مرت احتفالات ذكرى مرور العائلة المقدسة بمصر في أول يونيو الماضي حيث احتفلت بها الكنيسة الأورثوذكسية بشكل عام وبعض الكنائس التي مرت بها السيدة العذراء في الرحلة المقدسة مثل كنيسة أبو سرجة بمصر القديمة، واقتنصت قاعة «سفر خان» بالقاهرة هذه المناسبة لعرض مجموعة من أعمال الفنان راغب عياد، ومنها لوحة «الميلاد» التي تصور رحلة العائلة المقدسة في أسيوط بصعيد مصر. يضم المعرض الذي يستمر حتى 20 يونيو الجاري ست لوحات من مقتنيات شيرويت الشافعي صاحبة القاعة، وتعكس الأعمال الموضوعات الرئيسية التي شغلت أحد رواد الفن التشكيلي المصري وهي على وجه الخصوص علاقة الفلاح بالأرض من خلال المشاهد الريفية المختلفة وتصوير الأديرة المتناثرة في بر مصر. وتتكون اللوحات من ثلاثة أعمال من الأحبار تصور حياة الفلاحين وهي «الحرث» التي تنبض بالحركة والسعي في علاقة الانسان بالحيوان والأرض، ثم «السوق» التي تصور حياة الفلاحات في السوق وتتجلى فيها الأجساد الممشوقة والقسمات البارزة مثل منحوتات في مصر القديمة، ولوحة «الموسيقيين» التي تجمع ثلاثة فلاحين أثناء انغمساهم في العزف على الآلات الموسيقية. وكذلك لوحتيّ «الدير» و«الغناء أو الترانيم»، تعكس الأولى بخطوطها المعمارية وألوانها الهادئة المائلة إلى لون الصحراء حالة من الروحانية والزهد والتقشف جديرين بموضوع الدير نفسه، وعلى نقيضها إلى حد ما تقف لوحة الترانيم على الاحتفالات والطقوس البهيجة داخل الكنيسة. ثم تأتي اللوحة-البطل وهي الميلاد أو رحلة العائلة المقدسة والتي ترجع إلى عام 1961، والتي تعد تكثيفا لفن راغب عياد ورؤيته، إذ تعتبره شيرويت شافعي «أول من مهد الطريق للتعبيرية المصرية وله الفضل في التخلص من التأثير الغربي على الفن المصري». ولد راغب عياد فى القاهرة في مارس سنة 1892 وكان من اوائل الملتحقين بكلية الفنون الجميلة سنة 1908، وبعد تخرجه عمل بتدريس الفن فى المدارس الثانوية وبعد ذلك كان اول من حصل على بعثة التعليم فى روما حيث امضى هناك خمس سنوات فى المعهد العالى للفنون الجميلة، كما سافر إلى فرنسا وكان منفتحا على الثقافة الغربية. إلا أنه ورغم هذا كون في النصف الثاني من القرن العشرين «جماعة الخيال» التي أسسها محمود مختار وضمت مع راغب عياد كل من محمود سعيد ومحمد ناجي ومحمد حسن و يوسف كامل وأحمد صبري ومن الأجانب مزراحي وبيبي مريان وبوجلان وغيرهم وكانت نقطة التلاقي فيما بينهم هي فكرة الفن القومي واتصاله بحضارة البحر المتوسط. وتتجلى التعبيرية المصرية في بناء اللوحة ذاتها ومشهدية العمل الذي يصور مستويات عدة يعكس أولها مشهدا تعبيريا للعذراء مريم والسيد المسيح طفلا يحيط بهما الفلاحين وتشي حركات الأجساد الممشوقة مع حركات اليد بأن هناك طقسا دينيا ومباركة للميلاد المجيد، ويعكس المستوى الثاني من اللوحة وما تصوره من جمال البيئة الصحراوية المصرية، أما المستوى الثالث فيصور الكنيسة تحتضنها الطبيعة الصعيدية (حيث حلت العائلة المقدسة) متجسدة في نهر النيل والنخيل. ومن خلال هذه المستويات أو الطبقات التي تتصاعد رأسيا –وليس بشكل أفقي كما جرت العادة- تظهر خصوصية البناء لدى راغب عياد. ففي حين انشغل الفنان الأوروبي بالمنظور والمركزية في اللوحة، ثم سرعان ما انقلب عليها ليفتت هذه المركزية ويكسر المنظور في الفن المعاصر، فإذا براغب عياد يستلهم هذا البناء من الجداريات التي بناها الفنان المصري القديم والتي تتعدد فيها المستويات بشكل رأسي. راح عياد يفتش في رسوم المعابد ليبدع أعمالا هي امتدادا مقطرا للجماليات الفرعونية والفن القبطي، حيث ظهرت مجنوعة ألوانه وقد سيطر عليها اللون الذهبي وهو لون الصحراء تحت قيظ الشمس الملتهبة لكنه يعكس أيضا وفي ذات الوقت التأثر بالفنان القبطي القديم الذي طالما لجأ إلى الألوان المذهبة في رسمه للأيقونات والشخصيات المقدسة داخل الكنيسة تحيط بها هالة من نور.