بصيحة الله أكبر انطلقت حرب تحرير سيناء فى الثانية وخمس دقائق من ظهر السادس من أكتوبر سنة1973(العاشر من رمضان) لقن فيها جنود مصر وهم صائمين درساً قاسياً للعدو الاسرائيلى فى سيناء، بقيادة الرئيس الراحل أنور السادات الذى قال حينئذ إن التاريخ العسكرى سوف يتوقف طويلا بالفحص والدرس أمام عملية السادس من أكتوبر سنة1973 ، واستتردنا ارضنا المحتلة، وكان اثر الصيام كبيرا جدا ومهما للغاية فى رفع معنويات الجنود الاوفياء، بل زادتهم عزيمة واصرارا على الفوز بالمعركة و الثأر. كواليس البيان رقم (1) للحرب فى تمام الساعة الواحدة من ظهر السادس من أكتوبر، توجه مندوب رفيع المستوى من وزارة الدفاع إلى مقر الإذاعة المصرية حيث كان يحمل خطابا مهما كتب عليه «سرى للغاية». كان هذا الخطاب هو أول بيان كتبه اللواء الجريدلى سيتم إذاعته فى الثانية وعشر دقائق بعد انطلاق الضربة الجوية بخمس دقائق. ولم يعرف أحد من الحضور سواء مدير الإذاعة أو المذيعين ولا المخرجين شيئاً عن فحوى الخطاب، لكنهم عرفوا إن هناك أمراً مهما وخطيراً على وشك الحدوث. وانتظر المندوب والدقائق تمر عليه وكأنها ساعات، وهو ممسك بالخطاب المغلق الذى لا يعرف محتواه حتى المذيع الذى سيلقيه، وبعد أن عبرت القوات الجوية ب 220 طائرة بموجة كاسحة ل”شط” القناة فى تمام الثانية وخمس دقائق، تلقى الرجل اتصالاً من اللواء حسن الجريدلى من داخل غرفة عمليات القوات المسلحة حاملاً الإذن بإذاعة البيان. كان اللواء الجريدلى، يشغل منصب سكرتير عام وزارة الدفاع، وبعد الاتصال انفرجت أسارير المندوب، وسلم البيان لرئيس الاذاعة واشترط أن يسلمه له داخل الاستوديو، وكان الدكتور عبد القادر حاتم وزير الإعلام يتابع الموقف هاتفياً حتى لا يكشف تواجده الموقف. هنا القاهرة وعقب بدء ساعة الصفر استمرت القوات المسلحة المصرية فى إصدار بيانات بثتها عن طريق الإذاعة، بعدما أصدرت البيان الأول فور انطلاق الضربة الجوية بخمس دقائق، فأصدرت ثلاثة بيانات لعبت فيها كل من ''الإذاعة المصرية'' وإذاعة ''صوت العرب'' دورا هاما فى نقل أخبار ''جبهات القتال'' للمستمع المصرى والعربي، وبيانات الإذاعة وقت ''العبور''. وجاء فى الساعة الثانية والربع ظهر يوم السادس من أكتوبر 1973، صوت الإذاعى الكبير ''صبرى سلامة'' عبر أثير ''البرنامج العام يلقى البيان الإذاعى الأول الصادر عن القيادة العامة للقوات المسلحة: '' قام العدو الساعة الواحدة والنصف بعد ظهر اليوم بمهاجمة قواتنا بمنطقتى الزعفرانة والسخنة بواسطة تشكيلات من قواته الجوية وتقوم قواتنا حالياً بالتصدى للقوات المغيرة .. هنا القاهرة'' حقيقة الأمر أن هذا البيان وما تلاه من ''ثلاثة بيانات أخرى'' لم تكن سوى ''تمهيد'' الشعب لتحركات الجيش، وإمكانية الدخول فى اشتباك حربي، وكان مفادها ''تعليقا على البيان السابق، رداً على العدوان الغادر، نفذت قواتنا مهامهاً بنجاح وأصابت مواقع العدو إصابات مباشرة ومازال الاشتباك مستمر.. هنا القاهرة''، و كانت تذاع بمعدل كل نصف ساعة تقريبا. وجاء إلحاقاً للبيان رقم (2) مايلى: نفذت قواتنا الجوية مهاماً بنجاح وأصابت مواقع العدو إصابات مباشرة وعادت جميع طائراتنا إلى قواعدها سالمة عدا طائرة واحدة. أما الساعة الرابعة وخمس دقائق عصرا، فقد اذيع بصوت ''حلمى البُلُك'' البيان الأشهر فى تاريخ هذا اليوم والحرب كلها، إذ أذاع البيان ''نبأ العبور'' واقتحام خط بارليف الحصين'': ''هنا القاهرة .. جاءنا الآن البيان الخامس الصادر عن القوات المسلحة.. نجحت قواتنا المسلحة فى اقتحام قناة السويس فى قطاعات