مع اقتراب انتخابات الرئاسة تزداد وعود المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية بتنمية الصعيد فهل أصبحت تنمية الصعيد كلمة استهلاكية أم يمكن للرئيس القادم تغيير واقع الصعيد الذى يضم ثمانى محافظات بتعداد سكانى 31 مليون نسمة من الصعيد وهو السكون الذى يسبق العاصفة لإحساس الصعايدة أنهم على هامش التنمية والحكومات السابقة تتجاهلهم دوماً رغم تمتعهم بالعديد من الموارد الطبيعية التى يمكن أن تسهل عملية التنمية، ونتيجة التخلف والإهمال أصبح الصعيد طارداً للسكان، وما زاد الطين بلة أن الحكومات دأبت على تحويل إمكاناتها إلى محافظات الوجه البحرى والقاهرة على وجه الخصوص، لأنها العاصمة ومحط الأنظار حتى بقى الصعيد فى دائرة النسيان؟ المهندس طارق عبدالرحيم يؤكد أن الصعيد غاب عن وعى الحكومة منذ زمن بعيد، حيث كان كالمنفى عندما يريد معاقبة أحد الموظفين فيتم نقله للصعيد لقلة إمكانياته وخدماته ولم يختلف الحال كثيراً فى هذه الأيام، فاستمر الصعيد بعيداً عن أعين المسئولين. والمشكلة أن الحكومة تخشى الإعلام فى القاهرة لذا هى مهتمة بالوجه البحرى أكثر، وأوضح أن الصعيد لم يتأثر بثورتى يناير و30 يونية، فكان أكثر أماناً وهدوءاً، وأرى أن الحكومة لم تستغل ذلك فى بدء التنمية من هناك، وقال الحاج يحيى إن الصعيد يعمل لصالح مصر لكن الحكومة لم تراع ذلك فهل تنتظر قيام ثوة من الصعيد؟ وقال عبدالرحمن «32 سنة»، محاسب: لم أعمل بالمؤهل الذى حصلت عليه منذ 11 عاماً إلا قريباً، فهناك ارتفاع نسبة البطالة وعدم وجود مصانع أو استثمارات فى الصعيد ما يجعل أبناءه يبحثون عن لقمة العيش فى محافظات الوجه البحرى، مما يزيد العبء عليها، وقد يلجأ بعضهم للسفر للخارج، فالمعروف أن الصعيد طارد للسكان وأكبر محافظة طاردة لأبنائها هى سوهاج، وعلى أى رئيس قادم أن يوفى بوعوده لأهالى الصعيد لا أن يكون كلام انتخابات، أما النظام التعليمى فى الصعيد فقد أصبح عبئاً على الدولة ومجرد شكل فقط لا يقدم شيئاً للطلاب الذين يعتمدون على الدروس الخصوصية، وهناك كثافة عدد الطلاب بالفصول تصل إلى 65 طالباً فى الفصل وقلة عدد المدارس وتهالك الموجود منها وغياب الرقابة وعدم تطبيق نظام الجودة فى التعليم وأيضاً التسرب من المدارس، كل هذا يؤدى لمزيد من الأمية والجهل والفقر. وقالت أم عبدالله، ربة منزل، لقد فقدت أختى فى المستشفى، حيث قلة الرعاية بالمرضى وقلة الإمكانات، فكلما نذهب لمستشفى نجد كلمة إحنا معندناش إمكانات لاستقبال أختك، روحى بيها لمستشفى فى المحافظة فذهبت بها لمستشفى الجامعة بسوهاج ثم أسيوط ثم القاهرة حتى انتقلت إلى رحمة الله، فالعلاج فى الصعيد لا نستطيع أن نقول عليه آدمياً، كما أن المستشفيات الموجودة أغلبها متهالك والقرى تفتقد الوحدات الصحية بمعنى الكلمة وأقصى إمكاناتها أنها تعالج الكحة، وأشار دياب أبوعامر إلى مشكلة مياه الشرب، حيث يعتمد أغلب الصعيد على مياه الآبار أو المياه الارتوازية، والأراضى الزراعية تسقى بمياه اختلطت بمياه الصرف الصحى، مما دمر الزراعة فى الصعيد وطالب الدولة باستغلال مساحات الأراضى الواسعة فى الزراعة وتوزيعها على الفلاحين. وقال «مينا» «24 عاماً» إن هناك غياباً للأمن وانتشار للأسلحة بكميات غير معقولة عند الأهالى، فلا نجد بيتاً فى الصعيد يخلو من السلاح وخاصة منذ الانفلات الأمنى فى 25 يناير فأين المستثمر الذى يمكن أن يأمن على نفسه وماله فى هذه الظروف؟ وقال يوسف بدر إن أهالى الصعيد يعلمون مشاكلهم لكن ينتظرون الحلول كالمريض الذين يعلم مرضه ولا يعلم الدواء، وأرى أن أخطر المشكلات هى البطالة بين شباب الصعيد فعلى الحكومة إيجاد سبيل لاستغلال موارد الصعيد وفتح المصانع وجذب الاستثمارات وإحياء السياحة فى الصعيد، وعلى الإعلام نقل واقع الصعيد ومتابعة مشكلاته والمساهمة فى إيجاد حلول لها. فجوة تنمية الدكتور حمدى عبدالعظيم، الخبير الاقتصادى، يؤكد أن هناك فجوة كبيرة فى التنمية إذا ما قارنا الصعيد بالوجه البحرى والمحافظات الأخرى، فهو يعانى المشكلات فى جميع النواحى، فهناك أزمة فى التعليم، حيث غياب الرقابة والمتابعة وكثافة عدد الطلاب فى الفصول، وفى مجال الصحة تهالك المستشفيات وقلة الإمكانات مما يدفع الأهالى للجوء للمحافظات الأخرى، وهناك مشكلة مياه الشرب، والعادات والتقاليد التى يمكن أن تكون عائقاً أحياناً للتنمية وأهمها انتشار الجهل والأمية. وأضاف هناك بعض الإصلاحات التى تمت فى الصعيد مثل، الطرق كطريق سوهاج البحر الأحمر، وتطوير للمناطق الصناعية وإنشاء المدن الجديدة وعدة جامعات كسوهاج الجديدة وقنا وأسيوط بعد أن كانت جامعة واحدة وهى جنوب الوادى، كما أرى أن هناك اهتماماً مؤخراً بحلايب وشلاتين، لكن ذلك لا يكفى لتقليل فجوة التنمية بين الصعيد والوجه البحرى، وأعلم أن الدستور الجديد نص على الاهتمام بهذه المناطق لكن نحتاج لترجمة هذه النصوص إلى أفعال وواقع ملموس، وأوضح عبدالعظيم أن الصعيد به موارد كبيرة، لكن لم تستغل، فقد اكتشفت مؤخراً مناجم للذهب وهناك موارد للحديد والفوسفات والألمونيوم وهناك أيضاً مشروع توشكى الذى لم يستغل حتى الآن، وهناك الأراضى الواسعة التى يمكن استصلاحها بسهولة، مشيراً إلى أن الصعيد كان من المناطق الهادئة والآمنة خلال ثورتى 25 يناير و30 يونية ولا يعانى الإرهاب الموجود فى الوجه البحرى، وهناك فرصة جاذبة للاستثمار والسياحة بالصعيد، حيث إن الأقصروأسوان اللتين بهما ثلثا آثارالعالم،لذا علينا استغلال ذلك، واعتبر عبدالعظيم الوادى الجديد من أهم المناطق التى يجب على الحكومة سرعة التوجه إليها، لأنها تضم 250 ألف نسمة فقط ومساحتها تعتبر ثلث مساحة مصر وتحتاج لمناطق صناعية جديدة واستثمارات فإن كانت الحكومة لا تستطيع الاستفادة من هذه المناطق وهذه الثروات عليها فتح الباب أمام القطاع الخاص والاستثمارات الخليجية والأجنبية وتسويق هذه المنطقة كمنطقة واعدة، وعلى الحكومة أيضاً القيام وتنفيذ مشروع قومى بهذه المناطق لتشغيل أكبر قدر من العمالة والشباب بدلاً من أن تكون هذه المحافظات طاردة لأبنائها ما يزيد العبء على باقى المحافظات، ودعا الحكومة إلى البدء بتنفيذ برامج مكافحة الفقر والقرى الأكثر فقراً وتشجيع المشروعات الصغيرة وتسهيل القروض لها من خلال بنك التنمية والائتمان الزراعى وإسقاط الديون عن الفلاح ودعم المحاصيل كل ذلك يمكنه تخفيف آلام الصعيد، وأى كلام أو وعود من المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية بتنمية الصعيد تبقى مجرد كلمات استهلاكية حتى تتحول إلى واقع. إهمال تاريخى الدكتور صلاح جودة، الخبير الاقتصادى، مستشار الاتحاد الأوروبى فى الشئون