مع اختتام الأزهر والكنيسة عام كامل على تدريب 120 إماماً وواعظا وقسيسا في دورات التعاون والتكامل والتعارف فى إطار بيت العائلة المصرية ظهرت دعاوى مكثفة فى المؤسستين بضرورة تجديد الخطاب الدينى في مصر، لمواجهة التشدد والتكفير، وترسيخ ثقافة التعايش السلمي وقبول الآخر، والإقرار بحقه في ممارسة عقيدته وشعائره، والتعبير عن آرائه بموضوعية واحترام الثقافات المتعددة. ونحن بدورنا نتساءل: سبل تطوير الخطاب الديني وهل هو وقف على المساجد أم أن الكنائس أيضا بحاجة ماسة إلى إعادة صياغة خطابها الديني؟ وما الذي حققته هذه الدورة التي نظمها بيت العائلة بالأقصر وما محور الحديث في تلك الندوات وما هي التوصيات التي خرجت بها وكيف يمكن تفعيل نتائجها على ارض الواقع وما هي القواسم المشتركة بين الأديان التي يمكن البناء عليها وكيف يمكن أن يصل هذا الخطاب إلى الشباب في كل مكان؟
وحول الهدف من تلك الدورات يقول الدكتور محمود حمدى زقزوق، امين عام بيت العائلة المصرية ووزير الأوقاف السابق، إن تجربة تجديد الخطاب الدينى تأخرت كثيرا فى مصر وأنه تم القيام بخطوتها الأولى من خلال مشاركة أئمة وقساوسة فى دورات بيت العائلة المصرى المشتركة والتى كان من المفترض ان تكون من فترة طويلة. وشدد على أن هناك رواسب من العادات والتقاليد لا صلة لها بالإسلام والمسيحية ونريد أن نزيل الأتربة من صفحة مصر لتظهر واضحة من خلال التقارب والمشاركة المستثمرة فى تجديد الخطاب الديني. وأضاف: إن الأئمة والقساوسة لهم وضع معين وكلامهم فى الكنائس والمساجد له تأثير لدى جمهور المسلمين والمسيحيين المترددين على المساجد والكنائس، وكان من المهم ان يجلس القساوسة مع المشايخ ليثبتوا ان مصر ستظل بلد المحبة والأمن والأمان. والمصريون سيظلون ابناء وطن واحد ويعيشون على أرض واحدة وهذا يدعونا للتقارب، ولفت إلى انه كان بين القساوسة والمشايخ حاجز، وتم كسر هذا الحاجز من خلال دورات تدريبية فى تجديد الخطاب الدينى المشتركة. وأشار، إلى أن الأزهر أقام ولأول مرة احتفالاً لقساوسة ومشايخ تدربوا مع بعضهم البعض لنعلن ان هذه هى مصر لا فرق فيها من مسلم ومسيحى، ولابد أن نعمل معا حتى تعود مصر إلى عهدها السابق. استعادة دور الأزهر ويقول الدكتور محمود العزب مستشار شيخ الأزهر للحوار ومنسق بيت العائلة المصرية، كانت ثورتا يناير ويونيو بمثابة زلزال اخرج كل ما في أعماق مصر والمنطقة من سلبيات وأمراض وأسباب للتخلف والقهر والدكتاتورية وبدأت بوادر تغيير الواقع وكان الأزهر الشريف وفيه كثير من العلماء الوسطيين والأكاديميين يرصدون خلال نصف القرن الماضي عوامل الضعف في التكوين الثقافي والعلمي وعلوم الدين على وجه الخصوص وكانت الفرصة مواتية تماما قبل ثورة يناير بسنة تقريبا عندما تولى فضيلة الدكتور احمد الطيب مشيخة الأزهر وبدأ بإصلاحات ثورية حقيقية باسترداد المناهج القديمة التي كانت تدرس في الأزهر والتي يراعى فيها العمق والتنوع والتعدد والوسطية بمعناها الصحيح حيث تعرض كل المذاهب وتقف على مسافة واحدة ولا تكفر ولا تبدع ولا تقصي المختلف بأي حال وبدأت الإصلاحات في التعليم الأزهري قبل الجامعي وأنشأت فصولا خاصة ومعاهد خاصة كنواة لتعليم أزهري نموذجي يرعاه شيخ الأزهر بنفسه عن قرب وكانت الرابطة العالمية لخريجي الازهر والتي أنشأها شيخ الأزهر إحدى أهم قواعد التغيير والإصلاح للخطاب الديني على مستوى العالم. وبعد الثورتين اتضح أن الأزهر هو أكبر مؤسسة ثابتة في مصر والمنطقة وكان دورة في الحوار وجمع المثقفين من كل الأطياف رجالا ونساء شبابا وشيوخا مسلمين ومسيحيين ليتحاوروا تحت قبته وخرجت وثائق الأزهر ويعتبر مفتى الجمهورية الحالي ووزير الأوقاف الحالي كسبا كبيرا