يحكي أن قبيلتين من أكبر و أعرق قبائل العرب اقتتلتا بسبب فرسين (داحس و الغبراء)، حين تراهن صاحبي الفرسين علي أن الفرس الذي يسبق الآخر سيتولي صاحبه حماية قبائل المناذرة، فلما لجأ صاحب الغبراء الي الغش برد وجه الداحس كلما تقدم كي تسبقه الغبراء، اكتُشف الأمر، ثم قامت حرب بين عبس و ذبيان استمرت أربعين عاماً... جاهلية قبل الاسلام.. يحكي أن قبيلتي بكر و تغلب اقتتلتا لمدة أربعين عاماً فيما يعرف بحرب البسوس بسبب ناقة تملكها امرأة تدعي البسوس من قبيلة بكر، و قد قتل هذه الناقة كليب بن ربيعة أكبر شرفاء قبيلة تغلب، بعدها قتله رجل يدعي الجساس انتقاماً لناقة خالته البسوس، قامت بعدها حرب بين القبيلتين.. جاهلية قبل الاسلام.. يحكي أن حرباً قامت بين الاغريق و طروادة بسبب امراة تدعي هيلين اختطفها الأمير الطروادي باريس من زوجها الملك الأسبرطي منيلاوس، استمرت الحرب عشر سنين، و هنا يتسائل هيرودوت "هل من الناس من يصدق أن الطرواديين يحاربون عشر سنوات من أجل امرأة و احدة" (منقول عن الموسوعة الالكترونية ويكيبديا) يحكي أنه فى يوم 11 يونيو 1882 وقع شجار بين واحد من أهالى الاسكندرية وأحد المالطيين من رعايا الانجليز، كان المالطى هو البادئ بالعدوان..ودعونى أنقل ما كتبه المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعى عن هذه الحادثة المفصلية فى تاريخ مصر. يقول المؤرخ: "كان المصرى صاحب حمار استأجره المالطى وأخذ يطوف به طيلة النهار متنقلا من قهوة الى قهوة الى أن وصل الى شارع السبع بنات بالقرب من مخفر اللبان.. فطالبه المصرى بأجرة ركوبه فلم يدفع له سوى قرش صاغ واحد، فجادله فى قلة الأجر، فما كان من المالطى الا أن شهر سكينا طعنه بها عدة طعنات دامية مات على أثرها. هرع رفاق القتيل الى مكان الحادثة يريدون الامساك بالقاتل، ولكنه فر الى أحد المنازل المجاورة. وأخذ المالطيون و اليونانيون القاطنون بالقرب من مكان الحادث يطلقون النار على الأهلين من الأبواب والنوافذ،فسقط كثير منهم بين قتيل وجريح...فثارت نفوس الجماهير تطلب الانتقام لمواطنيهم، وتحركت طبقة الدهماء للاعتداء على الأوروبيين عامة، فأخذوا يهجمون على كل من يلقونه منهم فى الطرقات أو فى الدكاكين ويوسعونهم ضربا.. وكان سلاحهم فى هذه المعركة العصى والهراوات ليس غير. وانبث الدهماء فى المدينة يستنفرون الناس للقتال، ويوسعون من يلقونه من الأوروبيين ضربا بالعصى والهراوات حتى الموت. ونهبوا دكاكين شارع السبع بنات.. وامتد الهياج من هذا الشارع الى غيره من الشوارع التى يقطنها الأوروبيون أو يمرون منها، وكان الأوروبيون من ناحيتهم يطلقون الرصاص من النوافذ على الأهلين،وقد قتل من الجانبين خلق كثير. ومع اشتداد الهياج أدرك محافظ الاسكندرية خطورة الفتنة فطلب من قومندان الجنود بالاسكندرية ارسال مدد من الجند لوقف الهياج.. فتباطأ الأميرالاى المرابط برأس التين و القائمقام بباب شرق فى ارسال الجند فلم يحضروا الا فى الساعة الخامسة مساء، حيث قاموا بتفريق المتجمهرين وانتهت الفتنة، وساد المدينة سكون رهيب وانقضى الليل و الناس فى وجل وفزع. وقد اتخذ القناصل الأوروبيون هذه الحادثة ذريعة لمخاطبة ولاة الأمور فى العاصمة بلهجة شديدة طالبين حماية الأجانب وأموالهم فى البلاد." باختصار تطورت الأحداث بعد ذلك الى أن قام الأسطول الانجليزي بضرب الاسكندرية و احتلالها، ثم كانت هزيمة عرابى واحتلال مصر لمدة سبعين عاما. وبعد مئة وثلاثين عاما من هذه الحادثة تجرى فى امبابة أحداث تكاد تكون مطابقة لها فى الأسباب الواهية وردود الأفعال الهوجاء التى كادت تعصف بهذا البلد: اذ يحكي أن امرأة اسمها عبير حُرقت لأجلها كنيسة و قتل بسببها 12مصرى ما بين مسلم ومسيحى و أصيب أكثر من مائتين, ليتبين بعدها أن الكنيسة كانت تؤويها ولا تحتجزها و أنها ذات القصة القديمة عن امرأة مسيحية تريد الطلاق من زوجها و الزواج بمسلم...الخ... (جاهلية باسم الاسلام) و لو أننا بحثنا عن الشئ المشترك بين الحروب الثلاث الأولى السابق ذكرها، لوجدناها جميعا بدأت بقضية عادلة، فالأولي نصب و الثانية ثأر و الثالثة اختطاف و لكن العبث يكمن في رد الفعل غير المكافئ أو حتي المقارب للفعل، فجميع هذه القضايا كان يمكن حلها لو كان هناك عقلاء يردون الحق لأصحابه ويقتصون من الجانى بقانون يحتكم اليه و يحترم ،و لو احتكم البشر الي العقل بدلاً من الانسياق وراء المشاعر الهوجاء. ان حجم الضرر الناجم عن رد الفعل الأحمق اكبر بكثير من الفائدة المرجوة، و دفع الضرر مقدم علي جلب المنفعة! وينسحب هذا على الحكاية الرابعة التى أدت الى احتلال مصر وان كانت المؤامرة قد لعبت فيها دورا رئيسيا. ثم تجئ الحكاية الخامسة لتكون ردود الأفعال عليها مشابهة ان لم تكن مطابقة لما حدث منذ قرن وثلث القرن من الزمان. يحكي أن بنى اسرائيل بعد معجزة انقسام البحر و غرق فرعون، أتوا علي قوم يعبدون صنماً فسألوا موسي أن يجعل لهم صنماً مثله و كأنهم لم يقدروا حجم المعجزة التي من الله بها عليهم، فكفروا بها في أول الطريق.. فتمثلت شهداء هذه الثورة المباركة يؤنبوننا كما أنّب موسي قومه و اشتاكهم الي الله قائلاً: "بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ".. و كأني بحكماء هذه الأمة يشكون الى الله قائلين: "رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ" ان الأمر صار يستدعي منا أكثر من مجرد وقفة لأجل الوحدة الوطنية، لقد آن أوان أن نتحمل مسئولية جماعية عن هذا الوطن و أن يستشعر كل منا لأفعاله و أقواله أبعاداً أعمق من بعده الشخصي الأحادي ليفكر في تأثير فعله علي المجتمع و الدولة و الأمة.. وصدق من قال: معظم النار من مستصغر الشرر. يمني مصطفي محمود masr-restarting.blogspot.com