"من سألك فأعطه، ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده" ...( إنجيل متي ) معزوفة فنية من التسامح قدمها ثمانية فنانين تشكيليين بين التصوير بمختلف الخامات والفوتوغرافيا والخط العربي، في معرض استضافه المركز المصري للتعاون الثقافي الدولي عن "رحلة العائلة المقدسة إلي مصر"، وهو واحد من أهم المعارض التي يبدأ بها العام الجديد ليس فقط للتنوع والثراء الفني وإنما لعمق الموضوع المطروح والذي يفيض بالروحانية والرمزية الدينية. ولعل أجمل ما في هذا المعرض هو تأكيده علي قوة النسيج الوطني كما وصفته د. كاميليا صبحي وكيل أول وزارة الثقافة للعلاقات الثقافية الخارجية التي افتتحت المعرض وأكدت أنه يبعث رسالة محبة وسلام من قلب مصر، ويبرز جانب مهم من تاريخ مصر العريق الثري. وقد لخص فنان الخط العربي صلاح عبد الخالق تلك الوحدة في لوحتين الأولي قدم من خلالها آية من إنجيل متي "من سألك فأعطه، ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده" والتي تفيض بالتسامح، والثانية لآية من القرآن الكريم "إنما المسيح عيسي ابن مريم رسول الله وكلمته"، ليؤكد أن شعب مصر واحد، وأن الدين لله والوطن للجميع، وأن المحبة والعطاء هي شريعة الفنان المصري الأصيل وشعب مصر الطيب. ومن جانبه أكد د. فريد فاضل أن رحلة العائلة المقدسة من الموضوعات الهامة التي أثرت وجدانيا في العديد من الفنانين، حيث عبر كل فنان عن الرحلة برؤيته الخاصة، وببالتية لونية شديدة الخصوصية. وقد ركزت معظم الأعمال المقدمة علي مراحل رحلة العذراء والسيد المسيح، وحكت عن كيفية خروجهما من فلسطين، ثم دخولهما إلي سيناء ثم الفارمة وبلبيس وسمنود والدلتا ثم وادي النطرون والمعادي والمنيا، تلك الرحلة الشاقة التي خاضوها. وأشار الفنان عادل نصيف إلي أن رحلة العائلة المقدسة أتت لتوحد المصريين، وقد اختارت العناية الإلهية أرض مصر لتهرب إليها العائلة المقدسة، فمصر محفوظة وأرضها الطيبة تحتضن الجميع بلا تفرقة. وقد قدم نصيف صورة للسيدة العذراء والسيد المسيح يمران علي شاطئ النهر في حين تتقافز الأسماك فيما يرمز للنماء والخير، وقد احتشدت لوحته بالرمزية حيث ظهرت الفتاة التي ترتدي الزي الفرعوني لتشير إلي مصر وظهرت في الخلفية صورة الأهرامات والنخيل. وبالرغم من شهرة الفنان عادل نصيف شهرة عالمية في أعمال الفسيفساء، إلا أنه اختار أن يقدم تلك اللوحة بتقنية تمبرا صفار البيض وهي نفس التقنية المستخدمة في رسم الأيقونات. وجدير بالذكر أن الفنان كان قد نفذ جدارية ضخمة عن دخول العائلة المقدسة لأرض مصر بالكنسية المصرية بحي فيلجويف بباريس، وهي الكنيسة التي أدرجتها وزارة الثقافة الفرنسية كتراث ثقافي مميز يستحق الزيارة السياحية. أما الفنانة إيمان حكيم فقد قدمت ثلاثة أعمال مختلفة ، حيث قدمت من خلال لوحتها الأولي بورتريه للبابا تواضروس استخدمت فيه الأسلوب التأثيري، ثم قدمت مشهد من أديرة وادي النطرون وتحديدا من دير السريان، الذي تتشابه عمارته بشدة مع عمارة حسن فتحي، وأخيرا لوحة عن العائلة المقدسة باستخدام السكين وتأخذ فيه العذراء مريم والطفل دور البطولة في المشهد. ولعل حب للفن القبطي هو الذي دفع الفنان يوسف مظهر عاشق التصوير الفوتوغرافي لزيارة مختلف الكنائس والأديرة، وقد قدم عدة لوحات فوتوغرافية من عدة أماكن كان من بينها مجموعة كنائس وادي النطرون، وشجرة العذراء مريم بالمطرية، ودير سمعان الخراز في المقطم، ودير العذراء في المعادي، ، ومارمينا الأسكندرية. وقد شارك في المعرض أيضا الفنانين مصطفي رحمة الذي استخدم باليتة شديدة الخصوصية، وجورج سكلا، ووجدي حبشي الذي قدم لوحتين باستخدام الباستيل الزيتي، والفنان وجيه يسي الذي قدم عملين بألوان ماء. لم يكن أمامي إلا أن أنتهي قبل أن أبدأ، فلكل لوحة حكاية مختلفة تنفرد بك في حوار مطول، شعرت أمامه بأن لا كلمات تكفيه ... ولأنتهي كيفما بدأت بآية من الإنجيل " :في البدء كان الكلمة"