لأن الكلمة عنوان الحقيقة كان لابد أن نعبر بها عن الواقع مهما كان مريرا، نعرف أن السلبيات عديدة، ولكن لابد أن نضع أيدينا على أبرزها أمام المسئولين، حتى نصل إلى حلول وتدور عجلة الإنتاج دون معوقات. ولما كانت «البيروقراطية» أبرز الملفات الشائكة المعوقة لأى تقدم فلابد أن نطرح ما يواجه المواطن عسى أن يجد من يسمع ويمنع، خاصة أن مشاكل البيروقراطية لا يقدر عليها غالبا إلا أمران «السلطة والنفوذ» أو «دفع المعلوم». الشهر العقارى جهاز إدارى مهم فى الدولة، ولكن عندما يضعك القدر لتقف أمام موظفيه تعانى الأمرين، ولأن الأمر لا يخلو نهائيا من اللجوء إليه ستعانى بلا شك، ففى يوم وقفت السيدة آمال .م أمام مكتب الشهر العقارى بمدينة العاشر من رمضان بصحبة زوجها القادم من إحدى دول الخليج فى أجازة قصيرة لعمل توكيل من الزوج للزوجة لبيع شقة سكنية يمتلكانها بالقاهرة، ففوجئت بمكان كئيب مبعثر خال من التهوية حتى أنها شعرت بالاختناق والغثيان، وبعد طابور طويل تحملته على مضض فوجئت بالموظف يرفض الطلب بحجة أن الزوج بطاقته الشخصية على القاهرة والشقة السكنية المراد عمل التوكيل بالقاهرة أيضا. وتعجب الزوج فعلى قدر معلوماته انه يحق لأى مواطن عمل توكيل فى أى مكان ولأى شخص، وبدأ فى الدخول فى مناقشة مع الموظف دون جدوي، فى الوقت الذى استنفدت الزوجة طاقتها وأصرت على العودة للمنزل متذكرة فترة وجودهم فى تلك الدولة العربية كيف يقدم الرجال المرأة فى أى مصلحة حكومية حتى لا تتكبد مشقة الانتظار فى طوابير، وكيف أن أى مكان حكومى كانت تذهب إليه يكون آدميا ويتمتع موظفوه بكل قواعد الذوق والسلاسة مع المتقدمين بطلبات إليهم دون تعنت أو تعقيدات وتحسرت على وضع بلدها التى تتمنى أن تراها قريبا أفضل الدول. أما سميح البهى عندما ذهب لعمل توكيل للشخص الذى اشترى سيارته كانت الأمور أعقد لأن الموظف المختص كان غير موجود على مكتبه أغلب الوقت ولم يقبل أى موظف القيام بعمله على الرغم من إمكانية ذلك، وبعد انتظار ما يقرب من ساعة حاول خلالها البحث عن الموظف بالمكاتب المختلفة وأخيرا وجده يتناول الإفطار مع زملائه فى أحد المكاتب، وعندما قال له إنه ينتظره طويلا، بادره قائلا «ما تنتظر هى القيامة قامت»، وسار معه الموظف هادئا وكأنه لم يفعل شيئا، وعندما تعطف عليه حتى ينهى التوكيل طلب منه شهادة بيانات لاقتراب انتهاء الرخصة، ولم ينه مصلحته فى نفس اليوم على الرغم من محاولاته المريرة معه وإقناعه بأن الرخصة مازال يتبقى فيها أسبوعان إلا انه أصر على إحضار شهادة البيانات أولا. التربية والتعليم يروى أيمن الحسينى مأساته فى تحويل أوراق ابنتيه من الإدارة التعليمية بعين شمس إلى الإدارة التعليمية بالعبور، وكانت بدايتها ذهابه إلى المدرسة المراد تقديم أوراق ابنتيه فيها بالعبور فطلبوا منه إحضار بيان نجاح من الإدارة التعليمية بعين شمس وعندما ذهب بخطاب التحويل للحصول على بيان النجاح طلبوا منه شراء دمغة ب 28 جنيها من البريد فذهب فى اليوم الثانى لشراء الدمغة فأخذ منه الموظف 50 جنيها ولم يعطه الباقي، وحتى لا يضيع وقته فى الشجار ترك باقى المبلغ وغادر على أمل أن هذه نهاية محطة العذاب، وإنما كان المشوار لا يزال طويلا لأنهم أخبروه فى الإدارة التعليمية بأن عليه الحضور بعد