ماذا تريد أمريكا من مصر؟ وماذا تريد مصر من أمريكا؟ على الرغم من أن السؤال مباشر، فإنه يحمل أوجه، وتبدو الإجابات عليه متعددة، ومع كل إجابة تختلف النتيجة. مصر أوفت ب "خريطة الطريق" واستكملتها، وأثبتت أن ثورة 30 يونيو كانت إرادة شعبية للإطاحة بالنظام السابق، ووصل عبد الفتاح السيسى عبر انتخابات ديمقراطية إلى السلطة. فإذا كانت أمريكا تريد من مصر الالتزام بخريطة الطريق وبالديمقراطية، فإن مصر التزمت، بدون الإملاءات الأمريكية وبإرادة حرة، بالمسار الديمقراطى وبالعملية السياسية الشاملة. وإذا كانت إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما تريد الاستقرار فى مصر بسبب مصالحها الأمنية والاستراتيجية فى المنطقة، فإن الشعب المصرى أيضا يريد الاستقرار والأمان حتى يضمن حاضره ومستقبله. الصراحة دائما كانت عنوان مصر فى الدفاع عن ثورتها، أما الغموض فقد سيطر على لغة الخطاب الأمريكي. واتسمت الرسائل المصرية إلى واشنطن بالصراحة والوضوح وذلك بسبب حرص القاهرة على استمرار العلاقات المشتركة لكن من زاوية قوة، ما حدث فى يونيو ثورة وليس "انقلابا"، الالتزام بما تم إعلانه من خطوات فى 3 يوليو، وأخيرا انتخب الشعب رئيسا جديدا عبر صناديق الاقتراع "بوابة الديمقراطية". أما رسائل واشنطن فمتضاربة حيث يحاول البيت الأبيض حصر العلاقات فى "لغة المصالح" الأمنية والاستراتيجية، بينما تسير إدارته عكس التيار حيث اعترف جون كيرى وزير الخارجية وتشاك هيجل وزير الدفاع بثورة 30 يونيو. وحمل كيرى صراحة "الإخوان" مسئولية ما آلت إليه الأوضاع ومحاولة سرقة ثورة يناير بينما واصلت وزارة الدفاع الأمريكية "دبلوماسية الهاتف" عبر إجراء اتصالات يومية بوزارة الدفاع المصرية والتنسيق مع الجيش المصري. الكونجرس أيضا منقسم بشأن الاعتراف بثورة 30 يونيو، وهو أحد العوائق التى تقف أمام الاستئناف الكامل للمساعدات الموقوفة منذ أكتوبر الماضي. ويعد التحدى الرئيسى فى العلاقات بين الجانبين أن لا مصر ولا أمريكا تمتلك رفاهية تحمل حل هذه الخلافات داخل الإدارة الأمريكية وداخل الكونجرس، ولا وقتا للانتقادات الفارغة، خاصة أن الوقائع على الأرض تتحدث عن نفسها. والمشكلة الأخرى أنه لا يمكن تلخيص العلاقات فى مسألة المعونة والمساعدات العسكرية، لأن هناك بدائل أخرى يمكن لمصر اللجوء إليها فى حالة استمرار أمريكا على نهجها الحالي. كما أن مصر دائما ما ترفض لغة التهديد أو سياسة "العصا والجزرة" التى أثبتت فشلها فى الحالة المصرية. المحللون الأمريكيون يتوقعون أن العلاقات بين واشنطنوالقاهرة خلال رئاسة السيسى لن تكون سهلة خاصة أن الرئيس المنتخب لن يقبل بالإملاءات الأمريكية، فالسياسة الخارجية المصرية يمكنها أن تفتح آفاقا أبعد تعرفها واشنطن جيدا وتتحسب لها. لكن الخطوات التى اتخذتها واشنطن خلال الأسابيع القليلة الماضية تدعو إلى التفاؤل الحذر خاصة بعد إقرارها بأن مصر تخوض حربا ضد الإرهاب فى سيناء وفى مناطق أخرى، وهو اعتراف جاء عقب زيارة اللواء أركان حرب محمد فريد التهامى رئيس المخابرات ونبيل فهمى وزير الخارجية التى كانت فعالة جدا فى إبراز الواقع المصرى الجديد، وكانت النتيجة الإفراج عن طائرات «الأباتشي». أوباما أكد فى خطابه الأخير أمام خريجى الأكاديمية العسكرية فى "ويست بوينت" أن سياسته ستكون نهجا وسطيا، لا انعزاليا أو استباقيا، فى تعاملها مع مشاكل العالم، وهذا التصريح يعكس تحولا كبيرا فى اتجاه السياسة الخارجية الأمريكية، واعترافا بفشلها خلال العقود الماضية. وعدل الرئيس الأمريكى من لهجته الدبلوماسية حيث اعترف أن واشنطن لديها مصالح استراتيجية وأمنية مهمة مع القاهرة. ويمكن القول إن مصر التزمت بمحاولة أخيرة لردم الهوة وإعادة بناء جسور الثقة مع واشنطن، وأن الكرة الآن فى ملعب الولاياتالمتحدة، الوقت ضيق ولم تعد هناك مساحة لمزايدات يمكن أن تتسبب فى إغلاق الباب فى وجه أمريكا. مصر فى مرحلة الحسم وليست فى مرحلة محاولات تبرئة الذات وغسل سمعة بسبب رؤية أمريكية قاصرة عن متابعة المعطيات الجديدة. وفى حالة استمرار التعنت الأمريكى فإن واشنطن تخاطر بخسارة إقليمية فادحة، ليس بفقد التحالف الوثيق مع القاهرة فقط ولكن مع دول الخليج أيضا التى تدعم مصر قلبا وقالبا منذ 30 يونيو. وفى المحصلة، تواجه العلاقات بين مصر والولاياتالمتحدة أربعة تحديات رئيسية: أن تعترف واشنطن بالتزام مصر بخريطة المستقبل ومسار الديمقراطية، وأن القاهرة تواجه حربا مع الإرهاب، وأنها فى مرحلة إعادة بناء سياسى واقتصادى بعد ثلاث سنوات ونصف السنة من الاضطرابات، وأنها لن تقبل مجددا بالشروط والإملاءات والتدخل الأمريكى من موقع أنها الطرف الأضعف.