مراقبون: صحوات (اتحاد القبائل العربية) تشكيل مسلح يخرق الدستور    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    سعر الذهب اليوم في السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 4 مايو 2024    وكالة فيتش ترفع آفاق تصنيف مصر الائتماني إلى إيجابية    هل تقديم طلب التصالح على مخالفات البناء يوقف أمر الإزالة؟ رئيس «إسكان النواب» يجيب (فيديو)    استقرار سعر السكر والأرز والسلع الأساسية بالأسواق في بداية الأسبوع السبت 4 مايو 2024    تقرير: 26% زيادة في أسعار الطيران السياحي خلال الصيف    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر وتثبت تصنيفها عند -B    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر إلى إيجابية    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد لاستقبال عيد القيامة المجيد وشم النسيم    استشهاد فلسطينيين اثنين خلال اقتحام الجيش الإسرائيلي بلدة دير الغصون شمال طولكرم    أحمد ياسر يكتب: التاريخ السري لحرب المعلومات المُضللة    كندا توقف 3 أشخاص تشتبه في ضلوعهم باغتيال ناشط انفصالي من السيخ    حسين هريدي ل«الشاهد»: الخلاف الأمريكي الإسرائيلي حول رفح متعلق بطريقة الاجتياح    السودان وتشاد.. كيف عكرت الحرب صفو العلاقات بين الخرطوم ونجامينا؟ قراءة    تصريح دخول وأبشر .. تحذير من السعودية قبل موسم الحج 2024 | تفاصيل    سيول وفيضانات تغمر ولاية أمريكية، ومسؤولون: الوضع "مهدد للحياة" (فيديو)    مصرع 37 شخصا في أسوأ فيضانات تشهدها البرازيل منذ 80 عاما    رسالة محمود الخطيب لسيدات السلة بعد التتويج بكأس مصر    أول تعليق من الخطيب على تتويج الأهلي بكأس السلة للسيدات    فوزي لقجع يكشف حقيقة تدخله في تعيين الحكام بالاتحاد الأفريقي.. وكواليس نهائي دوري أبطال 2022    أول تعليق من رئيس مكافحة المنشطات على أزمة رمضان صبحي    طارق خيري: كأس مصر هديتنا إلى جماهير الأهلي    فريدة وائل: الأهلي حقق كأس مصر عن جدارة    سيدات سلة الأهلي| نادين السلعاوي: التركيز وتنفيذ تعليمات الجهاز الفني وراء الفوز ببطولة كأس مصر    ملف يلا كورة.. اكتمال مجموعة مصر في باريس.. غيابات القطبين.. وتأزم موقف شيكابالا    أمن القليوبية يضبط «القط» قاتل فتاة شبرا الخيمة    حالة الطقس اليوم السبت.. «الأرصاد» تحذر من ظاهرتين جويتين مؤثرتين    "التموين" تضبط 18.8 ألف طن دقيق مدعم و50 طن سكر مدعم بالجيزة    مصرع طفلين إثر حادث دهس في طريق أوتوستراد حلوان    احتراق فدان قمح.. ونفوق 6 رؤوس ماشية بأسيوط    لا ضمير ولا إنسانية.. خالد أبو بكر يستنكر ترهيب إسرائيل لأعضاء الجنائية الدولية    قناة جديدة على واتساب لإطلاع أعضاء "البيطريين" على كافة المستجدات    وقف التراخيص.. التلاعب فى لوحة سيارتك يعرضك لعقوبة صارمة    بالفضي والأحمر .. آمال ماهر تشغل السعودية بأغاني أم كلثوم    حظك اليوم برج الجدي السبت 4-5-2024 مهنيا وعاطفيا    استعدادات لاستقبال شم النسيم 2024: الفرحة والترقب تملأ الأجواء    شيرين عبد الوهاب : النهاردة أنا صوت الكويت    مينا مسعود أحد الأبطال.. المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    رشيد مشهراوي عن «المسافة صفر»: صناع الأفلام هم الضحايا    آمال ماهر تتألق بإطلالة فضية في النصف الثاني من حفلها بالسعودية    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    حدث بالفن| مايا دياب