كان قد بدأ العزف فى البداية على المندولين والجيتار.. ثم عشق الكمان وبدأ يدرس العزف عليها باهتمام ونشاط ملحوظ.. ثم قدمت له الكنيسة الرعاية فى مدينة جنوا.. فقامت بتقديمه كعازف فى الحفلات الرسمية.. وبدأ أسمه يلمع فى المجتمع الإيطالي.. وبدأ بجانينى يدرس التأليف الموسيقى للكمان، ثم واصل دراسته مع أساتذة متخصصين ثم بدأ يطور الأداء الموسيقى على الكمان بموهبة قلما يجود الزمان بمثلها.. فقام بتأليف ستة كونشرتات للكمان والتى تعتبر حتى اليوم قمة فى الأداء وغاية فى الجمال الرومانسى والصعوبة.. كما أنه تخصص فى تأليف الموسيقى الرومانتيكية وأعجب بموسيقاه كبار المؤلفين الموسيقيين الذين عاصروه مثل «شوبان» و»برليوز» و»ليست» كما أنه نجح تماماً فى اثراء الموسيقى العالمية شكلا وموضوعا وحصل على كاريزما عالمية جعلته يقف شامخا فى عالم الموسيقى والجمال فقد أضاف الكثير من طرق الأداء والتأليف التى لم يسبقه إليها أى موسيقى ثم أصبح بتأليفه وعزفه على الكمان إسما مرموقا يستحق التقدير والإعجاب وقد برع فى العزف إلى هذه لدرجة أنه قام بتقليد أصوات الطيور المختلفة على الكمان ثم قام بجولة فى القارة الأوروبية وقدم فيها مؤلفاته وعزفه فنالت استحسان جماهير القارة الأوروبية الذواقة.. فحصل على شعبية جارفة وحقق نجاحاً فنيا غير مسبوق وأصبح كل من يعزف مؤلفات هذا العبقرى وكأنه يحمل وساما على صدره ويستحق التكريم والاحترام. وبعد أن أمتلك بجانينى أدوات الدراسة والفكر والموهبة والإبداع أصبحت جميع أعماله الموسيقية ذات قيمة، وقمة فى الجمال والإبداع. ثم يقول وليم شكسبير.. ان الإنسان الذى لا تستهويه الموسيقى ولا يتذوقها.. هو إنسان عديم المشاعر والأحاسيس.. تذكرت هذا القول الشهير لشكسبير عند استماعى واستمتاعى بموسيقى هذا الموسيقى الذى أحب الكمان والموسيقى كما لم يحبها أحد من قبله ولا من بعده.. استمع وهو طفل إلى والده أثناء عزفه الكمان فأحبها.. وأبحر فى دراستها.. وغاص عميقا فى التعرف على تفاصيل وأسرار هذه الآلة الموسيقية الغاية فى الروعة والجمال وأثبت بجانينى فعلاً.. ان الحب يصنع المعجزات فكان يشاهد والده يومياً يعزف على هذه الآلة الساحرة. فانبهر بها وأحبها وتعلم من والده كل تفاصيل التقنية.. ثم واصل دراسته الموسيقية على أيدى أساتذة تخصصوا فى العزف على الكمان لكن من الجدير بالذكر أنه عندما كان فى سن الثامنة من عمره كان يتدرب لمدة خمس عشرة ساعة يوميا ودون تعليمات من والده. أو الأساتذة.. وذلك لإشباع هوايته وحبه وعشقه لهذه الآلة حتى أصبح جزءاً منها وأصبحت جزءاً منه وعندما بلغ الثامنة عشرة من عمره. ذاع صيته وأصبح عازفا مرموقا معروفا فى الأوساط الإيطالية فطلبت منه أليسا باكيوشى أخت نابليون بونابرت أن يعزف فى قصرها فى الحفلات بصفة مستمرة فحصل على المزيد من النجاح الفنى وأصبح مطلبا لجميع دور الأوبرا فى القارة الأوربية.. أداؤه الفنى الذى لاقى استحساناً من جميع المثقفين والباحثين عن المتعة الثقافية والسمعية.. فأخذ «بجانينى» يسافر من مدينة إلى أخرى. حاملا كمانه ومؤلفاته التى نجحت نجاحا ملحوظاً فى الأوساط الأرستقراطية .. لدرجة أن أصبح له جمهوراً يسافر خلفه إلى كل مدينة أوروبية للتذوق والاستمتاع.. وعندما ازداد شهرة ازداد مالا.. فعكف على شراء عدة آلات كمان عالية القيمة .. لكنه بعد ذلك انزلق إلى لعب القمار وبدأ يخسر أمواله لدرجة أنه باع آلاته هذه. ثم حدث أن طلب منه أن يقدم حفلات موسيقية يقدم فيها مؤلفاته.. فذهب إلى أحد صانعى الكمان وطلب منه استعارة كمانه فأعطاه هذا الصانع الكمان صناعة ستراديفاريوس وهو نوع ذات قيمة أثرية عالية المستوى وقدم حفلا موسيقيا ناجحا كعادته ثم رفض هذا التاجر أن يحصل من بجانينى على كمانه ومنحه الكمان على اعتبار أنه هدية للفنان المرموق رغم ارتفاع قيمته وثمنه، ثم حدث أن زاره الموت فى مدينة نيس بفرنسا فى مايو سنة 1840 فرحل عن دنيانا تاركا ثروة موسيقية هائلة لا تقدر بثمن فترك لدور الأوبرا العالمية ثروة تستمتع بها الشعوب المثقفة الباحثة عن الجمال.