المرأة الطيبة أرض مثمرة، إن صح زرعها فذلك من حكمتها، وان خاب فحتما تتحمل وحدها فاتورة الإهمال والخسارة وتجنَّي الزُوج القادر «المتحكم». العذاب امرأة مقهورة في بيت أبيها سلفا، منكسرة لدي زوجها وولي أمرها خلفا، قدرها ألا ينطق لسانها في بيت الطاعة سوي بكلمة سمعا وطاعة، تنتظر عدلا وإنصافا وغدا لا يأتي أبدا. وجيعة المرأة رجل مارس عليها القهر والسيادة والهيمنة والسيطرة. ومارست هي عن قصد أو دونه وهي تعد نشأها التمييز ضد أبناء الرحم الواحدة بنين وبنات، وكرست لدي الابن الذكر ثقافة »سي السيد« الآمر الناهي الحاكم بأمر الله في شئون المرأة أختا وزوجة وفي بعض الأحيان أما.
للأسف تدفع مصر فاتورة عنائها وشقائها لأجل ثقافة ذكورية تحكمت وحكمت فكر وعقل المرأة والرجل معا علي مر السنين.. الأعراق الطيبة صنيعة امرأة والأعراق الهزيلة صنيعة امرأة. هي كل الوجود إن أحسنا إعدادها، أعددنا شعبا طيب الأعراق.. الدمار والشقاء امرأة ذاقت القهر ومرارة العيش منذ نعومة أظافرها. ماذا تنتظر كثيرات من النساء لم يكن يتصورن أن الزواج سيحمل إليهن هما وشقاء وعناء كبيرا. فها هي المرأة زوجة وأما وامرأة عاملة ومدرسة لأطفاله وخادمة إن صح التعبير. نعم يصح! دورها الأساسي إعداد الجيل.. كيف ستعد هذه المرأة المطحونة في كل هذه الأدوار الأجيال القادمة؟ الزواج سكن وطمأنينة ومودة ورحمة كما قال المولي عز وجل. لكن علي أرض الواقع من يتقي الله في القوارير، في الضعيفة مهيضة الجناح التي تحتاج دائما إلي الحماية من الرجل أبا وأخا وزوجا وابنا. بيد أنها هي من فعلت هذا بنفسها منذ البداية وجعلت من غالبية بيوت المصريين قنبلة موقوتة تهدد بالانفجار في كل وقت.. وجعلت كثيرات من النساء يرقدن في بيوتهن علي قدر يغلي من الألم والعذاب والعيش كرها وطوعا لأجل أبنائها الصغار. ومهما قدمت لها الأديان السماوية من سبل للحماية، للأسف الشديد لن تهنأ المسكينة, لأنها تعيش مستهدفة من أعداء الحياة، الذين لا يعلمون أن الوجود رجل وامرأة، آدم وحواء.. شريكا حياة، معا يصنعان المستقبل. يحاول الملف التالي الوقوف علي الأسباب والظروف والتداعيات التي تؤدي إلي توتر واحتقان العلاقة بين الرجل والمرأة لعلنا بذلك نساعد المرأة الجديدة علي تغيير منظومة القيم الثقافية الموروثة وهي تعد منشأها الجديد للحياة ، باعتبار أن أطفالها الذكور والإناث متساوون في الحقوق والواجبات. تقول الدكتورة نجوي الفوال بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية: قضية المرأة في مصر والعالم العربي عموما قضية ثقافية بالأساس، بمعني أن الاتجاهات النفسية والاجتماعية نحو المرأة غالبا لا تكون في صالحها. وغالبا ما تكون المرأة تحت المجهر سواء فى العمل أو في محيط الأسرة، وبالتالي تشعر المرأة بأنها في الموقف الأضعف علي العكس من الرجل، وهي مطالبة باستمرار بالدفاع عن نفسها برغم أنه ثبت بالفعل أنها قادرة علي القيام بالأدوار التي حباها الله بها لأن دور الأم «متعة», وفي نفس الوقت مطالبة أيضا بإثبات قدرتها علي القيام بالدور العام سواء في العمل أو في خدمة الوطن. وتاريخ مصر ملئ بالنماذج »الدرر« في تاج العلاء المصري. سي السيد وتضيف: في الستينيات والسبعينيات كانت مصر هي الباب الذي تهب منه رياح التغيير علي القارة الإفريقية والعالم الثالث والعالم العربي. كانت هذه الرياح تتمثل في إعطاء المرأة قدرها وتمكينها من القيام بالدور العام الذي يجب أن تقوم به.. ولكن بدءا من الطفرة النفطية في العالم العربي وسفر العائلات المصرية سعيا وراء كسب العيش استوردوا معهم ثقافة البدو فعادت ثقافة »سي السيد« لتعيش فينا مرة أخري. وبدأت الثقافة المصرية تفقد بريقها وقدرتها علي التنوير بدأت الأمراض الاجتماعية الناشئة عن ثقافة مستوردة تنتشر في المجتمع المصري وبدأ الحديث مرة أخري هل تخرج المرأة للعمل أم لا؟ كما ظهرت دعوات في البرلمان المصري تطالب بعودتها للبيت وإعطائها نصف المرتب حلا لأزمة البطالة. الأخطر من ذلك هو وجود أجيال جديدة من الشابات لا يدركن قيمة ومعني المكتسبات التي حصلت عليها أمهاتهن، فأصبحنا نري نسبة كبيرة من الشابات الحاصلات علي أعلي الدرجات العلمية يخترن طواعية الجلوس في البيت. وتشير إلي ضرورة أن يتم حل مشاكل المرأة حلا ثقافيا بشكل أساسي وذلك بتعديل اتجاهات المجتمع بشأنها وهذا ما تم في الخمسينيات والستينيات، حيث كانت هناك ثقافة داعمة للمرأة. علاوة علي تسليط الضوء علي النماذج القدوة للمرأة وفتح مجالات العمل وإعطائها حقوقها السياسية. ومن غير المقبول أن مجال القضاء مغلق في مصر أمام المرأة بينما المرأة تقلدت منصب القضاء في مجتمعات علمتها مصر معني حقوق المرأة. وللأسف الشديد نري الآن نوعا من الخلل الاجتماعي في العلاقة بين الرجل والمرأة هذا الخلل أنتج حوالي 30% من الأسر المصرية تعولها المرأة، هذا ليس بسبب فقدان الزوج في كل الأحوال، فعادة ما يكون الزوج عاطلا وتقوم المرأة بالعمل في القطاع غير الرسمي كي تنفق علي الأسرة »خدم المنازل«. وهذا الخلل أيضا موجود في ظاهرة من أسوأ ما يكون وهو هجر الزوج لزوجته وأولاده. وتضيف الدكتورة نجوي: للأسف الشديد معظم الأجيال الجديدة لم يتم تنشئتها علي تحمل المسئولية باعتبار أن الله كرم الرجل، فالرجال قوامون علي النساء بما ينفقون. لهذا ينبغي تعظيم الإحساس لدي الأجيال الجديدة بمسئوليتها عن الأسرة وقدسيتها, وأنها نعمة من الله يجب الحفاظ عليها، وأنها مسئولية أمام الله عز وجل «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته». وتنتهي بأنه ينبغي علي مؤسسات الدولة المعنية بشئون المرأة ألا تجذبها الأجندة المفروضة علينا من الخارج مثل التحرش، التمسك بحصول المرأة علي الحقوق السياسية كالكوتة وكلها قضايا مهمة، وإنما يجب علي هذه المؤسسات أن تعمل علي مستوي أعمق من هذا وهو إصلاح الخلل الاجتماعي الثقافي القائم في العلاقة بين الرجل والمرأة. ويقول الدكتور عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ بكلية الآداب جامعة حلوان: هذه النظرة الدونية للمرأة موروثة في مجتمع الرجل منذ بداية البشرية حيث إن المعتقد الذي سيطر علي الرجل أنه يخرج للصيد، للحرب، للعمل، والمرأة تختص بشئون البيت وظلت هذه النظرة القديمة المتوارثة جيلاً وراء جيل، تاريخا عن تاريخ. ويتبادل الناس أقوالا تؤكد هذا الرأي ويؤكدون في بعض المواقف »النساء ناقصات عقل ودين«.. المرأة سبب خروج آدم من الجنة.. المرأة خرجت من ضلع آدم بما يعني تبعيتها, بينما واقع الحياة يؤكد أنه لا خلاف بين المرأة والرجل. هي تفكر وتعمل حسب الظروف وتواجه نفس التحديات وفي بعض البلاد، وضعت الظروف امرأة علي رأس المجتمع ونجحت. المطلوب هو تربية الرجل علي أن يتعلم أنه لا خلاف بينه وبين المرأة. إلا في النوع وهو نوع مكمل. كل منهما يكمل الآخر. فلا الرجل يصبح رجلا بدون امرأة ولا امرأة تصبح إمراة بدون رجل. ويعلل: قاسم أمين المشهور بتحرير المرأة الذي أعادت تربيته الأميرة ناظلي فاضل ابنة أخ الخديوي إسماعيل. حيث كان لها صالون ثقافي بمنزلها في أواخر القرن ال19 يضم صفوة من المثقفين مختلطة من النساء والرجال. هذا الصالون كان يحضره سعد زغلول، محمد عبده، فاطمة اليوسف. في هذه الأثناء كان قاسم امين يكتب ضد المرأة في صحيفة »المؤيد« لصاحبها الشيخ علي يوسف. وكان قاسم أمين يكتب ضد المرأة لأنه محافظ بطبيعته، فاستاءت الأميرة من مقالاته وطلبت من الشيخ محمد عبده باعتباره صديقا لقاسم أمين أن يدعوه لحضور الصالون فذهب قاسم أمين لصالون الأميرة ناظلي ..