قبلني ولدي مبتسما كعادته مستعدا للذهاب لفسحته الأخيرة، لم أشعر بقبلته هذه المرة، فأنا أبوه وقد ماتت أمه منذ عامين، نعيش صديقين نقسم بيننا أعمال البيت، نزور أمه مرة كل شهر، نبكي سويا ثم يضمنا الحضن، نجتر ذكرياتنا معا، هو وحيدي عمر وحينما يغلبنا الحزن نبكي ونبكي، ثم نتعاهد علي الرحيل من الدنيا سويا، فهل خنت عهدي ياعمر، لماذا أنت تموت وحدك، وماذا أفعل بحياتي يا ولدي، لم أكن أدري أنك بهذه الأنانية، لم تركتني إذن؟ قلت إنك ستعود مبكرا للعشاء سويا، بقي العشاء ولم تعد، من قتلك يا ولدي، فلترد علي، من المطعون فينا يا عمر؟ أنا أم أنت، من قتلوه هو أنا يا حبيبي، لماذا لا تحتضنني الآن يا عمر، أين قبلة صديقك العجوز التي أدمنتها منك يا ولد؟ أيوه ولد.. أنت فاكر نفسك كبرت ولا إيه.. ياعمر؟ ما لك تتمدد أمامي بلا حراك بلا أمل، امدد إلي يديك لأقبلهما، فمنذ ولدت وأنت تقبل يدي، امدد يديك لتحتويني كما كنت ياعمر، إياك وتركي وحيدا، مع الذكريات والصور.. ماذا أفعل بغرفتك.. ملابسك.. من سيختار لي ملابسي.. ومن سيمسح بيديه دموعي حين الألم، من سيقول لي بعدك لقد تأخرت يا أبي؟ من سيناديني بأبي ياعمر.. يا لقسوة قلبك يا ولدي، أتتركني وحيدا بعدما عودتني معني الحنان.. أخبرني قبل الرحيل لأنك تمتلك بحرا من المشاعر الطاهرة.. كن رحيما بأبيك ياعمر، أخبرني ما أفعله بقلبي الممزق بعدك ياعمر، فحب عمري أنت، أنت الزهرة والأمل، كيف أرد إليك جميل حبك يا عمر؟ دعني أقبل وجهك، دعني أرتمي بحضنك، لا اتركوه بين أحضاني أرجوكم، أنا أريد أن أقبل قلبه، ما هذه الدماء التي تنزف منك، إنها دمائي أنا، سألعق ما تبقي منها، ليست دماء ياعمر بل عمري الذي اندثر، ما هذا الاختبار القاسي ياربي، فلتستر ولدي، ما هذه الضربات المحفورة علي جسدك كله؟ أين كنت ياعمر؟ ما الذي فعلوه بك يا ولدي، يا ناس أين كان عمر، مالكم تتجمعون حولي، لست مجنونا أنا أعشق ولدي، لن تأخذوه مني، اتركوه معي.. لا لم يمت عمر.. هو غائب عن الوعي.. صدقوني سيفيق الآن، جئتموني بحبيب عمري جثة ماذا أفعل بها، لم يكن يخونني عمر، لم يكذب علي يوما يعود دائما بابتسامته العذبة المشرقة أين هي؟ ما هذا الفزع المطل من وجهه؟ ماذا فعلتم بولدي؟ أين معشوقه أبو تريكه أين بركات الذي كان يحدثني عنهما ،لماذا تلفون عمر بالعلم؟ لفد كان عمر يفتخر بتشجيع الأهلي، أنا لم أحترم وصية أمك يا ولدي، أنا لم أرع فيك شبابك وتركتك تذهب لموتك، ليتني أنا، ماذا أقول لأمك في زيارتي القادمة لها، من سيزورها معي، كفاك نزفا من دمائك، كفاك نوما وقم يا عمر، سأهزّك بشدة.. أتوسل إليك بحق من خلقك.. قم يا عمر، الناس بتتفرج علينا، لا لن أتركك، خذني معك.. من أراد أن يأخذ ولدي من حضني فليأخذني معه، فلا بيت لي ولا سكن، حبيبي عمر، بيتي وسكني، لا مأوي لي بعدك يا عمر، أنت مأواي وسندي الذي انكسر، أستحلفك بالله أن تقوم، أفعل شيئا.. حاول أن تشير إليّ كي أفهم أنك مازلت حيا، قل لمن حولي أنك لم تمت، هم لا يفهمون أنها غيبوبة وستقم، حاول يا ولدي حرّك يدك، أصبعك، أين الشهادة ياعمر، هاهي نيفين حبيبتك قد أتت.. فابتسم كما عودتنا، لماذا أنت متجهم لها هكذا، لماذا تصرخين يا بنيتي.. عمر لم يمت، مدّ إليها يدك يا عمر، هذه نيفين التي عشقتها.. وكتبت أشعارك لها في ليل الدجي، وقلت لي إنها من السماء أتت محبوبتك، هذه نيفين التي تغنيت بها، وحكيت لي عنها كما يحكي العاشقون حبهم، هذه نيفين يا عمر التي رزقك الله بها، هذه نيفين التي تحمل كأمك قلبا طاهرا، قم فموعدنا أنا وأنت ونيفين الآن علي العشا، فهل نسيت وعدك بأنك ستعزمنا يا عمر، ماذا بك إذن؟ لا تأخذيه مني بنيتي.. هو لا يحتمل قبلاتك الطاهرة، لا تصرخين بجانبه.. ولدي عمر حضني أنا، عمر حبي أنا، أحببته قبلك فلا تنزعيه من حضني، قبليه الآن بنيتي أراه يعاتبني قائلا أريد وداعها يا أبي، ولكنك لم تمت يا عمر، مالي أراكي تبكين بنيتي... لماذا تؤمنون كلكم بأن عمر ولدي انتهي، هو لم يمت ، فلتنادي عليه بنيتي.. هو يحبك صدقيني سيسمعك.. كنا نتنافس أنا وولدي عمر لإثبات من يستطيع امتلاك قلبينا معا، قل لها يا عمر عن المفاجأة التي كنت تعدها لها ، أخبرها بأنك يوما يا ولدي إلا وحدثتني عنها وأكبرتها، علام تبكين يا بنيتي؟ عمر لا يحتمل دموعك سليني أنا،لم يكن ولدي إلا متيما بك، ولدي لا بتحمل أن يراكي هكذا، عمر لم يمت سيحضرون الآن أطباء علي أعلي مستوي، فلننتظر.. ليست دموعي بنيتي، أنها سني عمري التي تنتهي، كان عمر يقول لي دائما إن مصر لا تنسي أبناءها، لماذا تأخروا.. ما هذا الضجيج المنتشر... لا تأخذوا مني ولدي عمر.. عمر لم يمت!! المزيد من مقالات أيمن عثمان