تدافع عن نيشان ضد ياسمين عز وخضوع فنان لجراحة وكواليس حفل آمال ماهر في جدة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    5 فئات ممنوعة من تناول الرنجة في شم النسيم    فريق طبي يستخرج مصباحا كهربائيا من رئة طفل    في عيد العمال.. تعرف على أهداف ودستور العمل الدولية لحماية أبناءها    حسام موافي يوجه نصائح للطلاب قبل امتحانات الثانوية العامة (فيديو)    بالصور| انطلاق 10 قوافل دعوية    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأثري الكبير د‏.‏جاب الله علي جاب الله‏:‏
الآثار أهدرت‏8‏ مليارات جنيه بلا إنجاز‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 03 - 02 - 2012

بعد أول محاضرة بقسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة‏..‏ أيقن الطالب جاب الله علي جاب انه لن يستمر في هذه الدراسة يوما‏,‏ وعزم علي الانتقال الي قسم اخر, فلما نصحه اساتذته باختيار قسم يضم عددا ضئيلا من الطلاب لكي يظهر ويتعرف عليه اساتذته بسرعة, وقع اختياره علي قسم الاثار, لتصدق النصيحة ويتألق د. جاب الله علي جاب الله ويصبح قامة اثرية, ليس فقط علي المستوي الاكاديمي, بل تولي مسئولية اثار مصر لخمس سنوات كأمين عام للمجلس الاعلي للآثار , تبعها بخمس مثلها كمستشار لوزير الثقافة لشئون الاثار.. لكل إنسان قصة حياة ومعظم القصص تكون ممتعة إذا رويت بشفافية وصدق, وقصة الدكتور جاب الله تبدو كذلك, فهو متسق مع ذاته.
ورغم ما تتمتع به شخصيته من صرامة وحسم, الا انه فاجأنا برهافة حس لامتناهية.. تغالبه دموعه كلما تذكر المحن التي مرت بها بلاده وهو بعيد عنها لايملك سوي مشاعر العجز وقلة الحيلة, وتؤلمه نفسه كلما جاء ذكر الولاد الذين قلبوا الدنيا وخرجوا بثورة غير مبالين بالموت.
ساعتان.. اقتنصناهما من وقت د.جاب الله استعرض فيهما ذكرياته وألقي الضوء علي المناطق المعتمة في تركيز شديد بأسلوب عرض الآثار المبهر, فالحاضر بمشاكله والرؤية الاستشرافية للمستقبل تستمد دائما من وجهة نظره زخما تاريخيا وجلالا يبعث الأمل في النفوس ويزيدها توهجا بجدارة العطاء لهذا الوطن العظيم الذي اعتاد عبر تاريخه علي أن يبهر العالم أجمع.
كانت هناك الكثير من الدعوات التي ترشحك وزيرا للدولة لشئون الآثار, فهل كنت ستقبل المنصب اذا عرض عليك؟
نعم علمت بتلك الدعوات, ولن اقول اني كنت سأرفض او اني اترفع عن المنصب, ولكن المشكلة كانت في الظرف الذي جاءت به الدعوة, وما حدث من تخبط كنت أتوقعه. الفريق احمد شفيق عندما استحدث وزارة, كنت ضد الفكرة, لأنها لن تقدم جديدا, بل ستؤدي الي تضخيم الجهاز الاداري علي حساب الموارد المالية المتاحة.
و تولي د. زاهي الوزارة, ثم جاء د.عصام شرف وضم الاثار من جديد للثقافة, فخرج شوية عيال من موظفي المجلس الاعلي للآثار المحسوبين علي د.زاهي, طالبين الفصل من جديد, ويتولي حواس الوزارة بعد اعادتها, ثم يتم الغائها ويتولي أمانة المجلس محمد عبد الفتاح, ثم خلفه محمد ابراهيم, فمصطفي محمد امين, فمحمد عبد المقصود, وهذا التخبط, لم يكن من المقبول لشخص- اسمحي لي- في سني و مركزي ان يتورط فيه, اضف الي ذلك- لاكون صادقا, بان حالتي الصحية لا تسمح لي بتولي منصب كهذا, فالامين العام للمجلس يسافر باستمرار, وأذكر انه في يوم واحد كنت في زيارة لابي سمبل صباحا, و في المساء كنت في الاسكندرية, و من سيناء الي الواحات الخارجة.. فهذا هو عمل الاثار, لهذا كنت سأظلم الوظيفة وكانت ستظلمني هي الاخري.
