أبي رحمه الله كان يردد علينا طوال أعوام طفولتنا الرائعة الكثير و الكثير من المعاني و القيم النبيلة يغرسها أمامنا و يربطها لنا في نسج شبه مرئي بالمستقبل بأكرم الأحاديث الدينية ، لتحيا بداخل أرواحنا ، و لكني وقتها لم أستطع إستيعاب أهمية الحث و التكرار الدائم علي تلك التفاصيل ،وذلك لأنني كنت أري الدنيا في أبهي صورها تحت جناح أبي ،بحياة تسودها المحبة و الهدوء و الطمأنينة و أيضاً حسن النوايا في كل الأخرين ،فأعتقدت أن لا حاجة لي من التروي و الحذر ،لأندفع نحو توقعات منتظرة أرسم خطوطها لغد لن يقل ملامحه عن ما قد تألفت عليه ، أما اليوم .. و بعد أن باعدت السنوات بين ما كنت أعرفه و ما أتوقعه ، بكم متزايد من التهاوي في تبدل شديد العنف لما يحيطنا بالمجتمع و الأشخاص و حتي المعايير التي من خلالها تقاس الأمور و تُصبغ بصفاتها ، لأجد خرانة ذكرياتي فُتحت من تلقاء نفسها لتصد عني العديد من مشاهد الغربة التي تغلفنا جميعاً هذه الأيام بين كلمات و ردود أفعال و تصرفات تفوق الطعنات و وأد لكل الحريات ! ،لأتفاجأ بعقلي يشتد بمخزونه الأَمن من الأحاديث المستنيرة علي مر الأزمنة ، و من بينها يستوقفني كثيراً "حديث الرسول الكريم صلي الله عليه و سلم : "تأتي زمان علي أمتي القابض علي دينه كالقابض علي جمره من النار " ، صدقت يا رسول الله ،فجئت خاتم للأنبياء و لتتمم مكارم الأخلاق التي تعرضت لقسط كبير من الهدم و الإنهيار و نحن نشاهد تلك السقطات كشهود عيان بكل حواسنا ومصادر أدراكنا بعقل جعله الله لنا ليميزنا عن باقي المخلوقات في إرتقاء بالأخلاق و التعاملات و كأنها جوهرة التاج النفيسة و التي من أجلها جاءت كل الأديان السماوية ، فغفلنا عن المضمون و أمسكنا القشور لتعم الفوضوية كل شيء ،حتي كلمة قانون الغابة لم تعد دقيقة الوصف فالغابة لاتزال تحمي صغارها و تحترم كبارها و تعيشون كالأهل بتراحم دون حاجة للعقل الذي يساء أستخدامه لتدمير الأخر و نشر مشاعر الكره و الحقد ، لكن رغم كل تلك المشاهد البائسة أعود لرؤية الضوء فيذكرنا بأجمل القيم الأخلاقية ،التي تحملنا علي جسر الأمان فيعبر بنا فوق المعترك اللإنساني المتخفي وراء وجوه شبه بشرية.