حيث أصبحا جناحين لمشيخة الأزهر ويتم التنسيق الدائم والتحليل والتغيير نحو الأصلح ومناقشة أمور الدعوة من مصدر واحد متكامل يعتمد الأكاديمية والوسطية بالدرجة الأولى وكانت القرارات التي أصدرتها الأوقاف جميعا هي إحدى ثمار الضبط العملي للخطاب الديني الإسلامي والتركيز على القيم العليا للإسلام وعلى إشاعة روح الوسطية والتعايش ورفض التكفير والتبديع والعنف والإرهاب. وأضاف: إن مشروع بيت العائلة الذي يجمع الأزهر الشريف والكنيسة الأرثوذكسية القبطية و3 كنائس أخرى (الإنجيلية والأسقفية والكاثوليكية) بهدف إلى استعادة النسيج الثقافي الوطني لمصر الواحدة بقيمها في التسامح والتعايش خلال التاريخ وقد اصدر الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء الأسبق في ديسمبر 2011 قرار اعتماد بيت العائلة المصرية مؤسسة أهلية مدنية غير حكومية ورئاسة بيت العائلة بالتناوب بين شيخ الأزهر وبابا الكنيسة الأرثوذكسية ومن أهم لجانه لجنة الخطاب الديني ولجنة التعليم اما عن لجنة الخطاب الديني ولها مقرر مسلم ومقرر مساعد مسيحي وهى تقوم بأكبر دور جاد وعملي وليس لقاءات وحوارات شكلية سطحية كلامية وإنما تجمع نحو 70 من الأئمة والقساوسة في دورات تدريبية كان آخرها التي عقدت في مايو الجاري بمدينة الأقصر وينتقي الأئمة والقساوسة من جهات مختلفة وتقدم لهم محاضرات ومناقشات حول القيم العليا والقيم المشتركة بين الأديان السماوية الصحيحة خصوصا بين الإسلام والمسيحية مثل قيم الحق والعدل والتقدم والكرامة الإنسانية بالإضافة إلى محاضرات حول المواطنة والتعايش وتاريخ مصر في التعايش وكانت هذه الدورة هي السادسة منذ البداية والثانية في سنه 2014. وأوضح، أن تلك الدورات تهدف الى استرداد الثقة بين الأئمة والقساوسة والإحساس الحقيقي بالمشاركة في وطن واحد له تاريخ عريق في التماسك وفي الخطاب الديني التسامحى، كما أن العيش معا 3 أيام بين الوعاظ والقساوسة في فندق واحد معا تجربة جديدة جديرة بالتأمل لأنه لا يمكن استرداد التسامح في الشارع دون أن يتمتع به علماء الدين الذين يصعدون للمنابر في المساجد وقساوسة الكنائس، أما لجنة التعليم فهي تدرس منذ فترة مناهج الدراسة لتتأكد من عدم اقتطاع نص من سياقه وخلوها من أي مواد تحمل الكراهية والاحتقان في المجتمع حتى نستطيع تربية النشء على قيم الرحمة في الإسلام والمحبة في المسيحية والتأكد من أن روح المواطنة والانتماء لا تعارض قيم الدين وهو حب الوطن من الإيمان. التعايش هو الحل وفي سياق متصل يؤكد الأنبا يوحنا قلته، النائب البطريركي للأقباط الكاثوليك وعضو مبادرة بيت العائلة، انه ينبغي ان يكون الأئمة والقساوسة على درجة من الكفاءة العالية وليس كل من لبس ثوبا دينيا يصلح للخطاب الديني بل هو الشخص الكفء ولا ينبغي ألا ينفصل الخطاب الديني عن الخطاب السياسي أو الموقف الوطني وليس هذا تدخلا في السياسة بل هذه هي رسالة الأزهر والكنائس لإيقاظ وعى الأمة بالواقع. وأضاف أنه لا يمكن لأمام أو قسيس أن يكون إماما دون أن تكون له ثقافة شاملة وان يكون عالمي الرؤية ويدرك وقائع الحياة وان الكرة الأرضية مدينة واحدة وان مصيرنا جميعا مشترك والتعايش هو جوهر العمود الفقري للتقدم الإنساني، ولا يمكن لأمة من الأمم أن تجد حلولا لمشاكلها دون معاونة الأمم الأخرى فنحن في اشد الحاجة لبعضنا شرقا وغربا ويجب أن يكون الخطاب الديني إنساني النزعة والثقافة مصري الرؤية والمستقبل موحدا لا مفرقا بانيا لا هادما متفائلا لا متشائما. وأكد الأنبا منير حنا رئيس الكنيسة الأسقفية بمصر أن مصر تواجه أزمة كبيرة بسبب الإرهاب والأفكار المتشددة الوافدة من الخارج ولا تنتمى للأزهر، وأصبحنا نسمع عن الفتن الطائفية، ولا احد