اثبتت اعياد الربيع أن المصريين والعرب قادرون على دعم السياحة ومنعها من الانهيار وانهم يمثلون طوق النجاة لهذه الصناعة التى عانت على مدى ثلاث سنوات فقد دبت الحياة بفضلهم فى جميع المقاصد السياحية وارتفعت نسبة الإشغالات لتصل الى 100% فى منتجعات العين السخنة و80% فى الغردقة و85% بشرم الشيخ التى شهدت رواجا غير مسبوق هذا العام نتيجة لإقبال السائحين العرب اليها خاصة من لبنان التى وصل منها أكثر من 27 طائرة. وهنا اتحدث عن السياحة الداخلية التى وعلى الرغم من أهميتها فإن وزارة السياحة تتعامل معها ومع المصريين على أنهم «استبن» للسائح الأجنبى اذا ما قرر العزوف عن زيارة مصر- عندها فقط نجد الوزارة تطلق كل 24 ساعة مبادرة جديدة على غرار «اعرف بلدك- مصر فى قلوبنا» وتتفق مع شركة الطيران الوطنية والفنادق على أسعار خاصة طوال مدة هذه المبادرات وما إن تنتهى المبادرة حتى يعود كل شىء كما كان ويغلق الملف نهائيا. وفى المقابل اذا نظرنا الى دور وزارة السياحة فى الترويج للسياحة الدولية فى ظل هذه الأزمة نجدها تدفع مبالغ طائلة من أموال الدولة لدعم شركات السياحة الأجنبية من خلال برنامج دعم الطيران الشارتر- وفى اعتقادى ان هذا الدعم لن يؤثر ولن يؤدى الى زيادة حركة السياحة الأوروبية لأسباب عديدة أهمها عدم اطمئنان الحكومات الأوروبية للحالة الأمنية فى المقاصد السياحية- والأولى ان توفر وزارة السياحة هذه الأموال وتستغلها مثلا فى إنشاءٍ شبكة مواصلات مريحة للمقاصد السياحية المختلفة وانشاء شبكة طرق واستراحات آدمية تشجع المصرين على السفر خاصة لو علمنا أن المصريين انفقوا خلال العام الماضى فقط أكثر من 3 مليارات دولار على رحلاتهم الترفيهية الى دول أوروبا - منهم 1.8 مليار دولار على السياحة الدينية هذا بخلاف ما ينفقون على المشتريات والتسوق فى دول أوروبا- فى الوقت الذى تكبدت فيه السياحة خسائر العام الماضى فقط وصلت الى 5 مليارات دولار. وفى ظل ما نمر به من أزمات فإن مصر فى أمس الحاجة الآن الى هذه الأموال فهى أحق بأموال أبنائها لدعم اقتصادها من خلال دعم صناعة السياحة ويجب على وزارة السياحة ان تتولى المبادرة وتطلب من شركات السياحة «الطاردة» أن توقف تنظيم رحلاتها الى دول أوروبا لمدة سنتين على الأقل وان تستبدل برامج رحلاتها الخارجية بأخرى داخلية موجهة الى مقاصد مصر السياحية المختلفة لدعم الفنادق وقطاع السياحة الذى يئن وتطلب كذلك من المصريين القادرين عدم السفر الى اوروبا فى الصيف المقبل وان يسافروا الى داخل مصر والاستمتاع بأجمل مناطق الدنيا واجمل شواطئ فى شرم الشيخ والغردقة ومرسى علم وتطلب كذلك من وزارة التعليم تعديل فترات الإجازات لتشجع الأسر على اتخاذ قرار السفر وقضاء الإجازة بعيدا عن القاهرة وان تسهم شركات الطيران الوطنية بوضع اسعار تتناسب مع دخل الأسرة المصرية. وبالطبع لا ينكر أحد أهمية السياحة الوافدة باعتبارها رافدا مهما لتغذية خزانة الدولة بالعملة الأجنبية ولكن للسياحة الداخلية أهميتها لاعتبارات عديدة وأهمها انها تضمن على الأقل وجود نسب إشغال فى الفنادق والقرى السياحية تعين الإدارات الفندقية على سداد ما عليها من التزامات تجاه العمالة وبالتالى لا تلجأ الى الاستغناء عنهم وكذلك سداد مديونيتها للبنوك والضرائب وهذا ما تؤكده ايضا التقارير الصادرة من منظمة السياحة العالمية والتى أثبتت أن دخل السياحة الداخلية يصل لأضعاف الدخل من السياحة الدولية. وكانت الدكتورة عادلة رجب المستشار الاقتصادى لوزير السياحة قد كشفت عن المشكلات التى تواجه السياحة الداخلية بمصر ومن بينها ارتفاع أسعار الإقامة فى الفنادق وهى أهم المشكلات التى تواجه الأسر المصرية عند اتخاذهم قرار القيام برحلات سياحية محلية، يليه عدم توافر وسائل النقل بصورة منتظمة للأماكن التى يرتادها السائحون مما يرفع من تكلفة الرحلة على الأسرة المصرية فى ضوء إمكانياتها المحدودة. وقد أكدت العديد من الدراسات ان تشجيع السياحة الداخلية له مردود اقتصادى يتمثل فى زيادة نسبة الاشغال الفندقى، مما يساعد على الحفاظ على العمالة المدربة الموجودة زيادة حصيلة الضرائب بكل أنواعها وإيجاد فرص عمل مباشرة وغير مباشرة مرتبطة بصناعة السياحة خاصة ان الرواج السياحى يؤدى بالضرورة الى رواج أكثر من 27 صناعة إخرى - وله ايضا مردود سياسى يتمثل فى تنمية شعور الانتماء لدى المواطن والاعتزاز بتراثه والشعور بجمال الوطن وجاذبيته مما يحفز الرغبة فى الحفاظ على الوطن وتأكيد الولاء له. لا أعرف لماذا لا تسرع وزارة السياحة فى اتخاذ خطوات نحو دعم السياحة الداخلية خاصة ان منظمة السياحة العالمية كشفت ان إسهام السياحة المحلية فى الاقتصاد أكبر بكثير من السياحة الوافدة خاصة فى الدول المتقدمة وتشكل ما يقرب من 5 أضعاف السياحة الدولية وقد ضربت منظمة السياحة العالمية فى تقريرها العديد من الأمثلة لتثبت ان السياحة المحلية هى بمثابة القوة الحقيقية لهذه الدول فمثلا الولاياتالمتحدةالأمريكية يصل حجم إنفاق السياحة الداخلية الى 7 أضعاف السياحة الوافدة وكندا وفرنسا الى الضعفين وفى اسبانيا والدنمارك وجنوب افريقيا تتساوى السياحة الداخلية مع الوافدة فى نسبة الإنفاق. إذن فكل الدراسات والتقارير الصادرة من المنظمات الأكاديمية ومنظمة السياحة العالمية أكدت ان السياحة الداخلية هى الضامن الرئيسى لاستقرار صناعة السياحة فى أى دولة وانها تسهم فى الدخل القومى بنسبة تفوق ما تسهم به السياحة الوافدة. وزارة السياحة المصرية مدعوة بشدة لفتح هذا الملف فى إطار منظومة متكاملة تشارك فيها كل مؤسسات الدولة وتوفر جميع النفقات غير الضرورية من ميزانية التنشيط لدعم كل ما هو مطلوب لتنشيط السياحة الداخلية.