لم أكن أود أن أشغل القارئ بتفاصيل أحداث مضت منذ سنين طويلة, لأنني ممن يذهبون إلي أن استخلاص الدروس من وقائع الدهر هو أبدع الزهور التي تفيد البشرية, ولكن ما العمل والبعض ربما لم يقرأ قول السيد المسيح, له المجد, في الإنجيل لماذا تنظر القذي الذي في عين أخيك ولا تفطن للخشبة التي في عينك, أم كيف تقول لأخيك: دعني أخرج القذي من عينك وها أن في عينك خشبة, أيها المنافق أخرج الخشبة أولا من عينك وحينئذ تتبصر أن تخرج القذي من عين أخيك.إنجيل متي الإصحاح السابع. ولقد يحاول السيد عبد المنعم سعيد أن يفتح ملفات تخص ثورة يوليو والحقبة الناصرية, وأحيانا تبدو معالجاته وكأنها حسبما هي لغة أولاد البلد تفتيق وهم يلفظونها مستبدلين بالقاف الأخيرة همزة تفتيء, ثم إنه يحاول أحيانا إثارة الإحن وإدماء ما قد يكون اندمل من جروح بين القوي السياسية, خاصة بين القوميين والإسلاميين الذين توصلوا علي مستوي الوطن العربي إلي لقاء مشترك سموه المؤتمر القومي الإسلامي, يشارك فيه الرموز والقادة والمفكرون من الطرفين, وانعقدت له دورات عديدة في السنين المنصرمة. من آخر محاولات السيد عبد المنعم ما كتبه في عموده اليومي ب الأهرام, وافتتحه بإشارة إلي الذين تم إعدامهم في الخمسينيات والستينيات من قادة الإخوان المسلمين, وذلك في معرض الدفاع المستميت عن مسجوني طرة, والسجين نزيل الجناح الفاخر في المستشفي الحكومي التابع لوزارة الدفاع, حتي لا تتم محاكمتهم في محاكم ثورية تنجز وتنهي!.. وفي هذا بالطبع يبدو السيد عبد المنعم معذورا, لأن هذا الباب, إن تم فتحه, فمن المؤكد أنه سيعبر منه آخرون غير نزلاء طرة ونزيل المستشفي إياه.. ومن المحتمل أن يمتد النداء الشعبي والثوري إلي محاكمة كل الذين شاركوا حسني مبارك وزوجته وابنه ولجنة سياساته تضليل الرأي العام وتولي مراكز لم يكونوا هم أولي الناس بها, وأيضا الحصول علي رواتب وميزات فادحة, بعضها ما زالوا يستفيدون منها حتي الآن, بحكم مواقعهم السابقة! ربما أيضا يمتد النداء الشعبي والثوري للقصاص من كل هؤلاء إلي فتح ملفات التعامل مع العدو الإسرائيلي, واستضافة الصهاينة علي حساب ميزانية مصر, سواء كانت ميزانية عامة أو ميزانية مؤسسة يملكها الشعب من خلال أحد مجلسي برلمانه, وحجم الأموال التي أهدرت في هذا السلوك الذي يكاد يجمع الشعب والثوار دعك من النخبة علي أنه سلوك غير مقبول, بل ويجلب الازدراء لصاحبه. ثم إن السيد عبد المنعم سعيد لم يلتفت إلي أن الأحكام التي نالها قادة إخوانيون تمت بعد محاكمات, وسمع فيها ادعاء وألقيت مرافعات, وأن بعض القادة الإخوانيين, الذين بقوا علي قيد الحياة, كتبوا في مذكراتهم وأدلوا بأحاديث عن بعض تفاصيل العلاقة المعقدة بين قادة يوليو وبين الإخوان, وكيف أن المعادلة وصلت إلي درجة أن من لا يتغدي بالآخر سيتعشي الآخر به!.. ومع ذلك فأنا معه في إدانة أي ظلم وقع لأي بريء, سواء كان إخوانيا أو غير إخواني. وكم تمنيت أن يحدثنا السيد سعيد بالحماس نفسه عن الذي حدث لزميله وزميلنا رضا هلال, وعن الذي تعرض له الزملاء جمال بدوي ومجدي حسين وعبد الحليم قنديل وعشرات من الذين كان يفتك بهم أمن دولة مبارك وجمال! أو عن الذي حدث لمنصور الكخيا.. وهذا كله من غير محاكمات لا طبيعية ولا ثورية ولا دياولو! لقد عرفت كل الثورات في العالم منذ ثورة العبيد في روما القديمة إلي الثورة الفرنسية والروسية وحرب الاستقلال الأمريكية وغيرها وغيرها صدامات وضحايا.. وكم يكون مضحكا لو أن أحدهم أراد أن يفتق أو يفتأ لعبد المنعم سعيد الليبرالي, بأن يذكر له أحداث الثورة الفرنسية ومذابحها ومقاصلها, ويقول له: تعال نتحاسب علي التراث الدموي لليبرالية! يا أستاذ يا دكتور.. أربأ بك أن تحاول الوقيعة بين تيارات سياسية استطاعت أن تتجاوز إحن الماضي, وأن تسعي للتعاون من أجل الغد, وخسارة أن تضيع مساحة يدفع لك الشعب المصري أجرك عن كتابتها في هذا الاصطياد غير المفيد. وبالمناسبة فإنني أكتب في هذه المساحة من دون أجر. المزيد من مقالات أحمد الجمال