جاءنى صوتها مفعما بالحزن والأسى مرة.. وثائرا هادرا كموجات فيضان إعصار تسونامى مرات من وراء البحر والمحيط فى لوس انجليس حيث تعيش مع أسرتها.. إنها المفكرة العربية ذات الأصول الفلسطينية ناهد شمعون والمذيعة الشهيرة فى المحطات التليفزيونية فى الغرب الأمريكى: لا أعرف ماذا أقول لك؟ وماذا أقول لمصر؟ وماذا أقول لكل المصريين؟.. إننى أجلس الآن مع جمع من سيدات العرب بينهن مصريات وفلسطينيات وسوريات وتونسيات وعراقيات.. وكلهن ليس على لسانهن إلا سؤال واحد.. هل تسمح لى بأن أوجهه إليك ياسمهن؟ قلت: تفضلى يا ذات العقل والرشاد والإجلال؟ قالت: ألست معى فى أن الخريطة العربية.. معظم أركانها إن لم تكن كلها ملطخة بالدماء الآن.. دماء المعارك والانفجارات.. فى غزة دم الأطفال يلطخ بالحزن كله وبالألم كله جبين الأمة العربية.. وفى العراق عفريت خرج من قمقم الإرهاب اسمه داعش أو ماعش.. وفى ليبيا شياطين ومردة.. لا أحد يعرف من أين جاءت.. وماذا تريد؟ حولت هذا البلد الأمن إلى كتلة من الدمار والانفجارات والموت الخفى الجالس خلف الجدار.. وفى سوريا الموت والدمار والهروب من الفوضى وشعب بحاله يعيش الآن خلف أسوار معسكرات التهجير فى كل بلدان الأرض.. وأنتم أنفسكم أيها المصريون أعلنتم الحداد على أرواح شهداء الربع الخالى من الصحراء الغربية.. الذين سقطت عليهم من خالق يد الإرهاب الأسود.. فأسالت دم خمسة وعشرين من خيرة شباب القوات المسلحة وهم يستعدون للإفطار بعد يوم صيام حار قائظ.. وألغى رئيسكم الموقر الحزين رحلته إلى الولاياتالمتحدة لحضور قمة إفريقيا أمريكا.. ليبقى فى بلده التى تعيش حالة حداد على شبابها.. قلت مقاطعا: ماذا تريدين بعد هذه المقدمة الطويلة التى تقطر حزنا وألما وسوادا؟ قالت: وسط كل هذا السواد ووسط كل هذا الحزن، ووسط كل هذه الدموع.. يرقص تليفزيونكم المصرى الجميل ويغنى.. بل ويخلع عباءة العقل والحشمة والأدب ويضيع فى مسلسلات قبيحة وقحة.. لا أحد يعرف هل تم تصويرها حقا فى غرف النوم.. وبيوت الآداب، أو فى صالات العربدة والرقص الخليع التى تتردد فيها العبارات التى تكشف العورات وما تحت الثياب. تبتلع ريقها ثم تتابع قذائف هجومها: من الذى سمح بأن تهان المرأة المصرية التى تكافح من أجل لقمة عيشها وبيتها وتربى أولادها على الدين والخلق الكريم.. كما نعرفها دائما. بأن تتحول إلى جارية فى سوق النخاسة تباع وتشترى.. وسلعة رخيصة فى سوق الرقيق..؟ أسألها وأنا أعرف ماذا تقصد وماذا تعنى: عمن تتكلمين يا سيدتى؟ قالت: عن مسيرة المرأة المصرية فى مسلسلات التليفزيون المصرى التى نحن نعرفها جيدا تبيع أى شىء من أجل لقمة عيشها إلا شرفها.. لقد تحولت فى المسلسلات الرمضانية وضع تحت الرمضانية هذه ألف خط أحمر وأسود إلى سلعة رخيصة فى بيوت الدعارة.. وأين؟ فى التليفزيون المصرى.. ومتى؟ فى الشهر الفضيل.. وفى أى أيام؟ أيام الحداد على شهداء مصر وشهداء غزة.. ادينى عقلك بقى؟ ..................... ..................... لم تمهلنى الكاتبة والمذيعة العربية فى قنوات محطات الغرب الأمريكى.. لكى أرد عليها أو حتى أنطلق ولو بكلمة واحدة تعقيبا على هذا الهجوم برشاشات حريمى من فم عربى أنثوى يتألم.. وتابعت طلقات اسهامها اسمح لى أن أترك صديقتى التى تعيش فى» لوس أنجليس مع أسرتها التى هاجرت من مصر فى الخمسينيات بعد أن أممت الثورة أراضى أسرتها وأملاكها.. معك الآن السيدة مادلين نيقولياوس وهى مصرية حتى النخاع.. أرجوك ارفع صوتك عندما تكلمها لأن سمعها على قدها.. السيدة مادلين تتكلم: أى إهانة تلك التى توجهها المحطات التليفزيونية المصرية.. ومن هو هذا المؤلف العبقرى الذى أراد بالمرأة المصرية شرا مستطيرا.. أريد أن أسأل السادة المسئولين عن الرقابة فى مصر: ما هو الهدف من أحداث مسلسل تليفزيونى فى شهر العبادة.. شهر التقوى والصلوات يبيع فيه الأب شرف ابنته وتتسول المرأة وتتاجر بثدييها وجسدها كله.. وسط أحط الألفاظ وبذىء النداءات.. وكأننا فى خمارة القط الأسود فى ليالى ألف ليلة وليله.. لا الدين الإسلامى التى تدين به مصر يسمح بهذه العربدة التليفزيونية، ولا الدين المسيحى ولا حتى ديانة العم بوذا نفسه.. أتكلم لأول مرة: إنها المحطات التليفزيونية الخاصة يا سيدتى التى صرفت الملايين ودفعت لكل ممثل وممثلة ما بين عشرة ملايين وعشرين وثلاثين مليونا.. اسألوا ممثلات السينما الصف الأول اللاتى تحولن إلى مسلسلات التليفزيون لأنها أكثر ربحا وتدخل كل البيوت حتى مخادع نوم بناتنا ونسائنا.. ويحصلن فى آخر الشهر الكريم على ملايين الجنيهات.. ترى كم تناولت يسرا وغادة عبدالرازق وإلهام شاهين وليلى علوى أجرا خارج حسابات الضرائب وعيون الدولة فى الشهر الكريم؟ تقاطعنى المفكرة العربية: نحن نعرف كل الأرقام وكل الحقائق عندنا كشف بها.. هل تريد أن أقرأها عليك؟ قلت: كفى يا سيدتى.. حتى لا يصاب الشباب المصرى العاطل حتى الآن نحو 13 مليونا حسب آخر الإحصائيات بصدمة عصبية لهم أو سكتة قلبية لأهاليهم.. كفاية عليهم وعلى أسرهم «الهم المم».. أقصد تدبير لقمة العيش الشريف العفيف.. والبعد عن سكك البلطجة والإدمان والسرقة والشىء البطال! ...................... ...................... المفكرة العربية مازالت ثائرة منفعلة صوتها يدوى فى أذنى عبر البحر والمحيط: أريد أن أسأل هذا العبقرى الذى يمسك بين يديه مقص الرقيب على الأعراض والأخلاق الذى أجاز مسلسلا تليفزيونيا تظهر فيه امرأة ترتدى الحجاب تذهب بكامل إرادتها إلى بيت من بيوت الدعارة.. وتخلع ثيابها قطعة بعد قطعة أمام أعين المتفرجين وتمسك بيدها زجاجة خمر وهات يا رقص.. وهات يا عربدة.. وهات يا قلة أدب.. وعلى فكرة لقد كتب زميلكم فاروق جويدة عن هذه الواقعة الوقحة عندكم فى الأهرام.. لماذا سمح هذا العبقرى الذى يمسك مقص الرقيب بمرور هذا المشهد المخزى حتى غرف نوم البنات والنساء فى مصر؟ هذا يا سيدى مجرد مثال لمشاهد العار والخزى وقلة الأدب على شاشات قنواتكم المصرية فى الشهر الكريم وفى أيام حداد على شهداء مصر والأمة العربية! .