الاقتصادية، يقول: الصعيد مهمل منذ أيام الملك فاروق حتى أصبحت محافظاته الأكثر طرداً للسكان، حيث قلة الخدمات ونقص فرص العمل، وأرى أن الحكومة يجب أن تتعامل مع الصعيد بجدية أكثر فقد كان خام الحديد يجلب من وادى العلاقى فى أسوان إلى مصانع الحديد بالوجه البحرى، ثم يعاد بيعه بعد تصنيعه لأهالى الصعيد بأضعاف ثمنه، فإذا كان هناك مصنع فى أسوان أو أى محافظة قريبة من المادة الخام، فهذا يؤدى إلى تشغيل شباب هذه المنطقة وقلة تكلفته وبيعه، كما أقامت الحكومة ثمانى مناطق صناعية، ولكنها غير مكتملة الخدمات والمرافق وغاب عنها التخطيط، فقد بدأت الحكومة بحى الكوثر بسوهاج لكن لم يكن هناك تحفيز للقدوم للحى كما لم تسلم عقود الأراضى التى شيدت عليها المصانع حتى الآن، وهناك طريق سوهاج البحر الأحمر الذى يتطلب 25 مليون جنيه، وبذلك أضاعت الحكومة 430 مليون جنيه أنفقتها على المشروع الذى كان من الممكن أن يكون منفذاً لسوهاج على البحر، وكذلك الاستفادة من 2 : 3 ك/م على يسار ويمين هذا الخط فى العمران وإيجاد مساكن لأهالى الإقليم وكذا محطات البنزين، ومزيد من فرص العمل بامتداد هذا الخط، وأشار «جودة» إلى أن أى رئيس قادم يجب أن يضع الصعيد نصب عينيه لعدة اعتبارات، أولاً المناخ فى الصعيد يصلح لزراعة القطن قصير التيلة الذى يتم استيراده والاستفادة من حطب هذا القطن لاستخراج الزيت الفرنسى وهو أفضل أنواع الزيوت وصناعة التوت التى تحتاج للمناطق الحارة، وهذا موجود بالصعيد لصناعة الحرير وبناء عدة صناعات على هذا المنتج وزراعة البصل، خصوصاً المجفف وهذا يؤدى إلى توفير عدد كبير من فرص العمل لأبناء هذه المحافظات، وثانياً: صناعة السياحة تحتاج لإعادة إحياء، فالصعيد وحده يحتوى على الكثير من المناطق الأثرية كالأقصروأسوان وهناك مدينتا أخميم وعرابة أبيدوس بسوهاج المليئتان بالآثار الفرعونية، وهناك محافظة المنيا التى تحتوى على المتحف القبطى وعدة معابد، لذا على الحكومة تنشيط وإعادة إحياء هذه الصناعة فى الصعيد، الذى يضم أيضاً الحضارة النوبية وهى من أقدم الحضارات، وثالثاً: الصناعات كثيفة العمالة، حيث تتواجد المواد الخام كالحديد والفوسفات والألمونيوم بدلاً من استقدامها وصناعتها بالوجه البحرى، وطالب «جودة» الحكومة بتنفيذ مشروع قومى بالصعيد ،لتوفير 1.5 مليون فرصة عمل خلال عامين، مع ضرورة وجود خطط طويلة المدى تصل لعشرين عاماً، وتوجيه 70٪ من الاستثمارات للصعيد مع وجود حوافز للمستثمرين كالإعفاء من الضرائب وتوفير الأراضى بأسعار مناسبة لا تعيق المستثمرين ووجود القوانين الواضحة والصريحة التى تعمل لصالح المستثمر وأبناء المنطقة، والتى تضمن الحقوق، كما أن بناء المطارات والجامعات فى هذه المحافظات يشجع للقدوم بدلاً من الهروب منها ويساعد على تخفيف الحمل عن باقى محافظات الجمهورية وخدمة أبناء هذه المحافظات، وطالب «جودة» بجعل حلايب وشلاتين وشرق العوينات والنوبة محافظات منفصلة، لأن كبر محافظة البحر الأحمر جعلها لا تهتم بحلايب وشلاتين وكبر مساحة الوادى الجديد جعل شرق العوينات طى النسيان، ففصل هذه المدن وجعلها محافظة يجعل لها اعتماداتها المالية الخاصة، وسيكون لها مسئولون تحت الأنظار يمكن محاسبتهم، وستكون محافظات جاذبة للاستثمارات والعمالة وسنحافظ على الهوية فى هذه المناطق وهذا هو الأهم.