اذا عدنا معك الي الوراء, هل كانت تسعي لدراسة الآثار من البداية, ام ان الامر خضع للصدفة؟
نهائيا.. الاختيار كان براجماتيا تماما, فعندما التحقت بكلية الاداب بجامعة القاهرة, قسم الفلسفة, وحضرت اول محاضرة لم اطق تلك الدراسة, ولم أحضر اي محاضرات بعدها, وكان لابد ان انتقل الي قسم اخر, فنصحني الاساتذة باختيار قسم يتميز بقلة عدد الطلاب, فاخترت قسم الاثار الذي كان يضم6 طلاب, ثم انقسمنا ما بين اثار اسلامية, ومصرية, وهي التي تخصصت بها, وكنت الولد الوحيد ومعي اربع بنات, فكانوا ينادونني ب ديك البرابر!
بعد التخرج.. هل كانت عينك علي الجامعة ام سعيت للخروج الي رحاب أوسع؟
بعد تخرجي عملت أثري في مركز تسجيل الاثار, لمدة شهر و14 يوما!!, ولم يكن مقره في الزمالك, وانما كان ملحقا بالمتحف المصري. كان مركزا مميزا للغاية, حيث أنشأه الفرنسيون, وادارته شبه فرنسية فكان له وضع خاص بالنسبة لمصلحة الاثار, وكان من المفترض ان اعين معيدا بالكلية, لكن بسبب مشاكل مع د. عبد المنعم ابو بكر عميد الكلية آنذاك رحمه الله- اعترف أني كنت السبب فيها, وكنت استحق رفضه تعيينه, لكن طبعا حينها ناقما عليه, ولكني اكتشفت بعدها انه كان يعلمني درسا في التواضع والبعد عن الغرور.
المهم أني- رغم ذلك- عينت معيدا في الكلية, رغما عن أنفه, فاساتذة الاثار للاسف ليست علاقاتهم طيبة.
ما السبب ؟؟
احساسي انه حتي أتعلم بشكل جيد لابد من السفر, ولكثرة قراءاتي لكتابات توفيق الحكيم, ووصفه لفرنسا وعلاقاته بالفرنسيين, كانت اوروبا بالنسبة لي عالما سحريا به العلم والثقافة والنور, وتكوين الشخصية, فنشأ في ذهني انه لكي تكون شخصا لك أهمية لابد ان تسافر للخارج وتحديدا اوروبا, وبالفعل بعدما عينت معيدا جاءت لي فرصة السفر للخارج, وهنا أشير الي انه في عهد عبد الناصر, كان هناك فكر يسعي لاعداد اجيال تتحمل المسئولية, وكنا نجد في صحيفة الاهرام, اربع صفحات تحوي اعلانات بعثات للخارج في مختلف التخصصات, وكان من ضمنها بعثات للاثار, فقدمت في بعثة لكن لم تكن للجامعة وانما لمصلحة الاثار, واخترت انجلترا, حيث كان يوجد اكثر من قسم للاثار, في جامعات اكسفورد وكامبردج, ولندن, ومانشستر, لكن كان هناك واحد من أعظم الاساتذة في جامعة عريقة جدا في علم المصريات وهي جامعة ليفربول, و اسمه فيرمن, فخاطبته, وكان احد تلامذته في زيارة للقاهرة وطلب منه مقابلتي, فزكاني الاخير لديه, فوجدته يرحب بي ويطلب مني المجيء في اي وقت مناسب لي, فسافرت في3 مارس1963, ومكثت هناك حتي نهاية نوفمبر1967, وحصلت علي الدكتوراه.
بعد عودتك لمصر وقد حققت حلمك بالدراسة في الخارج, الي ما كنت تطمح؟
عندما عدت لم أكن بمفردي, ولكن كان معي زوجتي, واعتبرت ان الله لم ينعم علي فقط بحصولي علي الدرحة العلمية, وانما بزوجتي التي مر علي زواجي بها44 عاما, وعندما استرجع ذكرياتي الآن, اجد انها اهم بكثير من الدكتوراه!
المهم اني عندما عدت عملت في مصلحة الاثار, المفارقة اني عائد بالدكتوراه أي اعلي درجة علمية, وكان خريج الجامعة يعين علي الدرجة السادسة, فكانت تلك هي درجتي في مركز تسجيل الاثار, لكن اثناء سفري قام رئيس الوزارء علي صبري بتعديل نظام الرواتب, فأصبحت علي الدرجة السابعة!! اي في قاع السلم الوظيفي, فكان د. جمال مختار رئيس المصلحة- يشعر بالحرج ناحيتي, فتفتق ذهنه عن فكرة, وهو ان اكون محرر مجلة حوليات مصلحة الاثار التي أصدرها الاجانب عام1900,, لكن بعد خروج الفرنسيين من مصر بعد ثورة يوليو, تعثرت المجلة في مضمونها وشكلها ودورية صدورها, فطلب مني د. مختار ان اعيد للمجلة رونقها من جديد, لكن طبعا هذه ليست وظيفة, فقام بتعييني أمين مساعد المتحف المصري.
