نجح الثنائى «يحيى الفخرانى وعبد الرحيم كمال» فى هزيمة أسطورة «الملك لير» عبر مسلسل «دهشة»، تلك الدراما التى تتناول قلب «الصعيد الجواني»، وما يدور به من أحداث مشحونة بالغضب، من خلال قصة حياة رجل ثري، يقوم بتوزيع ثروته على بناته الثلاث وهو حى يرزق . لكنه يفاجأ بعقوقهن وتخليهن عنه، بعدما نالت كل واحدة منهن نصيبها فى الثروة، وتتوالى الأحداث فى قالب درامى مشوق يتطرق إلى طمع النفس البشرية وجحود الأبناء. وعلى مقام الدهشة كعادته تفوَّق «الفخراني» متجاوزا سقف التوقعات، ليذهب بالمشاهد إلى غاية ما يحلم به عشاق الأداء والإبداع، بينما هزم «كمال» خيال «شكسبير» فى عقر داره، حين تخطَّت خطوطه الدرامية فى «دهشة» الحبكة والخطوط الشكسبيرية المعهوده فى أدبه، والمحاطة دوما بأسلاك شائكة يصعب معها تجسيده دراميا - بحسب نقد عصره - لذا لم يترك المؤلف ثغرة إلا وأجاب عنها قبل أن يطرح السؤال. وعلى درب الإبداع ذاته أكمل لوحة الأداء الاستثنائى للفخراني، وجدية وبراعة»كمال» الملحمية، حِرفية وبساطة المخرج الشاب «شادى الفخراني»، الذى أجاد تفكيك طلاسم النص الروائى إلى مشاهد متجانسة، مستغلا عناصر الديكور وأجواء التصوير فى صناعة عمل درامى يأتى على نحو مغاير ، ومما لاشك فيه فإن روعة نغمات الموسيقار «عمر خيرت» قد غلفت المسلسل بطابع خاص اسهم فى جلب متعة لاتنتهي. غاب الفخرانى لمدة عامين، منذ آخر أعماله «الخواجة عبدالقادر» الذى تعاون فيه مع نفس المؤلف عبدالرحيم كمال، وابنه المخرج «شادى الفخراني» أيضا، تاركا فراغا كبيرا لم يشبعنا فيها حضوره الصوتى فى المسلسل الكرتونى الرائع «قصص النساء فى القرآن»، والذى أصبح من طقوس رمضان التى يحرص عليها الكبار قبل الصغار، لما تتضمنه من إبداع الصورة والمضمون والأداء السلس الممتع، لكنه يأتى من جديد بدهشته المذهلة متربعا على عرش الدراما الرمضانية من جديد ، وهو الذى كسر كل معايير النجومية - قبل عدة أعوام - حتى أصبح حالة خاصة تفوقت على كثير من معايير النجوم التى تقاس بالوسامة حين استبدل بها جدية الأداء، كما يبدو من «تشرب شخصية الملك لير حتى آخر الزجاجة»، بحسب تعبير المخرج محمد خان. ربما يرجع البعض براعة أداء الفخرانى فى «دهشة» إلى أنه متشبع بأداء هذه الشخصية التى قدمها على المسرح لسبع سنوات ولاقت نجاحا وإقبالا من الجمهور، لكن يبقى لعبد الرحيم كمال براعته فى بناء عالم درامى يستوعب هذه الشخصية الشكسبيرية بكل أسئلتها وتركيبتها النفسية وصراعاتها التى مكنت الفخرانى بالضرورة إلى التفاعل دون حذر مع كل معطيات العمل الدرامى المتلفز هذه المرة، عبر تجليات السهل الممتنع، فهو لا يتبرَّع بكلمة أو يبادر بحديث، لكنه بأدائه العذب يجتاحك بإحساس صادق صارخ، وبكلمات قليلة تخرج من فمه، أو نظرات بسيطة من عينيه يصل بك إلى حد البكاء ، بل تصل فى غالب الأحيان إلى درجة الانهيار، خاصة «مشهد الجنون» الذى يعد «ماسير سين» العمل إجمالا. ولم يكف الناس عن الاندهاش مع كل مشهد أو جملة من رائعة عبدالرحيم كمال، التى جسّدها بخبرة الإحساس يحيى الفخراني، من خلال عوالم جديدة على الدراما المصرية تميل إلى الروحانيات والمشاعر الإنسانية، وتنحاز إلى الأحاسيس المبدعة التى تخرجك من قتامة الواقع وتطرح أمامك آفاقًا من النور والأحلام الرومانسية فى قلب المشاهد المشحون بالغضب، فقد تحوَّل «الملك لير» على يد «كمال» إلى شخصية الباسل الصعيدى الثرى القوي، وبناته الثلاث «نوال ورابحة ونعمة»، بدلا من «جنريل وريجان وكردليا»، ثم تطرَّق إلى خلق تاريخ دقيق لشخصيات المسلسل وتفاصيل عميقة للباسل وعائلته، توضح علاقة متوترة بإخوته تخلق حالة من الطمع فى ثروته، مما يبرّر تسرّعه فى توزيع تلك الثروة على بناته. ولعل أداء القدير نبيل الحلفاوى والمبدع فتحى عبدالوهاب، والرائعة يسرا اللوزي، وجدية ياسر جلال، وصدق محمود الجندي، فضلا عن تألق «حنان مطاوع وياسر المصري، وسعيد طرابيك، وعايدة رياض، وعايدة عبدالعزيز، ومحمد الأحمدي، وسماح السعيد، وفتوح أحمد» إضافة إلى الفنان الكبيرمحمد وفيق، الذى شارك كضيف شرف ، كل هؤلاء أسهموا فى إضاء الخطوط الرئيسية للمسلسل، جنبا إلى جنب مع الفخرانى الكبير تمثيلا، والفخرانى الصغير إخراجا، وورق عبد الرحيم كمال، لتبقى لنا تلفزة شكسبير بتنويعات مذهلة على مقام ال «دهشة»الإبداعية.