يوم الخميس الماضي طرح د. محمود غزلان عضو مكتب الارشاد والمتحدث الإعلامي باسم جماعة الإخوان المسلمين, رؤيته لإصلاح الإعلام علي صفحات الأهرام. وهي رؤية بحسب مقاله شخصية لا تحسب علي جماعة الاخوان المسلمين ولا علي حزب الحرية والعدالة وأراد منها الدعوة لإجراء حوار مجتمعي بشأنها. وفي اعتقادي أن رؤية د. محمود غزلان ربما تكون جزءا لا يتجزأ من رؤية حزب الحرية والعدالة صاحب الأغلبية البرلمانية, وبالتالي لابد من إجراء نقاش حولها قبل أن نفاجأ بمشروعات قوانين مطروحة علي أجندة البرلمان. في بداية أطروحته تحدث عن إعلام ما قبل ثورة1952, مشيرا الي أن الصحافة كانت صحافة خاصة وجميع ملاكها صحفيون مستشهدا بالأخوين مصطفي وعلي أمين, وآل تقلا, وأبوالفتح, وجورجي زيدان والتابعي وغيرهم, إلا أنه شن في ذات الوقت هجوما عنيفا علي الصحف والقنوات التليفزيونية الخاصة حاليا, لأن ملاكها من رجال الأعمال ومنهم من تحوم حولهم الشبهات وعلامات الاستفهام. ثم طرح بعد ذلك رؤيته المستقبلية التي ركزت علي منع الملكية الشخصية لوسائل الإعلام( صحافة إذاعة تليفزيون) وألا يزيد نسبة ملكية الأشخاص وأسرهم علي10% فقط, وفيما يخص الصحافة القومية فقد طالب بتحويلها الي شركات قابضة تتفرع منها شركات مساهمة, ولا يزيد سقف الملكية أيضا في هذه الشركات عن10%. في كل الأحوال أعتقد أن رؤية د. غزلان اجتهاد يحسب له في وقت اختلط فيه الحابل بالنابل, وبات من الضروري أن نطرح كل الأفكار علي طاولة البحث للوصول الي أنسب الصيغ التشريعية للإعلام المصري لكي يستطيع مواكبة التطورات العالمية أو المحلية بحيث نستطيع تحرير الصحفيين والإعلاميين من كل القيود ونضمن لهم حياة كريمة ولائقة. فيما يخص الصحافة القومية, فإن هناك أفكارا أخري ربما تكون مختلفة مع ما طرحه د. غزلان ومتفقة مع البعض الآخر, لان هذه الصحافة يجب أن تظل قومية قولا وفعلا بعيدا عن ملكية الحكومة لها وتدخلها في تعيين رؤساء تحريرها ومجالس اداراتها, واعتقد أن شكل الملكية الأنسب لهذه الصحف هو ملكية العاملين بها, بحيث يتم تمليك تلك المؤسسات الصحفية للعاملين فيها من خلال تقويمها سوقيا وتحويلها الي أسهم, وطرح ما يتراوح ما بين30 و40% منها للتداول في البورصة, بحيث لا يزيد نسبة التملك للشخص الواحد وأسرته في النسبة المطروحة في البورصة عن5%, أما باقي النسبة وقدرها60% فيتم تمليكها للعاملين من خلال أسهم مغلقة غير قابلة للتداول في البورصة, ولا يحق للعاملين بيعها إلا للمؤسسة نفسها, وقت الإحالة الي المعاش ليتملكها العاملون الجدد, وبعد ذلك يتم اختيار أعضاء الجمعيات العمومية ومجالس الإدارات بالانتخاب الحر المباشر لكامل الأعضاء وتشكيل مجالس أمناء لكل مؤسسة, ومن خلال مجالس الإدارة والجمعية العمومية ومجالس الأمناء يتم اختيار الطريقة المثلي لتعيين رؤساء مجالس الإدارة والتحرير, وان كنت أفضل طريقة الانتخاب لتلك المناصب أيضا باعتبار الانتخابات هي الطريقة الديمقراطية الوحيدة, علما بأن معيار التقويم لرؤساء التحرير هو معيار التوزيع ومدي زيادته أو نقصانه, أما معيار التقويم لرؤساء مجالس الإدارة فهو الربح والخسارة, وفي كل الأحوال لا تزيد مدة رئيس التحرير أو رئيس مجلس الإدارة علي ثلاث سنوات تجدد لمرة واحدة فقط في حالة النجاح طبقا لمعايير التقويم. وبالنسبة للإذاعة والتليفزيون فهناك نموذج حي يمكن دراسته وتطبيقه في مصر, وهو نموذج هيئة الإذاعة البريطانيةB.B.C وهو نموذج ناجح بكل المقاييس المهنية والإدارية ويمكن تطبيقه في مصر ليظل ماسبيرو ملكية عامة ولكن بعيدا عن سلطة النظام أي نظام وبحيث تكون المصلحة العامة هي معياره الوحيد في تغطية ونقل الأحداث بمهنية رفيعة بعيدا عن الإثارة والتهييج أو الأجندات الخاصة, وفي نفس الوقت بحيادية شديدة بعيدا عن تعليمات وزير الإعلام أو غيره, وانما يتعامل بمهنية مع كل الأحداث ويقف علي مسافة واحدة من جميع الأحزاب والقوي السياسية. النقطة المثيرة للجدل في رؤية المتحدث الإعلامي باسم جماعة الإخوان, هي ما يتعلق بوسائل الإعلام الخاصة صحافة وتليفزيون وبرغم اتفاقي تماما في الأجندات الخاصة لبعض هذه الوسائل وعدم وجود خطوط فاصلة بين أجندات بعض الملاك وتلك الوسائل, فإن المشكلة تكمن في الحد الأقصي لنسبة التملك التي قدرها ب10% لأنه في هذه الحالة لن تكون هناك وسائل إعلام خاصة عمليا لصعوبة تكوين مثل تلك الشركات, وبالتالي إغلاق تلك الوسائل الإعلامية الخاصة التي لعبت دورا مهما خلال الفترة الماضية والحالية برغم كل التحفظات حولها وهذا هو المرفوض وغير المقبول اطلاقا. في اعتقادي أن الأهرام قدمت نموذجا مهما سواء أثناء ملكيتها الفردية قبل ثورة يوليو1952, أو بعد التأميم, وكان سر نجاحها هي تلك الخلطة التي أدخلها الأستاذ محمد حسنين هيكل عليها, حينما كانت كل الأطياف والآراء تعيش جنبا الي جنب في الأهرام, فكان الإسلاميون فهمي هويدي وعبدالرحمن الشرقاوي وبنت الشاطئ يعملون مع الشيوعيين لطفي الخولي ولويس عوض ومحمد سيد أحمد, الي جوار اليمين المتشدد ثروت أباظة وما بينهم من أطياف ناصرية وقومية, أو حتي بدون هوية سياسية, وهكذا نجح الأهرام واستمر في النجاح برغم محاولات بعض قياداته العبث في تلك التركيبة إلا أنها باءت وتبوء بالفشل. لو استطاعت الصحافة القومية أن تحذو حذو الأهرام في عز مجده وتظل بيئة حاضنة لكل التيارات والأطياف فإنها بذلك تكون صوتا للشعب وضميره الحي بعيدا عن نفاق السلطة الرخيص, أو محاولات التهييج والإثارة دون داع, وتظل المؤسسات القومية هي رمانة ميزان الإعلام البعيد عن الهوي والمصالح. المزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة