أعادت أحداث أسوان المؤسفة فتح الحديث عن الفقر والبطالة ونسبهما فى مناطق مصر المختلفة خاصة فى صعيدها. فُتِحً الحديث الممتد وكأننا نتعرف على حقائق جديدة لم نكن نعيها قبلا، بالرغم من تكرار هذا الحديث مرات ومرات، ليس فقط فى الشهور الماضية، وإنما خلال العقود الستين الماضية وقبلها من زمان ملكي. ولكننا زدنا وعيا بهما خلال العقود الستين الماضية أى منذ قيام ثورة يوليو عام 1952. والفارق بين عقود زمنية وأخرى هو أن الحكومة فى بعض هذه العقود كانت جادة فى مناطحة الفقر والبطالة وفى عقود أخرى كانت متراخية .فخريطة الفقر فى مصر معروفة. نعرف جميعا من البيانات والاحصائيات الصادرة من الدولة أن اعلى معدلات فقر تتواجد فى مناطق الحدود يليها محافظات الصعيد ثم تأتى محافظات الدلتا. كما نعرف أن معدلات الفقر ترتفع فى الريف بالمقارنة بالحضر. كما نعرف أن أفقر ألف قرية مصرية تتواجد فى محافظاتالمنياوأسيوطوسوهاج. ولكن تستمر أفقر الفقراء فى مصر هى المرأة الصعيدية الريفية العائلة لأسرة. أظن أنه لا جديد فى هذه الحقائق. وللحق كانت دولة ما قبل ثورة 2011 عالمة بهذه المشكلات وأقدمت على حل البعض منها بجدية وتراخت عن حل البعض الآخر، بجدية أيضا. وعندما نشير إلى دور الدولة فإننا لا نعنى الحكومة فحسب وإنما نعنى جهاز الدولة وبجانبه القطاع المدنى متمثلا فى المنظمات غير الحكومية.لقد حصل صعيد مصر على جانب من اهتمام الجانبين، الحكومى والأهلي. وكانت مجهودات الجانبين كبيرة، ولكنها كانت أقل كثيرا مما يحتاجه الصعيد. كما أن هذا الجهد لم يسر وفق منظومة مخططة تنهض بكل مكونات هذا الاقليم الثرى بتراثه ولكن الفقير فى امكاناته المادية والبشرية على السواء. ويمكن القول إن نشاط المجتمع المدنى التنموى والحقوقى كان جيدا للغاية وترك آثارا تبلورت فى كثير من الأحداث التى جرت منذ الخامس والعشرين من يناير 2011. ولكن تستمر آثاره الاقتصادية فى حدود المشروعات الصغيرة التى تسهم فى حل مشكلات مجموعات انسانية وبشرية محدودة العدد بالمقارنة بحجم ما هو مطلوب لحل مشكلات البطالة والفقر على مستوى الاقليم، خاصة فى بؤره الحادة الفقر كريف المنياوأسيوطوسوهاج والفيوم. كما تستمر آثاره الاجتماعية مرتبطة بمحدودية أنشطته لأنه فى الأساس يقدم نماذج، مجرد نماذج، لا يمكن أن يطبقها على مستوى الإقليم لأنه مجرد، مجتمع مدنى وليس حكومة تملك وميزانية وخطة. كما لا يمكن أن نتجاهل أن خارطة الطرق فى الصعيدتغيرت تغيرا جذريا فباتت الطرق الرابطة بين الشمال والجنوب اربع بعد أن كانت مجرد طريق زراعى ضيق كثير ثم ربطت الدولة عواصممحافظات الصعيد بمدن البحر الأحمر بطرق ممهدة وإن لم تكن على مستوى جيد جدا. وامتدت بخطوط الطيران فبات فى الأقصر مطار دولى كبير وكذلك فى أسوان ونفس الشيء فى أسيوط ثم فى سوهاج لتتجه إلى كل هذه المطارات الرحلات الدولية والداخلية يوميا.. هذا بجانب العديد والعديد من الكبارى الصغيرة التى تربط بين القرى الواقعة على ضفتى ترعة الابراهيمية. وللحق ربطت الحكومة بين العديد من المراكز والعديد من القرى المصرية. كما لا يمكن أن ننكر أن حكومات ما قبل ثورة يناير 2011 اقامت مدنا جديدة ممتدة للعواصم الصعيدية من موقعها فى الوادى إلى ظهيرها الصحراوي، كما انشأت مناطق صناعية فى عدد من عواصم الصعيد وإن كانت ذات مشكلات عديدة محلية وتخطيطية وبشرية أعاقت نموها. فلم تسهم هذه المناطق الصناعية، بشكل عددى واضح، أن توفر فرص العمل الصناعية التى تستطيع مناطحة البطالة وبالتالى الفقر فى صفوف النساء والرجال. يصعب القول إن الدولة، كجهاز إدارى ومجتمع مدني، لم تع قضايا الصعيد ومشاكل أبنائه. كما يصعب القول إنها أهملت كل هذه القضايا. ولكن الذى يمكن أن يقال إن هذا الصعيد الذى عانى تاريخيا أكثر من غيره من المناطق الجغرافية المصرية بالرغم من استيعابه لعدد هائل من السكان،لم يحصل على العناية الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية الكافية لعلاج نتائج إهمال لسنوات طويلة ممتدة ليس فقط لعقود، وإنما لقرون ماضية بالرغم من كل ما تم وأنجز من جامعات وأجهزة إعلام و. و. وغيرهما. مشكلة الصعيد الأساسية التى ساعدت على تفاقم مشكلاته الاقتصادية والثقافية والاجتماعية أن الدولة المصرية بكل حكوماتها المتعاقبة وبكل مستثمريها الكبار والصغار اتجهت إليه منذ العقد السبعينى من القرن الماضى دون أن تخطط لمناطحة البطالة والفقر بتأسيس جهاز مناعة اقتصادى قوى يتمثل فى اقتصاد إنتاجى سلعى زراعى وصناعى يستطيع النمو والاستفادة من كل مشروعات البنية التحتية التى تمت ثم يمكنه توليد فرص عمل تقضى بالتدريج على البطالة والفقر معا. فى الوقت الذى كانت أمامها فرص جيدة لإحداث تغيير حقيقى ليس فقط فى صعيد مصر وإنما فى كل أقاليمها. لمزيد من مقالات أمينة شفيق