اي كان ذلك اول منصب تنفيذي تتولاه؟
نعم, وكان مدير المتحف حينها د.هنري رياض, وكان انسانا جميلا و شخصية راقية وذا ثقافة عالية, لكن كانت عيني علي الجامعة, وفي نفس الوقت, من شروط البعثة التي حصلت عليها ان اقضي ضعف المدة التي قضيتها في الدراسة, في الجهة صاحبة البعثة, بحد ادني سبع سنين, فساعدني د. جمال مختار, ووافق علي تركي المصلحة.. من ضمن أسباب حرصي علي الجامعة عامل مادي, حيث كان راتبي في المصلحة28 جنيها, وبالزيادة الخاصة بالدكتوراه, أصبح32 جنيها و25 قرشا شهريا, وكنت متزوجا, ووجدت بعد عناء شقة ايجارها30 جنيها, المهم اني بدأت عملي في الجامعة سنة1969, ومررت بالترقيات العادية من مدرس, فاستأذ مساعد, فاستاذ, فوكيل للكلية فعميد, والان أنا أستاذ غير متفرغ.
هل تغيرت اتجاهاتك نحو عبد الناصر بعد الهزيمة, مثلما انقلب كثير من المثقفين عليه؟
كانت عقيدتنا قوية جدا بعبد الناصر, فعندما قامت ثورة يوليو كان عمري13 سنة, فنحن من الجيل المؤمن به,, لم أصبح ضده لكني زعلان منه, ومازلت, لأن المعاناة التي تعيشها مصر منذ عهد السادات وحتي الان عبد الناصر هو المسئول عنها رغم كل انجازاته, وكان يجب عليه تأسيس نظام ديمقراطي, يستمر بعده, ويكون الشعب هو من يأتي بحاكمه.
كيف جاء توليك للمجلس الاعلي الاثار او كما كانت تسمي-الهيئة العامة للاثار-؟
كان رئيس هيئة الاثار د. أحمد قدري حتي عام1987, وكان شخصا نبيلا, نشيطا ومخلصا, وعاش ومات فقيرا, حتي انه لم يكن لديه سيارة, وكانت علاقتنا قوية, وعندما تولي فاروق حسني وزارة الثقافة, حدث صدام بينهما, فكان لابد ان تتم التضحية بالدكتور قدري, وبدأوا يبحثون عن رئيس جديد, وطرح اكثر من اسم كان من بينها اسمي, لكن المشكلة اني كنت حينها أقوم بالتدريس في الكويت, كما كنت محسوبا علي د.قدري, فلم يكن من المتصور ان يقبل الوزير الجديد بأن أعمل معه, ومرت السنوات وتم تعيين امين عام, و خلفه أمين عام آخر- لم يرغب في ذكر الاسمين- لكن الوزير لم يكن راضيا عن اداء ذلك الاخير, فكلمني صديقي د. جابر عصفور, الذي عين امينا عاما للمجلس الاعلي للثقافة بعد عودته من الكويت, وكان يثق الوزير به, فطرح اسمي للمرة الثانية, وزكاني لديه, وكلمني د.عصفور ليطلب مني الحضور الي مصر فورا لتولي المنصب, وطبعا لم يكن ممكنا لأن لدي التزاما تجاه الطلبة والكلية وكنا في منتصف السنة الدراسية, وراح المنصب حينها لصديق عزيز, فلما عدت من الكويت, عينت عميدا لكلية الاثار, وحدثت اتصالات بأن اترك العمادة واتولي المجلس, لذلك لم تطل فترة عمادتي للكلية ولم تتجاوز18 شهرا, وتوليت امانة المجلس في اكتوبر1997, وتم المد لي لمدة ثلاث سنوات بعد سن الستين, ثم عملت بعدها مستشارا لوزير الثقافة لشئون الاثار, لمدة خمس سنوات.
