فنجان قهوة بمذاق الحب في كل صباح، هناك فنجان قهوة.. باكرا، يستودعه الناس أسرارهم وأمنياتهم ليوم جديد.. وطويل..يرسم فى قاعه خطوط أيامهم.. يحصر بين جنباته محيط أسرارهم.. البعض يطيل فيه النظر ويتأمله، فتطل منه الخيالات.. رائحة البن الساخنة المتصاعدة منه تذيب الهموم تماما، لتجد نفسك مدين بالشكر إلى مكتشف شجر القهوة. هذا العبقرى الذى تحكى الأسطورة انه فى زمن بعيد لاحظ راعى ماعز حبشى - اسمه كلدي- أن ماشيته تصبح أكثر نشاطا وحيوية عندما تأكل من نوع معين من الأشجار البرّية فكان ذلك الاكتشاف الأول لثمار شجرة البن. أجمل الأوقات تلك التى نمضيها حول فنجان القهوة فى «مقهى الفيشاوى».. تزول مرارة البن بصحبة الناس الطيبة.. من يمتلكون قلوبا نقية بلون الحليب.. ناس صحبتهم أحلى من السكر. واجهة أنيقة.. دهليز طويل تزينه المرايا ذات الأطر الذهبية.. طاولات نحاسية وكراسى خشبية.. يمر النادل بين زحام زبائن المقهى، حاملا أكواب الشاى بالنعناع، والكركديه، واليانسون.. يتحرك بين كتلة البشر بخفة ورشاقة متناهية كأنه يرقص فالسا رائعا من مؤلفات تشايكوفسكي. لا يخلو المقهى من الباعة الجائلين ببضائعهم من كل لون.. كما ينتشر حاملو المباخر بوجوههم السمحة ليباركوا المكان ويشيعوا فيه عطر البخور الفوّاح..أما قارئة الطالع وبائعة الحنّة، فإن جمهورهن فى الغالب من الفتيات.. يجلسن فى الركن بعيدا عن الأعين يستمعن إلى التنبؤات والتحذيرات من الآت.. الأحاديث والضحكات لا تتوقف.. أحاديث ودّ وضحكات من القلب. «مقهى الفيشاوى»، ارتاده - فى السابق- القائد الفرنسى «نابليون بونابرت»، والملك فاروق، والرئيسان الجزائريان أحمد بن بيلا وهوارى بومدين، وغيرهم من الزعماء.. وقد ذاع صيته بعد أن أصبح المكان المفضل للأديب الكبير نجيب محفوظ، والذى كتب منه الثلاثية الخالدة: (بين القصرين)، و(قصر الشوق)، و(السكرية). وهو حاليا محطة أساسية يتردد عليها الأشقاء العرب طلية العام، خاصة فى شهر رمضان ليتنسموا فيه عبق التاريخ وسحر الشرق.. على أنغام موسيقى هواة العازفين على العود والناى.. سهرة حب وطرب تمتد حتى منتصف الليل.