داحس والغبراء هي حرب من حروب الجاهلية، كانت بين قبيلتي عبس وذبيان، وداحس والغبراء هما اسما فرسين وقد كان "داحس" حصانا لقيس بن زهير، و"الغبراء" فرسا لحمل بن بدر، واتفق قيس وحمل على رهان قدره مائة من الإبل لمن يسبق من الفرسين، وكانت المسافة كبيرة تستغرق عدة أيام تقطع خلالها شعب صحراوية وغابات, فأوعز حمل بن بدر إلى نفر من أتباعه أن يختبئوا في تلك الشعاب قائلا لهم: إذا وجدتم داحس متقدمًا على الغبراء في السباق فردوا وجهه كي تسبقه الغبراء؛ ففعلوا وتقدمت الغبراء، وافتضحت المؤامرة فاشتعلت حرب بين عبس وذبيان عُرفت باسم "داحس والغبراء"، وكانت حربا ضروسا أكلت الأخضر واليابس اشتعل فيها أوار الجاهلية، ودامت تلك الحرب أربعين سنة وهي الحرب التي أظهرت قدرات عنترة بن شداد العبسي القتاليةَ. أمَا وقد لَبَّسَ علينا العالم الغربي فكرنا وشوَّش معلوماتنا وقيَمَنا فقد صارت الوسيلة لدينا غاية وصرنا نجتمع ونحتشد للمباريات، ولا نعبأ ولا نهتم بالبحث العلمي، ولا البناء والتنمية، ولا براءات الاختراع، ولا تنمية المواهب الفذة، غيرنا يبني وينمي من يسيرون في طريق البناء ونحن نصفق للسادة اللاعبين واللاعبات!! صار شبابنا يلهث وراء المبارايات فكل يوم مشكلة جديدة هنا وهناك بسبب هذه المباراة أو تلك حتى في تلك الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد ما زلنا عاكفين على مشاهدة هذه المباريات والاحتشاد لها، وكأنها صارت عقيدة لدينا ولدى شبابنا الذي ترك دراسته ومذاكرته وترك مصالحه، بل ترك الكثيرون أعمالهم وهربوا من أشغالهم حرصا على مشاهدة المباراة، فكم من مصالح عطلت وطرقات أغلقت وطبيب تأخر عن إسعاف مرضاه واجتماعات تعطلت وتأجلت بسبب إقامة مباراة هنا ومباراة هناك، الآخرون يبنون ويتقدمون ونحن ندفع مليارات الدولارات في شراء هذا اللاعب أو ذاك!! مع الوضع في الاعتبار أن الإسلام حث على الرياضة ودعا إليها كوسيلة للترفيه وتقوية البدن. ومن هنا لما عرف أعداء الأمة - سواء كانوا مندسين لصالح دول غربية، أو دول شرقية، أو كانوا عملاء للرئيس المخلوع وفريق الفساد القابع في طرة خلف القضبان - اللهوَ الذي يتعيش فيه الأمة المصرية هجموا هجمة شرسة عارية من كل إنسانية ورحمة، هجمة بربرية من لدن أعداء الإنسان أيا كان دينهم أو توجههم أو فكرهم، قتلوا شبابا في الريعان لم يعبئوا بصرخة أمة ثكلى ولا أنة قلب مكلوم، وراحوا هنا وهناك يشيعون الاتهامات. ولا نستبعد أن يكون من القتلة مَنْ هجموا على مبنى وزارة الداخلية وأعملوا القتل في جنود الأمن الذين يؤدون خدماتهم في حراسة الوزارة وتأمينها فهؤلاء أبناؤنا أيضا ولا ذنب لهم ولا جريرة كي يُضربوا أو يُقتلوا، إننا بحاجة إلى وعي وتوعية، ولا بد للداخلية أيضا من تحرك فوري للقبض على الجناة وكفانا أسلوب النظام القديم الذي يعتمد على صناعة المجرمين وتلفيق التهم للأبرياء وذلك بالقبض العشوائي على من يصادفهم والإتيان ببعض الأسحلة وعرضها مصورة بجوارهم هذه أساليب لاكتها أبصائرنا فلا بد من الجدية والفورية كي تشفى صدور أهالي الضحايا الذين سقطوا دونما ذنب أو جريرة ارتكبوها. لا بد من تقليص الاحتجاجات والاعتصامات كي تباشر الوزارة مهامها وكي ينشغل البرلمان بقضايا البناء لا حل المشكلات ومعالجة الأزمات التي تطفو على السطح، وكذلك لتفويت الفرصة على من يستغلون أي تجمهر أو اعتصام لتنفيذ مخططاتهم التي أُجِّروا لها من أجل تدمير مصرنا الغالية، حفظ الله مصر من مكروه وسوء إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه. المزيد من مقالات جمال عبد الناصر