حدثنا عن تلك الفترة, واهم الصعوبات التي واجهتك, والمفاجآت- ان صح التعبير؟؟
رغم اني لم اكن اعمل حينها بالاثار لكن لم اكن بعيدا عنها, وأثناء عملي في الجامعة كنت عضوا في لجان الاثار, وكانت علاقتي قد تحسنت بالوزير فاروق حسني, فكنت احضر تقريبا كل المناسبات والسفريات التي لها علاقة بالاثار, فنزلت المناطق الاثرية, وبدأت ألمس المشاكل علي مدي سنة تقريبا, ولاتنسي ان من يعمل بالاثار هم اما زملاء او تلامذة لي, فلم يكن الجو غريبا علي, وكانت لدي خلفية عن الوضع في قطاع الاثار, والطموحات المطلوبة, والشخصيات التي يمكن العمل معها. كان في رأسي اولا مشروعات الاثار, ثانيا, كان لابد من وجود خطة محددة بميزانية وأشخاص للتنفيذ, بتوقيتات معينة. الهيئة في ذلك الوقت- كانت تنفق سنويا نصف مليار جنيه, و هي تهتم بثاني اهم شيء بعد النيل, فكان لابد من التخطيط لعملها, وهو العنصر الذي كان غائبا للاسف, ولاني لست متخصصا في التخطيط استعنت بأحد الاساتذة بكلية التجارة بجامعة القاهرة, وكان مستشارا ماليا كذلك, وكونا فريقا جيدا ووضعنا خطة عمل لمدة خمس سنوات, تضم المتاحف, والمناطق الاثرية و المواقع والحفائر, وتلك الاخيرة مقسمة لحفائر يقوم بها المصريون وأخري للاجانب, وهناك المخازن وتمثل مشكلة كبيرة, وهناك الموارد البشرية, وكان بها تضخما رهيبا, حيث كنت أشاهد جيشا من النمل يخرج من مبني المجلس في العباسية في الثانية ظهرا, في الوقت الذي تعاني فيه المناطق الاثرية من عجز في العاملين, فالكل يريد العمل في القاهرة. وجدت مشاكل متراكمة لمدة عشر سنوات, اي منذ ترك. قدري الهيئة,
لكني كنت محظوظا, فقطاع المتاحف تولاه شخص ديناميكي جدا وحريص علي عمله, هو الفنان د. أحمد نوار, وكانت لديه خطة للمتاحف القديمة وعددها22 متحفا, والمتاحف التي سيتم انشاؤها بحيث يكون في كل عاصمة محافظة, متحف وبدأنا في المشروع وبدأنا نجلب المهندسين, وبدأ العمل في متحف المجوهرات في الاسكندرية, ومتحف الفن الاسلامي, ومتحف رشيد, لكن للاسف لم يستمر نوار في منصبه, وتوقف القطاع,اما مشروعات الاثار, فتحتاج الي ترميم, وعددها مهول, فكل منطقة في مصر تحوي اثارا وتحتاج لعمل كبير, وملايين الجنيهات, والمشكلة ان الشخص الذي كان مسئولا عن قطاع المشروعات, لم يكن علي قدر المهمة فاستعنت بأحد اساتذة الجامعة, مهندس ولديه خبرة في السوق والامور المالية, وبدأنا العمل في عدد من المشروعات في ادفو وهيبس والقاهرة التاريخية وسور مجري العيون والتأمين الالكتروني لمنطقة الاهرامات, لكن للاسف تم التآمر عليه وترك المكان. المشروع الوحيد الذي تم أخيرا من بين المشروعات التي خططنا لها هو متحف الفن الاسلامي, و كنا قد وضعنا حجر الاساس لمتحف الحضارة بالفسطاط, وكذلك المتحف الكبير, الذي من المفترض ان ينتهي العمل به هذا العام, وانا اقول لك لو انتهي في2020 يكون معجزة!! وأقول لك أن الخطة التي وضعتها موجودة, لكن للاسف لم تكتمل.
اين هي إذن ولم لم تستكمل ؟
لابد ان نسأل أنفسنا, هل من يتولي المسئولية, يعمل من أجل الوظيفة ام تعمل الوظيفة من أجله, والفارق كبير, وهي مشكلة قاتلة في مصر.
ولا يوجد نظام رادع لأي شخص يستغل وظيفته؟
لاتوجد محاسبة في مصر من الوزير الي الغفير, خاصة لو وصل الشخص للاعلام, وحينها لا يعمل, لكنه يجعل الاعلام يظهرعكس ذلك, اذن فأنت تعمل, واذا عملت بالفعل, اذن فأنت لا تعمل!