يومين لاستلام بيان النجاح ثم استلام ملفات أولاده من مدرستين حكوميتين مختلفتين، كل واحدة فى منطقة على الرغم من أنهما كانتا فى مدرسة واحدة ولا يزال فى هذه الدوامة على حد وصفه، قائلا: كل هذه الإجراءات ولم تنته معاناتي، ولم أعلم ما ينتظرنى فى الإدارة التعليمية بالعبور حتى ينتهى الحال ويقبلوا أوراق أولادى بالمدرسة الجديدة. وكانت تجربة شيماء عبد الغنى مختلفة تماما عن التجربة السابقة لأنها عندما قررت نقل ابنها من مدرسة إلى أخرى لم تعان كما يعانى الكثيرون لأن أختها تعمل بإحدى الإدارات التعليمية ولها الكثير من العلاقات والتى ساعدت أختها كثيرا فى نقل ابنها بسهولة ويسر ودون الذهاب سوى مرة واحدة فقط إلى المدرسة لسحب الملف. وكانت معاناة ولاء أحمد مدرسة بأحد المدارس التجريبية والمنتدبة من الإدارة التعليمية بمحافظة أسوان إلى الإدارة التعليمية بأكتوبر فحتى تنهى أوراق انتدابها ظلت تتردد فى أماكن مختلفة من الإدارة التعليمية إلى مديرية التربية والتعليم أكثر من 3 أيام حتى تنهى إجراءات ورقة واحدة فقط. وأضافت ليتها تقف عند البيروقراطية وحسب وإنما المعاملة السيئة التى وجدتها من موظفى الإدارة التعليمية، وكأننى أتسول ولست معلمة تريد أن تنهى مصلحتها. وتذكر أنها ذهبت ذات مرة للإدارة التعليمية فأغلقت الموظفة الباب الحديد فى وجهها وحدثتها من ورائه، وتساءلت إلى متى سنظل نُعامل هذه المعاملة ومتى ستتحسن الأوضاع؟. التأمينات والمعاشات صفاء محروس قالت: بعدما توفى زوجى وكان يعمل سائقا بإحدى الهيئات الحكومية ذهبت إلى التأمينات والمعاشات لكى أحصل على معاشه فطلبت منى الموظفة ملء الاستمارة ثم طلبت أوراقا تثبت أننى الوحيدة المستحقة لصرف المعاش ولا يوجد أشخاص آخرون يستحقون صرف المعاش، وبعدما أحضرت ما يثبت أننى الوحيدة المستحقة لصرف المعاش وظننت أنه نهاية المطاف، إلا أنهم طلبوا منى إحضار شهادة إدارية من اثنين من الموظفين فى أى جهة حكومية تثبت عدم زواجى من شخص آخر فظللت «كعب داير» حتى حصلت على التوقيعات والأوراق المطلوبة، متسائلة لماذا لم يخبرونى بكل الطلبات منذ البداية فبسبب كل هذه الإجراءات مكثت شهرين حتى حصلت على المعاش وخلال هذه الفترة اقترضت من الجيران حتى استطيع الأنفاق على أولادي. أما المواطن عبدالله كمال، الذى يعمل محاسبا بالخارج، فقرر منذ سنوات عديدة أن يتقدم لعمل تأمينات للحصول على معاش عند عودته لبلده، وقام بتسديد كل المطلوب منه حتى تاريخه وفى إجازة قصيرة قدم لرؤية أبنائه قرر أن يذهب لمكتب التأمينات والمعاشات بالقاهرة لأنه قارب على الستين ويريد معرفة كيفية الحصول على معاشه المستحق بعد أن سدد بانتظام كل ما عليه ولأن أجازته قصيرة جدا فقد قرر الاتصال بهم مسبقا قبل الذهاب إليهم لمعرفة المطلوب منه لأنه قادم من محافظة بعيدة، وعبر الهاتف أخبره الموظف بأنه ليس مطلوب منه سوى الإيصالات التى دفع بها لمعرفة رقم الملف حتى يسهل استخراجه، وعندما التقى بالموظف فوجئ بسؤاله له أين موافقة البنك الذى سيحول له المعاش وعندما أخبره أن هذا الطلب لم يطلب منه مسبقا لم يرد عليه بشيء يشفى «غليله» فعاد أدراجه بعد نوبة غضب شديدة آسفا على اليوم الذى ضاع هباء من إجازته ومجهوده الذى أهدر بلا فائدة. وحدات المرور وعن وحدات