قلت لها: لا يوجد يا سيدتى للأسف قانون يحاسبه.. الضمير هنا هو الرقيب الأول.. ياسيدتى.. إنهم فى روسيا بلد عمنا بوتن.. منعوا الألفاظ الخارجة والمشاهد الخارجة عن القانون والعرف التى تخدش الحياء من الأفلام والمسلسلات والمسرحيات.. أما نحن فعليه العوض ومنه العوض! .................... .................... تسألنى فجأة المفكرة العربية: يا سيدى الفاضل كل رفيقاتى فى الأستوديو الآن هن السيدات الفضليات يسألن سؤالا واحدا: أليس أحق بهذه المليارات التى تهدر من أجل فن قبيح يسىء أكثر مما يفيد ويلوث شرف المرأة المصرية التى نعرفها جيدا التى قال فيها الشاعر العربى: تجوع ولا تأكل بثديها أبدا.. أليس أحق بهذه المليارات المهدرة فى الشهر الفضيل وأبواب عيد الفطر يطرق الأبواب.. أسر الشهداء + أطفال الشوارع + أهالى العشوائيات الذين يعيشون ليلهم على الطوى والجوع والخوف + الشباب العاطل الذى يبحث عن لقمة عيش شريفة. إنها بحق يا سيدى صفحة سوداء فى تاريخ الفن المصرى الشامخ العظيم! أريد منك يا سيدى أن تستمع إلى هذه الأم السورية التى فقدت بيتها وأسرتها كلها فى الحرب العبثية التى تجرى فى سوريا الحبيبة الآن.. الأم السورية تتكلم: يا سيدى لماذا لا يتبرع هؤلاء الفنانون العظام والفنانات الأكثر عظمة.. لمصر فى محنتها الآن؟ لماذا لا يتبرع كل الفنانين والفنانات العرب لمصلحة شعب بحاله قد تم تشريده من دياره وهو الشعب السورى، كما فعلت الفنانة الأمريكية أنجلينا جولى التى زارت معسكرات اللاجئين السوريين فى الأردن. ولبنان. وهو ما لم يفعله فنان ولا فنانة مصرية أو عربية حتى الآن؟ أسمع صوتا لا أعرف مصدره لسيدة تقول: يا سيدى دول مشغولين لشوشتهم فى جمع الملايين على حساب شهر الصوم والفضيلة، وعلى حساب الشهداء واليتامى فى غزة وفى جنوب مصر! أسأل المفكرة العربية ناهد شمعون: من صاحب هذا الصوت؟ قالت: إنها سيدة مصرية زوجة طبيب مصرى مشهور هنا وهى تشاركنا ندوتنا فى الأستوديو.. قلت: أريد أن أسألها سؤالا واحدا؟ قالت: هى معك على الهواء الآن.. قلت: يا سيدتى الفاضلة.. لماذا لا تتبرع الجاليات المصرية فى الخارج لمصلحة مصر.. لإنقاذها من ورطتها الاقتصادية؟ قالت: نحن لا نتوقف عن الدفع وعن التبرع.. ولكننا نرى أن الإعلان عن الأرقام يسحب رصيدا من حسناتنا عند الله! .................... .................... قلت للمفكرة الفلسطينية: فى صباى الصحفى بعد عدوان 1967.. رافقت قطار الرحمة الذى كان يتحرك من محطة مصر يحمل الفنانين المصريين العظام الأوائل.. وقد ركبت قطار الرحمة هذا الذى كان يجمع من المحطات التى يقف عليها تبرعات أهل مصر.. أى شىء.. فلوس طبعا + ملابس + بطاطين + مشغولات ذهبية.. يعنى أى شىء يجلب أموالا للمجهود الحرب لتحرير مصر من القدم الهمجية الإسرائيلية.. وقد رافقنى فى هذه الرحلات الزميل المصور حسن التونى.. كما أننى لن أنسى أبدا ومصر كلها لن تنسى ما قامت به سيدة الغناء العربى أم كلثوم من أجل المجهود الحربى لتحرير مصر.. تحية لأم كلثوم.. وتحية لعماد حمدى وليلى مراد وحسين صدقى وكمال الشناوى وعبدالفتاح القصرى، وقد رافقتهم فى رحلاتهم.. ولكن ذلك حكاية أخرى.. { لمزيد من مقالات عزت السعدنى