كنت مع سفر الاثار المصرية للخارج, وتراها افضل دعاية لاثار مصر وحضارتها؟
نعم فهي تدر اموالا جيدة وفي نفس الوقت تحقق المجد لمصر, فيكفي مشاهدة, انبهار الاجانب لدي زيارتهم لتلك المعارض, لكن يجب الحرص عند اختيار القطع التي تخرج, فمثلا كنت ارفض خروج مقتنيات توت عنخ امون لكنها خرجت لاحقا..
ما أبرز المعارك التي واجهتها اثناء توليك المنصب؟
كان وزير الاسكان السابق د. محمد ابراهيم سليمان, قد تقدم مع محافظ القاهرة السابق د.عبد الرحيم شحاتة بمشروع لتطوير ميدان الازهر والحسين, يتضمن هدم مشيخة الازهر, صحيح ان المبني ليس قديما, لكن لم اكن ارغب في هدمه, وكنا حينها قد بدأنا العمل في مشروع القاهرة التاريخية, وكان المشروع يتضمن عمل نفق الازهر- وهي فكرة العبد لله- وذلك للتخلص من الجسر القبيح الذي كان موجودا, المهم انه حدث نوع من الصراع بيني وبين الدكتور شحاتة, وعندما عدت بحثت عن تاريخ المبني, وجدت عمره56 عاما, اي انه لم يكمل001 عام لتسجيله كأثر, لكن له قيمة تاريخية, حيث شهد احداثا تاريخية مهمة ويمثل نموذجا للعمارة الاسلامية الحديثة, ولهذا قمت بتسجيله اثرا, وعندما علم د. شحاته قال لي كده يا جاب الله, والله ما هتشوف الجنة.. هنعمل ايه دلوقتي؟ ودخلنا اجتماعا مع الرئيس السابق مبارك, وحدث احتدام في النقاش, وعرضت وجهة نظري بتحويل مبني المشيخة الي متحف للقاهرة, وقلت ان مدينة لندن يوجد بها متحف باسمها, فهل يعقل ان تكون مدينة عريقة كالقاهرة بلا متحف يسجل اهم الاحداث التاريخية بها وحياتها الاجتماعية التي شهدتها ونمزج به تاريخ الازهر, المهم لم يتمكنوا من هدم المبني, حيث كانوا سيتعرضون للمساءلة القانونية. ولم اكتف بذلك بل قمت ايضا بتسجيل فندق المينا هاوس وفندق كتاراكت بالاقصر قبل مرور مائة عام علي بنائهما لحمايتهما من الهدم.
امر طريف اخر اتذكره, عند افتتاح متحف قصر عابدين وهو التابع لهيئة قصر عابدين اي للرئاسة, تكفلت الاثار بالانفاق علي حفل الافتتاح, رغم اني قلت للدكتور زكريا عزمي ده تبعكم, الطريف انه حتي البنات اللاتي اتوا بهن لاستقبال الرئيس, تكفلت الاثار بمصاريف الكوافير الخاص بهن!!
مع ثورة يناير وما صاحبها من انفلات أمني, فقدت مصر عددا كبيرا من القطع الاثرية, تجاوز الالف قطعة, كيف تري هذه المسألة, وكيف يمكن استرداد ما سرق؟
هنا لابد من توضيح امر مهم, فأنا مع الثورة, فقد كنا قد وصلنا الي مرحلة لا نعلم الي اين نحن ذاهبون, و كانت هناك حالة من اليأس, والشباب كان يفضل الموت في البحر علي أن يعيش في بلده, و هناك بعض الشباب الذي اطلع علي العالم من خلال الانترنت وخرجوا بلا سلاح, وانما بصدور عارية- وهنا تغالبه الدموع من جديد- عندما يتذكر شهداء الثورة, ويذكر بالاسم سالي زهران. ويتابع: ما كنا لا نتوقعه ان يهرب الامن, ولا نعلم اذا كان عن عمد ام لا, فحدث الانفلات, والاثار عليها دائما العين,فأكبر شيء غير قانوني يجلب المال بعد المخدرات هي الاثار, ولهذا اذا تمكنا من منع تهريب المخدرات سنتمكن من منع تهريب الاثار,و اثارنا موجودة في كل مكان, حتي في المناطق السكنية توجد اثار تحت المنازل من عصر ما قبل التاريخ, من ناحية اخري هناك اثار في المخازن وهي غير مؤمنة, وكان د.قدري قد بدأ مشروع تحويل المخازن الي متحف, أي مخزن متحفي,يكون مؤمنا بكاميرات وبه معمل ترميم وتصوير, واعتقد ان لدينا تلك المخازن, والفضل يرجع للدكتور قدري, وليس لغيره مممن ينسبون تلك المشروعات لانفسهم.