عديدة واستولت على نقط العدو القوية بها ورفع علم مصر على الضفة الشرقية للقناة، كما قامت القوات المسلحة السورية باقتحام مواقع العدو فى مواجهتها وحققت نجاحاً مماثلاً فى قطاعات مختلفة'' . ولم تكن الحرب حكراً على الجنود فى أرض المعركة، بل امتدت للجبهة الداخلية بمشاركة كل مصر ومصرية لتحرير الأرض بطرق واساليب وان اختلفت شكلاً الا أنها اتفقت فى الهدف والمضمون معاً، حيث رأين السيدات يذهبن للتطوع فى المستشفيات وجمعيات الهلال الأحمر المصرية، كما رأينا الشباب يعرضون رغبتهم للمشاركة فى الحرب أو التبرع بدمائهم، وتشابكت الأيدى بين فئات المجتمع فى ملحمة رمضانية كان فى مقدمتها ما رأيناه من ابداعات فنية اسهمت فى رفع الروح المعنوية، خاصة انه بمجرد إذاعة أول بيانات المعركة فى حوالى الخامسة والربع مساء كان المواطنون وقتها على موائد الافطار فى العاشر من رمضان، حيث توافد الفنانون من تلقاء انفسهم إلى مبنى الاذاعة والتليفزيون وتحولت منطقة الاستوديوهات بالدور السابع فى المبنى إلى خلية نحل، كما توافد الموسيقيون والمؤلفون والشعراء والملحنون والمطربون والكل يريد أن يتفانى من أجل مصر بطريقته الخاصة وطبيعة عمله لكى يتواكب مع عطاء الجيش المصرى على الجبهة فى معركة التحرير. ومثلما انطلقت المدافع فى قلوب العدو انطلقت أيضا حناجر المطربين لقلوب الجيش والشعب الكل يرغب فى التضحية من أجل بلده، حيث انطلقت التسجيلات بأستوديوهات الدور السابع فى مبنى الإذاعة والتليفزيون مباشرة بأصوات المجموعة (بسم الله .. الله اكبر أذن وكبر بسم الله).. لتذاع فى السادسة من صباح اليوم الثامن من أكتوبر كأول اغنية معبرة عن النصر الكبير فى معركة العزة والكرامة. أيضا على سبيل المثال غنى المطرب عبد الحليم حافظ ( لفى البلاد يا صبية) التى أذيعت بعد البروفة الاولى مباشرة وكتبها محسن الخياط ولحنها الموسيقار محمد الموجى فى الاستوديو، كما غنت المطربة وردة (حلوة بلادى السمرة). كما قدم الفنانين جميعهم وقتها بما فيها العازفون تلك الأعمال الفنية الوطنية فى حب مصر بدون مقابل وتنازلوا عن أجورهم برغم اقامتهم خارج منازلهم طوال الاسبوع الاول من حرب اكتوبر المجيدة وتولت الفنانة شادية احضار الأدوية التى يحتاجها الفنانون والفنانة وورده تكفلت بإحضار الأطعمة لهم، حتى أن المطرب عبدالحليم حافظ أسعف عازف الايقاع حسن انور الذى تعرض لهبوط مفاجئ بإعطائه حقنة مهدئة، حيث تحولت الاستوديهات وقتها إلى جبهة داخلية، وكان يشرف على تلك الاعمال المخرج محمد محمود شعبان( بابا شارو) رئيس الاذاعة حينذاك والذى كان يتولى مهمة لجنة النصوص وأجازة الإعمال الغنائية. أما أغنية (عاش اللى قال) التى غناها عبد الحليم فقد كان مقررا أن يرد الكورال خلفه عندما يقول عاش ليكى ابنك فيقول الكورال (السادات عاش اللى حبك السادات رد اعتبارك، خلى نهارك احلى نهار).. إلا ان الرئيس السادات عندما علم بذلك رفض ذكر اسمه فى الاغنية وتم تغيير اسمه الى (عاش.. عاش.. عاش ) واعيد تسجيل الأغنية. مانشيت الأهرام أغنية لشادية جاءت وسائل الإعلام والصحف وفى مقدمتها الأهرام يوم الثامن من اكتوير بمانشيت الصفحة الأولى كتبه الصحفى الكبير توفيق الحكيم( عبرنا الهزيمة) ولما قرأه الشاعر عبد الرحيم منصور من الطبعة الاولى مساء7 اكتوبر كتب أغنية بنفس العنوان ليلحنها الموسيقار بليغ حمدى وتغنيها الفنانة شادية وكانت كلماتها تقول (عبرنا الهزيمة يا مصر يا عظيمة.. باسمك يا بلادى تشتد العزيمة).. لتذاع الأغنية فى العاشرة صباح يوم صدور الاهرام بعد ماسجلت فى السابعة صباحا.