عبدالحليم حافظ داخل استديو الإذاعة أثناء تسجيله لأغانى أكتوبر قبل لحظة العبور وفي الوقت الذي كان الإستعداد علي اشده علي الجبهة كان ماسبيرو في حالة ترقب لما ستسفر عنه الساعات القادمة وعن اجواء ماسبيرو في تلك الوقت يقول الإعلامي وجدي الحكيم قبل الحرب بعام كامل تم تشكيل لجنة طواريء الإذاعي صبري سلامة كان المنوط بها هو وضع خطة العمل التي ستنفذ مع بداية المعركة وكانت تضم في عضويتها متخصصين في جميع المجالات ورؤساء المحطات الإذاعية وتم تحديد كل الإجراءات بما فيها كيفية إخلاء المبني وتحديد الأغاني التي سيتم إذاعتها بعد بيانات القوات المسلحة وفي يوم السبت 6 أكتوبر ذهبنا إلي الإذاعي القدير محمد محمود شعبان (بابا شارو) الذي كان يشغل منصب رئيس الإذاعة لنستأذنه في مغادرة العمل وفوجئنا به يأمر سكرتيره باغلاق مكتبة قائلا له لا تسمح بدخول أو خروج أحد ويخبرنا بالقيام ببروفه لكل ما تم الاتفاق عليه وكأن الحرب بدأت وبدأنا بالفعل تنفيذ تفاصيل البروفة ثم نكتشف أن الحرب بدأت وذلك بعد إذاعة البيان الأول الذي نص علي تصدي قواتنا لمحاولة قوات اسرائيليه العبور إلي غرب القناة والهجوم علينا ثم يأتي البيان رقم 7 الذي قرأه الإذاعي صبري موسي وكان التوصية بعرض الأغاني الوطنية الهادئة بعيدا عن صراخ الحماسة الزائدة حتي لا نكرر نفس الأخطاء التي وقعت فيها الإذاعة وقت النكسة وكانت الأغاني المختارة هي اوبريت (وطني حبيبي) لمجموعة المطربين و(الله أكبر فوق كيد المعتدي) للمجموعة و(بلدي احببتك يا بلدي ) لمحمد فوزي وبعد انتشار أخبار الحرب ورغم الإجراءات الأمنية الشديدة في داخل ماسبيرو ووجود تعليمات بعدم تسجيل أي أغاني جديدة لأن كل موارد الدولة كانت مخصصة للمعركة ولا توجد ميزانيات للأغاني فوجئنا في المساء بقدوم الثلاثي بليغ حمدي وورده والشاعر عبد الرحيم منصور ومعهم أغنيتان عن أكتوبر وعندما رفض الأمن دخولهم لمقابلة بابا شارو اشتبكوا معه وبعدها استخرجنا لهم تصريح لمقابلة بابا شارو وقدم بليغ حمدي إقرارا منه هو ووردة وعبد الرحيم منصور بالتنازل عن أجر الإنتاج الغنائي الخاص بنصر أكتوبر وتحملهم جميع أجور الفرقة الموسيقية والكورال ولم يكن أمام بابا شارو سوي أنه يفتح لهم أبواب الاستوديو وبالفعل تم تسجيل أول أغنيتين لملحمة العبور وهما (بسم الله الله أكبر بسم الله) وأغنية (علي الربابة بغني) بمجرد إذاعة (علي الربابة) فوجئنا بتدفق جموع الفنانين علي مبني الإذاعة لتسجيل أغان تعبر عن فرحتهم بالعبور وفعلوا ما فعله بليغ ووردة حيث جاء نقيب الموسيقيين أحمد فؤاد حسن ليؤكد أن الفنانين المصريين ليسوا أقل وطنية من بليغ ووردة وتنازلوا عن جميع أجورهم وأجور الفرقة الموسيقية والكورال وبالفعل فتحت لهم أبواب الإذاعة وأقاموا طول فترة الحرب في طرقات الإذاعة وستديوهاتها وتقريبا كنا نسجل أغنية كل 3 ساعات تم العمل داخل ستديو 45 وستديو 46 وقد غني عبد الحليم حافظ في بداية العبور أغنية (لفي البلاد يا صبية) ثم (عاش اللي قال) حيث ارسلها مع محسن العياط ومحمد الموجي لرئيس الإذاعة لمراجعة النص لأننا كنا حريصين علي النبرة الهادئة في الإنتاج الغنائي حتي لا يحدث إسقاط نفسي علي المستمعين كما حدث في 67 وبالفعل جاء حليم للاستوديو لتسجيلها واستمر الغناء لأكتوبر إلي أن سجل حليم أغنية اعاش اللي قال الكلمة بحكمة في الوقت المناسب والكورال يقول عاش السادات وإذا بالرئيس السادات يمنع إذاعة الأغنية لاعتراضه علي وجود اسمه فيها وطلب من عبدالحليم حافظ إما حذف اسمه أو ذكر جميع الزعماء العرب الذين شاركوا في العبور وبالفعل اعاد حليم تسجيل الأغنية بدون ذكر أي أسماء. ومن الأغاني المميزة أيضا أغنية (رايات النصر) التي غنتها المجموعة حيث جاء المخرج يوسف شاهين ومعه شريط الأغنية التي كتبتها نبيلة قنديل ولحنها علي إسماعيل ويقول مطلعها جايين شايلين في ايدنا سلاح رافعين رايات النصر وكان شاهين من المفترض أن يعرضها ضمن أحداث فيلم العصفور لكن طلب من بابا شارو إذاعتها وقال له نصر أكتوبر أهم عندي من نجاح فيلمي.و أغنية (عبرنا الهزيمة) التي غنتها شادية لها قصة طريفة فبعد العبور بيومين كتب توفيق الحكيم مقالا بعنوان (عبرنا الهزيمة) وإذا بعبدالرحيم منصور يأخذ عنوان المقال ويكتب أغنية بنفس كلام عنوان المقال ولحنها بليغ حمدي في ساعتين وسجلتها شادية ..ومن قصص الأغاني حكاية أغنية (دول مين دول مين دول عساكر مصريين) كلمات أحمد فؤاد نجم وألحان كمال الطويل غناء سعاد حسني التي جاءت الإذاعة وكانت لدينا تعليمات أن يكون تسجيل الإنتاج الغنائي في هذه الفترة بالقوة الضاربة للصوت وعندما جاءت سعاد بأغنية وطلبت من بابا شارو تسجيلها فرفض وحاول اقناعها بالتعليمات وأن هذه المرحلة لا تتناسب ونوعية أغانيها لكن تحت إصرارها وافق وسجلت الأغنية وأصبحت من علامات أكتوبر.. و لأغنية (أم البطل)قصة لا تنسي فعندما قامت الحرب واستشهد ابن المطربة شريفة فاضل في أول أيام العبور لم نتصل بها والكلام علي لسان وجدي الحكيم احترامًا لحزنها علي ابنها الشهيد لكن فوجئنا بها تأتي للإذاعة وتصر علي الغناء لابنها ودخلت هي والشاعرة نبيلة قنديل وفي أحد مكاتب الإذاعة وكتبت أغنية (أم البطل) وسجلتها شريفة فاضل وأثناء التسجيل وقف كل المطربين المتواجدين بجوارها لمساندتها منهم شادية وفايزة أحمد ووردة لأنها تعرضت للإغماء أكثر من مرة وأيضًا لا أنسي المطربة شهرزاد التي جاءت لمبني الإذاعة وكانت حالتها الصحية سيئة جدًا لكنها أصرت علي تسجيل أغنية (سمينا وعدينا)