هل ينطبق ذلك علي مخزن المتحف المصري ؟
لا.. الاثار مخزنة بشكل عشوائي, لكن المشكلة دائما تكون في المواقع الاثرية وليس المتاحف, فالمنطقة الاثرية لا رقيب عليها خاصة بعد غياب الامن, ثانيا, تهريب الاثار يشبه تهريب المخدرات, بدءا من الرجل ابو جلابيةس, وحتي المكان الذي يستقبل القطع المهربة في امريكا او اوروبا او اليابان,فهم يعرفون خط سيرهم جيدا وقيمة ما يهربونه وكيف ستخرج من البلاد,, وكل ذلك كان يتم في وجود الامن, فما بالك في غيابه؟؟ القاعدة أصبحت اكسر وادخل وشيلس يتم الحصول عليه يتم تهريبه بسرعة.
اما السرقة من المتحف فهي اصعب, لأن ما به من اثار مسجل, واذا تم الابلاغ عن قطعة مسروقة علي الانترنت سيتم العثور عليها, بعكس اثار المخازن والمواقع الاثرية لانها غير مسجلة فكأنها غير موجودة اصلا, وتباع دون خوف, ولهذا عندما سرق متحف كلية الاثار- وكنت حينها بالمستشفي- اول ما سألت عنه: هل تم الابلاغ عن مواصفات القطع المسروقة علي الانترنت, لكن للاسف الكل يقوم بالتعتيم سواء رئيس الجامعة او عميدة الكلية او مجلس الاثار, وقالوا انهما قطعتان صغيرتان في حين ان ما سرق نحو150 قطعة مهمة, وانا اعرف تلك القطع والتماثيل التي سرقت لاني عملت في بعض تلك الحفائر الخاصة بها وعمل بها اساتذتي مثل د.سامي جبرة, ود.عبد المنعم ابو بكر.
وبذلك يصعب استرداد تلك القطع المسروقة؟
طالما انه لم يتم الابلاغ عنها علي الانترنت, تباع في المزادات بسهولة, لكن اذا اعلن سيخشون الشرطة, والشيء المحزن هو التقليل من قيمة ما سرق, او محاولة التعتيم او انكار السرقة من الاصل, وللاسف من قبل مسئولين كبار. لو الجسم اصيب قم بعلاجه, لكن لو انكرت المرض, ستموت!
هل تصلك معلومات عن الفساد في قطاع الاثار, حيث المكافآت والسفريات للمقربين بلا حسيب او رقيب؟
ساخبرك بمعلومة واحدة وعليكم انتم البحث. عندما توليت المجلس في اكتوبر كانت الاثار مديونة ب115 مليون جنيه, بعدها بشهر وقعت كارثة الهجوم الارهابي في الدير البحري بالاقصر, وكان لدينا طموحات نسعي لتحقيقها من مشروعات وتطوير لمتاحف ورفع حوافز الموظفين, ومع ذلك سددنا ديوننا, وتركت المجلس في فبراير2002 وفي بنك الاستثمار مليار جنيه. ومؤخرا وبعد تولي د.محمد عبد المقصود امانة المجلس, صرح بانه قام بتحويل ملف المخالفات المالية الي النيابة, وقال ان الهيئة مديونة بمليار جنية؟؟ كيف؟؟ انا تركت مليارا, والمواسم السياحية في الفترة السابقة علي الثورة كانت تدر دخلا رهيبا, يصل الي6 مليارات, و هي مديونة بمليار, اي8 مليارات..,ولا يوجد اي مشروع جديد, فاين ذهبت؟؟!
هل تستفيد مصر بالقدر الكافي من اثارها في دعم السياحة ؟
هناك خطأ نقع فيه والاعلام هو السبب, فكلما تأتي سيرة الاثار تاتي سيرة السياحة, رغم انه لا يجب ان تكون بينهما علاقة, واذا لم يأت الاثر بالسياحة, لاتوجد مشكلة, ويجب ان يستمر الاهتمام ببغض النظر عن اي شيء, ولو تحدثنا بهذا المنطق, فالاثار المصرية هي التي تأتي بالسياح, اذن هل اهمل الاثار الاسلامية؟! المتحف المصري يستقبل40 مليون سائح في السنة, ومتحف الفن الاسلامي يستقبل40 الف, هل اغلق الاخير؟؟ فالنغمة التي تربط السياحة بالاثار تثير جنوني.
