الرجوع إلى الحق فضيلة.. والاعتراف بالخطأ يبعث على الاحترام، حتى وإن كان الرجوع للحق والاعتراف بالخطأ تقف وراءه المصلحة.. وهذا هو ما فعلته أمريكا بشأن العلاقات مع مصر، وهو ما أكده وزير خارجيتها جون كيرى فى رسالة واضحة لمصر دولة وشعبًا خلال زيارته للقاهرة الأسبوع الماضى. وخلال استقبال الرئيس عدلى منصور لكيرى، أكد كيرى أن الرئيس أوباما كلّفه بالتوجه للقاهرة فى ضوء حرص الولاياتالمتحدة على إزالة ما شاب العلاقات الثنائية المصرية الأمريكية من ضباب وغيوم، مؤكدًا على تثمين الولاياتالمتحدة لهذه العلاقة بشكل كبير، فمصر التى تشكل ربع سكان العالم العربى ولديها تاريخ وحضارة هى بالنسبة للولايات المتحدة ركيزة ورمانة ميزان المنطقة، وأنه من مصلحة الولاياتالمتحدة أن تكون مصر قوية فى المرحلة المقبلة. وتتكرر التأكيدات فى المؤتمر الصحفى المشترك الذى عقده وزير الخارجية نبيل فهمى مع جون كيرى، وتأتى كلمات كيرى واضحة وصريحة «ندعم إقامة حكومة ديمقراطية فى مصر وسنواصل تقديم المساعدات لمصر لتأمين حدودها ومكافحة الإرهاب». واعترف كيرى بأن أمريكا أدركت أن القرار الخاص بحجب جزء من المساعدات لم يحقق المطلوب منه، موضحًا أن هذا القرار ليس عقابًا ولكنه يتعلق بالقوانين الأمريكية. وأكد أن العلاقات بين البلدين لا يجب اختزالها فى قضية المساعدات، وأشار إلى أن الرئيس منصور كان قد وجه دعوة للرئيس أوباما منذ فترة للبدء فى حوار استراتيجى بين البلدين و«يسرنى أن أبدأ هذا الحوار». وقال إن مصر شريك حيوى لأمريكا فى المنطقة، ورحب بالتزام الحكومة بخريطة الطريق التى ستدفع مصر نحو التحول الديمقراطى. وأكد أن الولاياتالمتحدة ستستمر فى تقديم الدعم لمصر فى مجالات الصحة والتعليم والتنمية، وستستمر فى العمل مع القوات المسلحة لمكافحة الإرهاب وتحقيق أمن سيناء. لقد جاء كيرى للقاهرة حاملًا رسائل واضحة لصانعى القرار المصرى وللشعب المصرى، بعد أن أعادت واشنطن قراءة المشهد المصرى بواقعية، لقد شعرت واشنطن أنها على حافة هاوية إذا خسرت علاقتها بمصر وأهم حلفائها فى الخليج، وتهديد اتفاقيات كامب ديفيد وبالتالى تهديد حليفتها الأقرب إسرائيل، وكل ذلك بسبب تقييمات خاطئة بشأن الوضع فى مصر. لقد أدركت أمريكا أنها أساءت التقدير، فالعلاقات المتكافئة بين الشعوب والدول لا تبنى من خلال التخويف والعقوبات، وكسب العقول والقلوب لا يكون بأساليب المواجهة، لأن مثل هذه الأساليب تعمق الخلافات والكراهية من جهة، وتكشف الوجه الحقيقى لأمريكا كقوة هيمنة من جهة أخرى. لقد تأكد للجميع أن مصر ثورة 30 يونيو ليست كما قبلها، فقد استعادت مصر باسم الشعب الذى خرج بالملايين للميادين والشوارع، استعادت قرارها ودورها، وأن تخرج من العباءة الأمريكية، حيث مكثت أكثر من أربعين عامًا، وحاول «الإخوان» تأييد هذا الواقع، من خلال ربط مصر بتحالفات واتفاقات سرية ومشبوهة مع واشنطن. لقد اعترفت أمريكا بالخطأ ونحن نحترم ذلك، بعد أن تأكدت أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، وأن مصر ستستعيد دورها الريادى ملتزمة بقضايا أمتها، بعد أن استعادت إرادتها وحرية قرارها. إن زيارة جون كيرى للقاهرة ستبقى علامة مهمة فى مسار العلاقات المصرية - الأمريكية، وتؤسس لمرحلة جديدة من التكافؤ والندية القائمين على المصالح المشتركة واحترام حقوق الآخر.