مع انتهاء الأسبوع الثانى من بدء الحفر فى مشروع قناة السويس الجديدة، ما زال العمل يجرى على قدم وساق، فهناك أكثر من 14 ألف عامل يقيمون على أرض المشروع، بين سائقين وفنيين وأطباء ومشرفين، جميعهم يبذل أقصى جهده، مع أول ضوء للشمس، ويتواصل العمل على الأضواء حتى الساعات الأولى من فجر اليوم التالي. إنهم جزء من كتيبة مصر الوطنية التى التفت حول هذا المشروع القومى لتحويله من الحلم إلى الحقيقة. على مسافة أمتار قليلة من المجرى الملاحى لقناة السويس الذى ارتوى قديما بعرق ودماء الأجداد، وفى العصر الحديث بدماء الشهداء فى ملحمة العبور العظيم فى السادس من أكتوبر العاشر من رمضان يوالى المصريون كتابة صفحات جديدة من التاريخ بأحرف من نور، ولكن هذه المرة بالعرق والكفاح والعمل المتواصل ليل نهار وسط ظروف بالغة القسوة والصعوبة فى عملية حفر قناة السويس الجديدة بطول 35 كيلو مترا. فبين ليلة أو ضحاها تحول السكون والهدوء، الذى يميز المنطقة إلى خلية نحل وعمل دءوب فعلى مدى البصر هناك سيارات تروح وتجيء، ولوادر تشق الأرض وتحمل الرمال، وسيارات تحملها إلى أماكن أحواض الترسيب، ودوريات مستمرة لرجال القوات المسلحة الأبطال لتأمين العاملين بالمشروع، وعيادات متنقلة وأطباء ينتظرون فى لهفة لتقديم الخدمات الطبية، وخيام متناثرة هنا وهناك يقضى فيها العاملون فترات الراحة. وسيارات إسعاف على أهبة الاستعداد، ومطاعم صغيرة فتحت أبواب الرزق أمام العاملين، وأشخاص قدموا من أقصى الصعيد بحثا عن فرصة عمل بالمشروع، وسيارات تابعة لجهاز الخدمة الوطنية للقوات المسلحة لتوفير الوقود لمعدات الحفر، ووفود تروح وأخرى تغادر الموقع لتسجيل هذه اللحظات التاريخية التى تعد بحق العبور الثانى بعد عبور النصر العظيم فى عام 1973. وبجوار المنصة التى أطلق منها الرئيس عبدالفتاح السيسى إشارة بدء حفر القناة الجديدة لاحظت «الأهرام» قيام 5 أشخاص افترشوا الأرض بين النوم واليقظة، واعتقدت فى البداية أنهم من العاملين بالمشروع، ولكن تبين أنهم قادمون من أقصى الصعيد للمساهمة ولو بقليل بجهدهم وعرقهم فى انجاز هذا المشروع الضخم. يقول أحدهم ويدعى شاكر حسين محمود من محافظة سوهاج: سمعنا فى أجهزة الإعلام عن المشروع الجديد، وأنا ابحث عن أى عمل فى المشروع حتى ولو فتحنا كنتين أو مطعما صغيرا لتوفير الغذاء للعاملين، فقد انقطعت سبل العمل بعد عودتى من ليبيا منذ شهرين بسبب أحداث العنف الجارية هناك وأنا فى انتظار مسئول القوات المسلحة لتوفير فرصة عمل. ويلتقط طرف الحديث ابن عمه إبراهيم أحمد محمود ويقول كنت أعمل سائقا فى ليبيا حتى وقعت الأحداث الأخيرة، كما لا توجد فرص عمل فى الصعيد وعندما سمعت الرئيس عبدالفتاح السيسى يتحدث عن المشروع قدمت إلى موقع العمل بحثا عن فرصة وأنا على استعداد للعمل فى أى نوع من العمل. خلال 6 أشهر وعلى مسافة قريبة من أحد مواقع الحفر استوقفنى وجود مقاول يتحدث إلى مجموعة من العاملين، ولاحظت الروح المعنوية العالية التى تسود الجميع بالرغم من حرارة الجو الشديدة والرطوبة الخانقة، يقول: اسمى محمد إبراهيم الدسوقى مقاول يتبع إحدى الشركات العاملة بالمشروع التى حصلت على مسافة 900 متر فى الحفر، ويشير إلى أن الحفر لا يتم بالوصول إلى العمق ومرة واحدة، ولكن يتم بصورة تدريجية حتى لا تنهار الرمال. ويوضح يتم الحفر فى مسافة 300 متر ثم ننتقل إلى 300 متر أخري، ومن الممكن الانتهاء من انجاز الحفر فى الموقع خلال 6 أشهر حيث يعمل 24 لودار و50 سيارة تابعين له. ويضيف أن القوات المسلحة تقوم الآن بتوفير الوقود فى مواقع العمل من خلال الخزانات، كما نعتمد على إضاءة اللوادر والسيارات أثناء العمل، ونعمل على مدار اليوم والليلة فى ثلاث ورديات الفارق بين الوردية والأخرى ساعة فقط، ويؤكد لا توجد صعوبات فى العمل فالأمور مستقرة، وهناك سوبر ماركت متنقل يضم جميع الاحتياجات، وسيارات مياه تنتقل بين العاملين فى المشروع وكذا هناك دورات مياه متنقلة. ويعرب المقاول عن أمله فى إنهاء المهمة فى الوقت المحدد. وهربا من الحر الشديد جلس بعض الأشخاص أسفل المظلة الخاصة بالمنصة اقتربنا منهم، فقالوا بكل معانى ومشاعر الفخر، نحن أول أطباء نزلوا إلى المشروع واستجابوا لدعوات المشروع العظيم بالرغم من الظروف الصعبة ونقص الامكانات فى مواقع العمل. يقول الدكتور محمد حسن سليط إخصائى باطنة، أعمل فى مديرية الصحة بالدقهلية، وجئت إلى المشروع ضمن القوافل الطبية والرعاية الصحية العاجلة التابعة لوزارة الصحة، ويشير إلى أنه بعد خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسى اتصلوا بنا، وقالوا إن هناك قافلة طبية من القاهرة ستتوجه إلى المشروع، فلبينا النداء على الفور وقدمنا إلى موقع العمل فى نفس اليوم. ويؤكد أنه بالرغم من عدم التعود على ظروف العمل فى الصحراء إلا أننا نسينا جميع أنواع التعب. ويلتقط طرف الحديث الدكتور أسامة الغندور من محافظة الدقهلية ويعمل استشارى جراحة، قائلا: إننا نشعر بالشرف والفخر بالرغم من عدم تعودنا على العمل الميدانى والعيش فى الجبل والصحراء، حيث يتم العمل بأيادى مصرية وبشركات وطنية لا قدم فيها للعمالة أو الشركات الأجنبية، ويضيف أننا فى طريقنا لعمل إعاشة كاملة فى المشروع.