يستعد المجتمع المصرى لانتخابات مجلس النواب المقبلة، وتعتبر هذه الانتخابات حجر الزاوية فى مستقبل التحول الديمقراطى فى مصر، لأنه يتوقف على نتائجها تشكيل السلطة التشريعية المنوط بها ترجمة مواد الدستور الجديد ومبادئه إلى نصوص قانونية تحكم العلاقات فى المجتمع بين المواطن والدولة ، وبين سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية، وهى المسئولة أيضاً عن تعديل القوانين القائمة بما يتفق مع طموح المصريين إلى إقامة دولة ديمقراطية حديثة يتمتع فى ظلها المواطنون بحقوقهم وحرياتهم الأساسية ، فضلاً عن قيامها بمراقبة أداء الأجهزة التنفيذية ومحاسبتها بما فى ذلك إمكانية سحب الثقة من الحكومة. من هنا حرص القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدنى وسائر المصريين على أن تكون إنتخابات مجلس النواب المقبل حرة ونزيهة. فهل يتحقق هذا الأمل؟ وهل تنجح القوى الديمقراطية فى إحاطة الإنتخابات المقبلة بكل ضمانات الحرية والنزاهة؟. الحقيقة أن نضال القوى الديمقراطية فى مصر من أجل ضمان حرية ونزاهة الانتخابات لا يبدأ اليوم ولكنه بدأ مع عودة التعددية الحزبية سنة 1976، حيث بدأت المطالبة بتوفير الضمانات الكافية لنزاهة الانتخابات، وتوحدت كلمة الأحزاب السياسية ومواقفها حول هذا الهدف على امتداد خمسة وثلاثين عاماً إلى أن قامت ثورة 25 يناير سنة 2011 ونجحت القوى الديمقراطية عبر هذه المسيرة النضالية فى توفير ضمانات نزاهة الإنتخابات، وتم بالفعل تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية أكثر من مرة رغم عناد السلطة وإصرارها على عدم التجاوب مع مطالب تعديل القانون حرصاً منها على ضمان سيطرة السلطة التنفيذية على العملية الانتخابية واستمرار العوامل التى تساعد على تزوير الانتخابات. ويمكن القول الآن إنه يصعب تزوير الانتخابات بفضل الضمانات التى توافرت والتى جاءت تحت ضغوط القوى الديمقراطية وفى مقدمتها : إجراء الانتخابات تحت إشراف قضائي بالكامل ولجنة عليا قضائية مستقلة بدلاً من إشراف وزارة الداخلية التى كانت تتولى إدارة الإنتخابات فى كل مراحلها ابتداء من تقسيم الدوائر وإعداد جداول الناخبين إلى مراقبة عملية الدعاية الانتخابية والإشراف على التصويت والفرز وإعلان النتائج . إعداد جداول الناخبين تحت إشراف اللجنة العليا من واقع بيانات الرقم القومى بما يضمن عدم تكرار الأسماء أو إدراج أسماء المتوفين والمجندين والمهاجرين التى كانت تفتح الباب لتسديد أصوات الغائبين بواسطة مندوبى الحزب الحاكم . توقيع الناخب باسمه أو ببصمته فى كشوف الناخبين وغمس إصبعه فى حبر فوسفورى لايزول إلا بعد 24 ساعة مما يمنع تكرار التصويت. فرز بطاقات الانتخاب فى اللجنة الفرعية بدلاً من نقل صناديق الانتخاب إلى اللجنة العامة وذلك بحضور مندوبى المرشحين ومنظمات المجتمع المدنى للانتخابات وإعلان نتيجة فرز الصناديق فى اللجنة الفرعية وتسلم مندوبى المرشحين نسخة من النتيجة . مراقبة منظمات المجتمع المدنى للإنتخابات داخل وخارج لجان التصويت ومتابعة وسائل الإعلام أيضاً داخل وخارج اللجان . وبهذه الإجراءات أصبح من المتعذر التزوير. ورغم ما توافر من ضمانات لنزاهة الانتخابات فإن ذلك لا يضمن أن تكون الانتخابات معبرة بحق عن إرادة الشعب المصرى، أو ممثلة بحق لكل فئات الشعب المصرى. ذلك أن النظام الانتخابى القائم على القوائم المطلقة مع الانتخاب الفردى ل 77% من مقاعد المجلس ،هو نظام منحاز بشدة للأغنياء والقادرين مادياً ويحرم العمال والفلاحين والأقباط والشباب والنساء والأحزاب التى تدافع عن الفقراء من الفوز فى هذه الانتخابات التى تتطلب إنفاقاً مالياً هائلاً. كما أن أصحاب المصالح من أغنياء الريف ورجال الأعمال سوف يشاركون بشراسة فى هذه الانتخابات لضمان مصالحهم ولن تكون المنافسة الانتخابية عادلة فى ظل هذا التفاوت فى القدرات المالية أو النفوذ الاجتماعية، وهو ما يشكل خطراً على مستقبل التحول الديمقراطى فى مصر لأن المجلس الجديد لن يكون معبراً عن الخريطة السياسية والفئات الإجتماعية بشكل كامل، وسوف يغلب الطابع الفردى على تشكيل المجلس على حساب الطابع السياسى بما يؤدى إلى أن يكون هذا المجلس مسايراً للسلطة التنفيذية، وعاجزاً عن محاسبة الحكومة كما أن هذا المجلس بتكوينه الطبقى المتوقع لن يدافع عن مصالح الكادحين وسيقوم بمهمته التشريعية بعيداً عن هذه المصالح وهو ما يشكل خطراً ليس فقط على التحول الديمقراطى بل أيضاً استقرار المجتمع وهو ما يدعو المسئولين فى البلاد إلى إعادة النظر فى النظام الانتخابى ليقوم على القائمة النسبية فى نصف المقاعد على الأقل بما يسمح بوجود تنوع سياسى فى المجلس وفوز ممثلين للطبقات الكادحة والفئات الضعيفة خاصة أن النسبة المخصصة للنساء والشباب والأقباط والعمال والفلاحين لا تتناسب بالمرة مع حجم هذه الفئات فى المجتمع . كما أنه يلزم وضع ضوابط صارمة للإنفاق المالى فى الانتخابات بما يضمن منافسة متكافئة بين المرشحين . لمزيد من مقالات عبدالغفار شكر