لكن أليس من المفترض ان تكون تلك الاثار سببا في زيادة الدخل للبلاد؟ فهناك بلاد لاتملك ما لدينا من اثار ونسبة السياحة بها اعلي؟؟
يقال ان لدينا ثلثي اثار العالم, وهو خطأ شائع, لدينا اثار مثل اي مكان في العالم, الكونغو بها اثار, لا يشترط ان تمر اربعة الاف سنة لنعتبر ما لدينا اثارا, تكفي مائة, ماذا عن الصين والهند وبلاد الشام والعراق, هل هناك من قام بحصر في الاثار في العالم كله؟؟! وعندما تكون السياحة اعلي في بلاد اخري, فهذا يؤكد ان السياحة لاترتبط اساسيا بالاثار, فمدينة باريس يزورها سنويا60 مليون سائح لانها مدينة جميلة, والسياحة انواع كثيرة منها سياحة العلاج والشواطئ والسياحة الطبيعية والسياحة الثقافية, وتضم المسرح والسينما والشوارع والاثار,والسياحة الثقافية تمثل ما لايزيد علي15% من حجم السياحة في العالم, فلماذا نترك ال85% ؟؟ هذا تفكير العاجز,وهو تفكير مصري صميم يعتمد علي مقولة من رضي بقليله عاش. ولماذا يرضي بقليله؟؟ هل تعلمي ان من أجمل مناطق العالم وتجلب سياحة لاحدود لها, هي رحلات السفاري في الصحراء الغربية, وهناك اصدقاء ياتون خصيصا من انجلترا لممارسة هذه الرياضة, وهناك سياحة السواحل والحمد لله انتبهنا لها اخيرا, فالبحر الاحمر يأتي بأموال أكثر من الاثار. وبالمناسبة سياحة الاثار لدينا هي سياحة المرة الواحدة.
اي ان فكرة التخطيط للاستفادة من الاثار في السياحة, ليست مسئولية وزير الاثار؟
لا بل مسئولية وزير السياحة. وزير الاثار له وظيفة محددة وهي ان يحافظ ويصون الاثار, قد يبدي رأيا فيما يخص السياحة, وهنا أقول ان السياحة احيانا تضر الاثار, فمقبرة تي بسقارة, اختفت نقوش وألوان جدرانها بسبب احتكاك السياح بها, واحيانا بسبب نقص الاموال نضحي بالاثر ونستقبل مزيدا من السياح لنتمكن من الانفاق علي الاثار.
بما انك لك اصدقاء من مختلف انحاء العالم, كيف يرون مصر الان بعد الثورة, وما مدي تأثير حالة عدم الامن علي رغبتهم في زيارتها؟
هناك حالة عن الانبهار والوله بالشعب المصري وخرجت مظاهرات في ميتشجان بامريكا شعارها امشي كمصريس ز مصرية, لكن ما نتيجة ذلك, من فاز بالثمار وخطف الثورة؟, الاخوان المسلمون لم يخرجوا الا عندما تأكدوا من نجاحها, والسلفيون حرموها لانها فتنة وخروج علي الحاكم.. لاشك ان الاعجاب بالشباب المصري مازال موجودا, لكنهم فقدوا اعجابهم بالثقافة السياسية للشعب المصري, كما لوكان لايستحق ما حدث له وضيع ما حصل عليه,- وتغالبه الدموع من جديد- عندي عشم اننا لم نخسر كل شيء بعد, علي الاقل من اجل من ماتوا.
وكيف تري حجم الاسلاميين وتصريحاتهم فيما يتعلق بالاثار والسياحة؟
لن يفعلوا شيئا, لكن الكلام نفسه يضر ويثير المخاوف, فلماذا يضحي السائح ويأتي اذن؟ المشكلة الان هي المزايدة علي التطرف,كل طرف يقول سوف اقوم بكذا فيزايد عليه الطرف الثاني ويقول بل سأفعل كذا..
أخيرا.. رسالة توجهها لتلميذك وزير الاثار د. محمد ابراهيم
د. ابراهيم شخص مجد ونظيف اليد وغير مسرف, وفاهمس..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.