يستطيع أن ينقذ مصر من هذا إلا من خلال أبنائها القساوسة والمشايخ، ونشر الفكر وليس بالأمن وفرض العقوبات. ومن المهم ان يحمل القسيس والإمام على عاتقه أن ينقذ مصر من الأفكار الغريبة والمتعصبة. وطالب بضرورة احترام اختلاف العقيدة وأن يضع الجميع يده فى يد بعض لأن مصر في أزمة بسبب الإرهاب والتشدد ولا يستطيع أن يخرجها الأمن والعقوبات ولا قوانين إرهاب، فالفكر لا يغيره إلا الفكر. مراعاة واقع المجتمعات وحول امكانية نجاح تلك المبادرة في إعلاء قيم المواطنة والتسامح وتجديد الخطاب الديني في المساجد والكنائس يرى الدكتور احمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، انه يجب أن يتجه الخطاب الديني إلى عدة أمور، أولا: مراعاة تطبيق التعاليم الربانية والهدى النبوي لتطوير المنهج الإلهي الذي انزله رب العزة على رسوله، صلى الله عليه وسلم، حين قال في كتابه العزيز:(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ). ففي هذا المنهاج كيفية الخطاب الديني لمن يجيدون البرهان فيكون بالحكمة وللعامة بالموعظة الحسنة وللمعارضين بالمجادلة بالتي هي أحسن، وهذا المنهاج يتسم بإيضاح الحقائق دون تشهير للناس بل بالأسلوب الذي كان يتبعه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هو عدم التشهير، ثانيا: مراعاة واقع المجتمعات وما تعيشه وما تحتاج إليه، لان ما يصلح لمجتمع لا يصلح لآخر. رابعا: التركيز على الحياة الآمنة المطمئنة لأنه دون أمان لا يستطيع أن يحيا الإنسان. خامسا: مشاركة مجتمعية بين المسلمين وسائر أتباع الأديان الأخرى والمذاهب المتعددة بحيث يكون الهدف وحدة الصف ورأب الصدع وجمع الكلمة، خامسا: التزام الخطاب الديني بالحقائق الصريحة من كتاب الله وسنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والبعد عن الأحاديث الضعيفة والباطلة والخزعبلات، وأن يقوم به أهله المتخصصون دون غيرهم تطبيقا لقول الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ . فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، وما ضلل الفئات الكثيرة من الشباب وضيعهم أنهم اخذوا القرآن عن حافظ من مصحف، واستمعوا إلى أقوام غير متخصصين فأخذوا العلم من غير أهله ونحن نناشد المجتمع في هذه الفترة الحساسة إلا يؤخذ العلم إلا عن أهله و لا يأخذ القرآن إلا من أهل القرآن ولا يؤخذ العلم إلا من العلماء. تدعيم قيم المواطنة ومن جانبه يقول الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم، عميد كلية أصول الدين بأسيوط، أن من ألزم الواجبات على رجال الدين عموما سواء كانوا من المسلمين أو من المسيحيين أن يعملوا على ترسيخ مفهوم المواطنة والمحافظة علي الوطن وهو من الأشياء التي لو فرط فيها الإنسان لكان في المفهوم الحديث قد ارتكب جريمة الخيانة العظمى، ويجب على رجال الدين الإسلامي ورجال الدين المسيحي التعاون في ترسيخ هذا المفهوم حتى ينشأ المسلم والمسيحي محافظا على وطنه ومؤسسات بلاده وان يعمل على حمايتها. وأضاف: من خلال تجربتي الشخصية في بيت العائلة المصرية بأسيوط، والذي يضم لفيفا من علماء الدين الإسلامي والمسيحي، قمنا بعمل عدة لقاءات وندوات في مراكز وقرى محافظة أسيوط وكنا نخاطبهم بهذا المفهوم وهو ترسيخ مفهوم المواطنة وبيان انه من خان وطنه فهو بمثابة من خان أسرته فالأسرة هي الوطن الأصغر ومصر هي الوطن الأكبر، وحتى نقوم بترسيخ مفهوم المواطنة لابد من فتح مراكز الشباب لأهل الدين لترسيخ القيم والمفاهيم الصحيحة بصورة دورية وفتح المدارس الإعدادية والثانوية لهذه اللقاءات، والعمل على توعية الطلاب خاصة طلاب الجامعات وبذلك يكون العلماء قد عملوا على تحصين كل مصري وترسيخ مفهوم المواطنة لديه.