وفي الصالون ناقشته وفندت أقواله وأفكاره وخرج من هذا اللقاء يكتب »تحرير المرأة« و«المرأة الجديدة« في عام 1899.وبهذا استطاعت الأميرة ناظلي تربيته. كذلك ساعدت الظروف شخصية مثل هدي شعراوي وصفية زغلول وهما من صفوة المجتمع لتقودا تحرير المرأة وعدم ارتداء الحجاب لأنه حجاب اجتماعي، وكان ارتداؤه يقتصر علي سيدات الطبقة العليا بالمجتمع. ثقافة ذكورية يقول د. كمال مغيث الباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية: للأسف الشديد نحن نعيش في ظل ثقافة ذكورية، فصامية، استغلالية، انتهازية. وأثبتت الدراسات أن المرأة في الريف مثلا تعمل في موسم الحصاد ما لا يقل عن 17 ساعة أما في الأيام العادية فلا تقل مدة عملها بأي حال من الأحوال عن 15 ساعة. وللأسف الشديد، رأت المرأة عصرا ذهبيا وحيدا في حياتها قبل الملكية الخاصة في مراحل المشاع باعتبارها هي التي تجدد دم القبيلة، ولا يعرف الرجل شيئا عن دوره في عملية الإنجاب. وبعد اكتشاف الملكية الخاصة والأسواق، أجبرها الرجل علي الجلوس في البيت وبدأ يمنع عنها ملكاتها العقلية والفكرية. وجاءت بعض الأديان وكرست وضع المرأة في مرحلة دونية ونحن نعيش في هذه الثقافة التي قللت من قدر المرأة، تزامناً هذا مع مجتمع مأزوم مزدوج المعايير. لكن ثورة يناير قدمت ما يساعد علي الانعتاق من هذا النفق المظلم. ونحن الآن بحاجة للعمل، لأن الأمنيات لا نجدها ملقاة علي قارعة الطريق، لكنها تحتاج إلي عمل مضن لمثقفين وقانونيين محترفين. قيم جديدة تقول د. نادية حليم الباحثة بمركز البحوث الجنائية والاجتماعية: يعد وضع المرأة جزءاً من ثقافة دولة تضع علي المرأة أعباء إنجابية وإنتاجية. وبرغم الضغوط والأعباء الثقيلة الملقاة علي عاتقها، تقوم بأدوارها بلا تقصير دون أن يقدم لها المجتمع أي دعم. وفي الماضي كان عليها أن تقوم بأدوارها الإنجابية وعلي الرجل الإنفاق. تغيرت المنظومة. فهي تقوم الآن بأدوارها الإنجابية والإنتاجية وهي إما منفق رئيسي أو مشارك. وأننا بحاجة إلي منظومة قيم جديدة تتيح للمرأة التمتع بكل الفرص منذ نعومة أظفارها كما يتمتع بها الرجل، وعلي الأسرة أن تنشئ الفتي والفتاة علي هذا المفهوم وأن تحظي الفتاة بنفس الاهتمام الذي يحصل عليه الطفل الذكر. وعلي المدرسة كذلك أن تكمل المسيرة بدعم ذات القيم في الكتب المدرسية. بالطبع يدعم هذا خطاب ديني واع ومستنير وإعلام يتفهم كي يعرض ويعالج هذه القضية..فالمرأة هي إفراز لثقافة هذا المجتمع ورسم في ذهنها أن هذا دورها وأن المجتمع لا يقبل منها سوي هذا الدور. وهو الذي أقنعها بأن أهميتها في الحياة مرتبطة بهذا الدور وهو ما تكون في وعيها. وتوضح الدكتورة نادية أن: المرأة الجديدة التي تعلمت وعملت ليس من السهل أن تقبل أي زوج لكنها تتطلع إلي شريك حياة يتفهم احتياجاتها المعاصرة فان لم تجد هذا الشريك فقد تظل بدون زواج وان تزوجت وأصطدمت بواقع مختلف فستظل في حالة خلاف دائم معه خاصة أن لم تستطع التوصل معه إلي قناعات فحتما ستصل إلي الطلاق. ظلم عام وتقول د. صافي ناز كاظم: لا أوافق علي التعميم وأرفض تقسيم المرأة والرجل إلي معسكرين. لكنني مع فكرة أن هناك »ظلما عاما« كأن يظلم الرجل امرأته ويظلم الحاكم شعبه. وقديما كان هناك غبن حقيقي للمرأة وكانت قضايا المرأة مطروحة في مطلع القرن العشرين وتصدت رائدات للعمل النسائي كالأديبة مي زيادة، وملك حفني ناصف، ونبوية موسي والتي ألفت كتاب »حق العمل«. وبلغ هذا النضال أوجه في عام 1956 عندما حصلن علي حق التصويت وكانت نائبات مثل راوية عطية وأمينة شكري، وقويت شوكة السيدات تدريجيا. لكن مهما تعرضت المرأة للقهر والظلم، إلا أنها تستطيع بذكائها التحايل علي جبروت الرجل.