المرور فحدث ولا حرج عن أشكال البيروقراطية المتعددة بدءا من عدم تعاون الموظفين مع المواطنين وتلقى الرشاوى والإكراميات مرورا بأعطال الكمبيوتر المتكررة أو انقطاع التيار الكهربائى وخصوصا فى فصل الصيف، وانتهاء بعدم تجهيز بعض وحدات المرور آدميا، فالكراسى متهالكة مع عدم تخصيص أماكن لكبار السن والمعاقين وتوجد الشبابيك فى أماكن معرضة لحرارة الشمس الحارقة فى فصل الصيف. ومن داخل مرور شبرا يقول أحمد حسانين ذهبت إلى الوحدة لترخيص سيارتى فوجدت زحاما شديدا وبعد طول انتظار وصلت إلى مقدمة الطابور ففوجئت بانقطاع التيار الكهربائى فطلب الموظف من الناس الانتظار وبعدها بربع ساعة عاد التيار وكان الموظف قد أغلق الشباك فى أثناء الانقطاع وطرقت الشباك حتى يستأنف عمله ففوجئت به يقول تعالى بكرة لأن وقت العمل انتهى وعندما أشرت له أنه باقى على انتهاء مواعيد العمل ساعة على الأقل لم يجب وأدار وجهه عنى فإذا بشخص آخر يقول لى «هات 100 جنيه وأنا أخلصلك الورق اليوم»، وبالفعل دفعت واستلمت رخصة سيارتى فى نفس اليوم. التموين أم هشام سيدة بسيطة «على باب الله» تكسب قوتها يوما بيوم، وبطبيعة الحال فهى فى أمس الحاجة إلى مخصصاتها التموينية الشهرية، وعندما نزحت من الفيوم واستقرت فى الكيلو 4،5 بعزبة الهجانة ظلت لعدة سنوات تصرف تموينها من هذا المقر، حتى قررت استخراج البطاقة الذكية، إلا أنهم أخبروها أنها كانت تصرف بالخطأ من هذا المكتب، وأن تموينها بالحى السويسرى بمدينة نصر ،فذهبت للسويسرى وصرفت مخصصاتها وفى الشهر التالى ذهبت كعادتها إلى المكتب لصرف التموين فرفض الموظف إعطاءه لها وأخبرها بأن تصرف من المكان السابق، وحاولت معه محاولات مضنية، وأنه أعطاها فى الشهر الماضى ولكنه لم يعبأ بصراخها وبسبب تعنته أضاع عليها تموين الشهر. الأحوال المدنية هذه المصلحة الحكومية الحيوية شريان حياة المواطن فبدونها لا وجود لك ك «بنى آدم»، لذلك لا يمكن أن تشوبها شائبة، ولكن للأسف أخطاء البيروقراطية بالجملة داخلها، فقد فوجئ عمرو رشاد بوجود شهادتين له بتاريخين مختلفين الأولى كانت مستخرجة له من إحدى الدول العربية التى ولد بها والثانية استخرجها من مصر بدل تالف بعد ضياع الأولي، والشهادة الأخيرة هى التى استخدمها طوال حياته حتى تخرج فى الجامعة وظن أن الأولى ألغيت تماما بسبب ضياعها ولكنه سرعان ما وجدها تعاود الظهور، وعندما ذهب إلى الأحوال المدنية لإلغائها أخذ شوطا طويلا حتى أنهك وخارت قدماه من الذهاب والإياب دون جدوى ولم يرحمه من هذا الروتين القاتل سوى ضابط صديق لوالده لم يستغرق معه الأمر سوى لحظات. أقسام الشرطة هذه الواقعة حدثت داخل أحد أقسام الشرطة بالقاهرة، رضا رمضان المواطنة تتقدم بشكوى ضد جارها مستغيثة برجال الشرطة لرفع الظلم عنها ومعها أهل الخير للتضامن معها معتقدة أن الأمور تغيرت وستجد من يسمعها، ولكن للأسف فوجئت بسوء معاملة شديدة وكأنها هى الجانية وليس المجنى عليها، ولم يعبأ بها أحد بسبب مظهرها البسيط، وهنا فكرت الاستعانة بمعارفها الكبار التى تعمل لديهم وعندما ظهر هذا الشخص صاحب السلطة فوجئت بتغير المعاملة تماما وقد وقف القسم على «قدم وساق» وبدأ أحد كبار الضباط يستمع لشكواها ويبدأ فى التحقيق الفورى فى الواقعة وإحضار المشكو فى حقه.